ارتفعت تكاليف علاج فيروس كورونا بالمستشفيات المصرية إلى حدٍّ دفع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لوصفها بـ"العملية الجنونية"، ورئيس البرلمان المصري بـ"المرعبة"!
كما قد وصفها الإعلامي المصري عمرو أديب على قناة mbc مصر، بأنها تجاوزت أسعار وتكاليف العمليات الجراحية للمخ، وتفوق قدرات كل الطبقات في مصر إلا الأغنياء منهم.
ورغم دخول الحكومة والبرلمان ونقابة الأطباء على خط الأزمة بالتهديد تارة باللجوء إلى قانون الطوارئ، والمناشدات واللقاءات تارة أخرى، فإن محاولات منع المستشفيات الخاصة من رفع الأسعار "الجنونية" باءت حتى الآن بالفشل.
وكان مجلس النواب المصري قد وافق في أبريل/ نيسان الماضي على تعديل بعض مواد قانون الطوارئ، بإضافة البند 2) من المادة 21 من قانون الطوارئ وتعديلاته التي تسمح للدولة بالتدخل لإدارة المستشفيات الخاصة في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا، وتضمن التعديل تحديد أحكام التشغيل والإدارة والاشتراطات والإجراءات التي يتعين على تلك المستشفيات الالتزام بها وآليات مراقبتها.
معركة تكسير عظام
النائبة شادية خضير، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، تقدمت بطلب إحاطة بشأن أسعار العلاج والعزل في المستشفيات الخاصة واعتراضها على الأسعار التي حددتها الوزارة قبل أيام، في أعقاب شكاوى الكثير من المواطنين من غلاء فواتير العلاج.
وقالت في تصريحات لـ"عربي بوست": "سنتابع نتائج وزيرة الصحة مع ممثلي المستشفيات الخاصة الذي تم قبل أيام، فنحن في حالة حرب ولا بد أن يشارك الجميع في هذه الحرب"، مشيرة إلى أنه "رغم أن المستشفيات الخاصة استثمارية وتقدم خدمات مميزة وتختلف من واحدة لأخرى، فإن المرضى يشكون من المغالاة في أسعار العلاج".
واستدركت قائلة: "لا نريد أن ندخل في صدام مع القطاع الخاص أو نضطهده أو نأممه لأنه الجناح الثاني للدولة مع القطاع العام"، داعية إلى "الالتزام بالأسعار التي حددتها الحكومة، وتضمن لهم هامش ربح، لكن في حال عدم الاستجابة ستكون هناك تحركات أكثر من ذلك"، لكنها لم تكشف طبيعة تلك التحركات حتى يثبت العكس.
هل الحكومة ضعيفة
لم يخرج اجتماع وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، الإثنين الماضي، مع ممثلي القطاع الخاص، وعدد من ممثلي كبرى المستشفيات الخاصة لمناقشة الخلاف حول أسعار تقديم خدمة علاج مصابي فيروس كورونا بأي قرار يُلزم القطاع الخاص بتسعيرة العلاج الحكومية.
وكانت الوزارة قد حددت مجموعة أسعار لعلاج مصابي فيروس كورونا بالمستشفيات الخاصة مطلع الشهر الجاري، تتراوح ما بين 1500 جنيه و3000 جنيه لمريض العزل في القسم الداخلي لليوم الواحد، و5000 جنيه و7000 جنيه في الرعاية المركزة دون جهاز تنفس صناعي، و7000 و10 آلاف في الرعاية المركزة مع جهاز تنفس صناعي. (الدولار 16.15 جنيه).
إلا أن المستشفيات الخاصة التي كانت تقدم خدمات علاج لمصابي كورونا، انسحبت من تقديم تلك الخدمات بعد إعلان الوزارة أسعارها، اعتراضاً على تلك الأسعار، وفق عضو مجلس غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات، خالد سمير.
ووفق صحيفة "البورصة" المصرية، طرحت المستشفيات الخاصة أسعاراً بديلة تعادل أكثر من ضعفي أسعار مستشفيات الدولة، حيث تتراوح بين 7 و 11 و18 ألف جنيه بالقسم الداخلي، و10 و18 ألفاً و25 ألف جنيه للرعاية المركزة في اليوم الواحد.
بالقانون أم بالطوارئ
أمين عام نقابة الأطباء، إيهاب الطاهر، وصف أسعار مستشفيات القطاع الخاص بـ"الباهظة"، وقال: "علاج المواطنين مجاناً وبأسعار مخفضة واجب الحكومة وليس القطاع الخاص الذي يقدم خدمات طبية من خلال مشروع استثماري، ولكن هناك مغالاة في أسعار الخدمات العلاجية لمصابي فيروس كورونا من بعض مستشفيات القطاع الخاص".
وأضاف لـ"عربي بوست": "في الظروف الطارئة مثل هذه من الواجب تدخل الحكومة لضبط الأمور، ورغم أن المستشفيات الخاصة معدة لمعالجة المواطن القادر مادياً فإنه حتى هذا المواطن القادر في ظل ظروف مكافحة الوباء لا يجوز استغلاله، وبالتالي من حق الحكومة أن تحدد التكاليف الحقيقية للعلاج بكل فئة من المستشفيات على حدة من خلال لجنة خاصة، ويضاف لها هامش ربح بسيط".
وبشأن تطبيق قانون الطوارئ على المخالفين، أكد أنه "ضد فرض أو إصلاح أي خلل في المنظومة الصحية من خلال القرارات الأمنية، وفي حال عدم الالتزام أدعو إلى تطبيق العقوبات القانونية كإغلاق المستشفى أو الإنذار بإغلاقه من خلال إدارة التفتيش الحر بوزارة الصحة".
ووفق بيان الجهاز المركزي المصري للإحصاء في نيسان/أبريل الماضي 2020، فقد بلغت حصة القطاع الحكومي من المستشفيات 691 مستشفى، مقابل 1157 مستشفى يتبع القطاع الخاص، وكانت حصة القطاع الحكومي من الأسرَّة نحو 95 ألفاً و683 سريراً، مقابل 35 ألفاً و320 سريراً للقطاع الخاص.
تزاوج السلطة بالصحة
يؤكد مراقبون ومختصون أن الحكومة لن تدخل في صدام مع أصحاب تلك المستشفيات الاستثمارية الكبيرة، التي تحقق إيرادات بمليارات الجنيهات كمجموعة مستشفيات كليوباترا (استثمارات إماراتية تضم مستشفيات الكاتب والنيل بدراوي والقاهرة التخصصي والشروق، حيث بلغت 1.8 مليار جنيه في عام 2019).
مشيرين إلى أن العديد من المستشفيات الخاصة تعود لوزراء سابقين، ورجال أعمال مقربين من السلطة، ويمارسون ضغوطاً كبيرة ضد القرارات التي تتعارض مع مصالحهم الاستثمارية والربحية حتى في أوقات الأزمات الوبائية كجائحة كورونا.
فمثلاً، يمتلك وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي مستشفى "دار الفؤاد" بفرعيها في مدينتي 6 أكتوبر والقاهرة، وهو واحد من أكبر المستشفيات الخاصة باهظة التكاليف، بالإضافة إلى سلسلة معامل كايرو سكان، وشراكات أخرى في بعض المستشفيات من خلال المساهمة في بعض الشركات.
كما يضم مجلس إدارة شركة "استثمار" التابعة لشركة "أبراج كابيتال" الإماراتية، المالكة لعدد من المستشفيات الخاصة، مستشار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لشؤون الصحة والوقاية وزير الصحة السابق محمد عوض تاج الدين، الذي تولى منصبه الجديد في مايو/أيار الماضي، وفق ما تداوله بعض النشطاء.
ويضم مجلس إدارة مستشفى "كليوباترا" بالإضافة إلى مستشار السيسي لشؤون الصحة والوقاية، وزير التجارة المصري الأسبق طارق قابيل، ونائبة وزير المالية المصري السابق منال حسين عبدالرازق، ونائب رئيس جهاز المخابرات العامة السابق عمر عاطف قناوي، وذلك وفق ما هو منشور بصفحة مجموعة مستشفيات كليوباتر على الإنترنت.
من جهته انتقد مدير مستشفى هليوبوليس، سيد محروس، ارتفاع أسعار علاج كورونا بالمستشفيات الخاصة الأخرى، وقال في تصريحات لـ"عربي بوست": إن "الأرقام التي نسمع عنها لعلاج مصابي فيروس كورونا في المستشفيات الخاصة فلكية، ولا شيء يبررها".
مشيراً إلى أن "التكلفة التي نعمل بها في مؤسستنا أقل من ذلك بكثير، ولا يوجد وجه مقارنة، وما حددته وزارة الصحة من أسعار معقولة جداً وعادلة، هناك بعض المستشفيات طلب 100 ألف جنيه قبل دخول المستشفى وفق ما يصلنا من شكاوى، هذا ليس استثماراً إنما استغلال".
استثمارات خليجية
وتمتلك السعودية العديد من المستشفيات الخاصة؛ إذ تمتلك مجموعة "علاج" السعودية 9 مستشفيات، من بينها "الأمل بالجيزة، والإسكندرية الدولي والعقاد في أسيوط والمشرق في الدقي، وعلاج بمصر الجديدة والعروبة في مصر الجديدة وكايرو كلينك للأطفال".
كما تمتلك مجموعة أندلسية الطبية السعودية في مصر، كلاً من مستشفى الأندلس بالمعادي وعيادات أندلسية التخصصية في مصر الجديدة، ومستشفى الأندلس بسموحة ومستشفى "الأندلس – الشلالات" بالإسكندرية، إضافة إلى مستشفيين في السادس من أكتوبر والتجمع الخامس.
وتسعى مجموعة مستشفيات السعودي الألماني المالكة للمستشفى السعودي الألماني بقسم النزهة بالقاهرة، لإنشاء 4 مستشفيات بالجيزة والإسماعيلية وأسيوط والقاهرة الجديدة، وضخ مليار جنيه وفق موقع المستشفى الرسمي.
وكانت مصادر صحفية قد كشفت في شباط/ فبراير الماضي، أن "جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، خاطب وزارة الصحة، لاستخدام صلاحيتها بمنع صفقة الاندماج المحتملة بين مجموعة مستشفيات كليوباترا ومجموعة "ألاميدا" المالكة لمستشفيات دار الفؤاد والسلام الدولي، لتأثيرها السلبي على المنافسة في القطاع الصحي".
وكان موقع "مصراوي" قد ذكر أن شركة "ألاميدا" يتبعها كل من مستشفيات السلام الدولي بالمعادي، والسلام الدولي بالقطامية، ومستشفى دار الفؤاد بمدينة 6 أكتوبر ومدينة نصر ومعامل يوني لاب وإليكسرا للمناظير وطبيبي.
نفوذ أصحاب المستشفيات
اللجوء إلى المستشفيات الخاصة هو لجوء المضطر بعد المشاهد المفزعة التي رآها المصريون في أروقة المستشفيات الحكومية من مرضى ينازعون الموت دون مغيث، هكذا وصف المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، سابقاً، يحيى موسى، طرق المواطنين أبواب المستشفيات الخاصة، داعياً إلى فتح مستشفيات الجيش والشرطة لمنع هذا الاستغلال.
وفي تصريحات لـ"عربي بوست" أعرب عن اعتقاده بأن "المستشفيات الخاصة لن تلتزم بالتسعيرة المفروضة ولن تستطيع الوزارة اتخاذ أي خطوات عقابية تجاه المستشفيات لعدة أسباب؛ أهمها أن هناك شراكات واستثمارات ضخمة لرجال أعمال نافذين وقيادات بالدولة مع أصحاب هذه المستشفيات، وهو ما يمثل طبقة حماية لهم إضافة إلى شراء الإمارات للعديد من المستشفيات ومعامل التحاليل الكبرى في مصر".
وأوضح موسى أن "المستشفيات الخاصة في مصر تمثل ما يقارب 30% من المنظومة الطبية، وهي مشاريع استثمارية في الأساس لا يستطيع تحمل تكاليفها الطبقة الفقيرة أو المتوسطة، حتى ما حددته الواحد على جهاز التنفس الصناعي و7 آلاف لليوم في الرعاية و3 آلاف للغرفة العادية!".وزارة الصحة من تسعيرة هو باهظ بالنسبة للمواطن العادي، إذ يبلغ 10 آلاف جنيه لليوم .