"لثام الطوارق بديل للكمامة" شعار يرفعه طوارق الجزائر بعدما فرضت الحكومة ارتداء المواطنين الكمامات في الأماكن العامة والمحلات والأسواق لمواجهة وباء كورونا.
و"الطوارق" (أقصى الجنوب الجزائري)، هم مجموعة من القبائل الأمازيغية الأصل، استوطنت الصحراء الكبرى، وأزواد شمالي مالي، والأهقار جنوب شرقي الجزائر، وشمالي النيجر، وجنوب غربي ليبيا، وشمالي بوركينافاسو، وفق باحثين.
ويشتهر مجتمع الطوارق بالجزائر، أقصى جنوبي البلاد، باللباس التقليدي العمامة (الشاش تسمية محلية) التي تغطي الوجه والرأس باستثناء العينين، وتتنوع وتختلف ألوانها وأشكالها.
ومن فرط ارتباط الطوارق باللثام فإنهم يُسمَّون بالملثمين.
ويقول بعض أفراد مجتمع الطوارق إن اللثام بديل للكمامة، ولكن يبدو أن الأطباء لهم رأي آخر.
طوله 10 أمتار، وللرجال أكثر من النساء.. جذور اللثام
يُعدّ اللثام في مجتمع الطوارق عادةً عريقة يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، ويعتبر مدعاةً للفخر والرجولة، وأحد الوسائل التي تقيهم من رياح الصحراء العاتية.
ويعكِف الرجل عند الطوارق على وضع لثامٍ يبلغ طوله أحياناً من خمسة أمتار إلى 10، يلُفّه بإحكام على جميع وجهه حتى لا يظهر سوى العينين، ولا ينزعه في الحِل والترحال، ويقال إنه لا ينزِعه حتى أثناء نومه.
المفارقة أن اللثام أقل أهمية لدى المراة من الرجل، إذ تكشف المرأة الطارقية وجهها مكتفية بتغطية شعرها في الأغلب.
ولا يُعرف تاريخ محدد لظهور اللثام عند الطوارق. تقول روايات متداولة حول جذور اللثام إنّ رجال إحدى قبائل الطوارق خرجوا مرة في مهمة، وخالفهم العدو إلى مضاربهم، حيث نساؤهم وأطفالهم فقط.
وحسب الرواية كان في الحي عجوز حكيم، نصح النساء بأن يرتدين ملابس الرجال ويتعمّمن ويحملن السلاح ففعلن، وفجأة عاد رجال الحي، فظنّ العدو أنه وقع بين جيشين، وانهزم وفرَّ، ومنذ تلك الواقعة أصبح الرجال يرتدون اللثام بشكل دائم.
ويُحكى أيضاً أن قدماء الطوارق يضعون اللثام بصفه رمزية، لحماية مداخل الجسم من تسرب الأرواح الشريرة إليها، كما كان يُعتقد عندهم قديماً أنّ الفم بمثابة عورة، فإذا لم يتم حفظه ستخرج منه كلمة السوء.
ولكن على الأرجح، وبعيداً عن هذه الحكايات الملحمية، فإن ارتداء اللثام قد يكون مرتبطاً بطبيعة البيئة الصحراوية القاسية.
إذ يرى الباحث في التراث، عثمان أوقاسم، من محافظة إليزي، أنّ "اللثام يرتبط بالبيئة والمناخ اللذين يتواجد بهما، قبل أن يستقر عند (الطوارق) والبدو الرحل".
وقال أوقاسم لـ"الأناضول": "اللثام يرافق سكان الصحراء الكبرى، فعلى من يقطع مسافات طويلة أو يخرج للصيد أو للفلاحة ارتداؤه".
وتابع: "ذلك لمواجهة العوامل الطبيعية في الصحراء القاسية، سواء حرارة الشمس أو البرد أو الرياح والزوابع الرملية".
لثام الطوارق بديل للكمامة.. ماذا يقول الأطباء؟
يستغني طوارق الجزائر عن الكمامة التي فرضتها الحكومة؛ لأنهم يرتدون اللثام باعتباره قناعاً واقياً من الفيروس.
ولكن الأطبأء يعترضون على فكرة أن اللثام يمنع العدوى كالكمامة.
قالت الطبيبة زايدي، مختصة في الأمراض المعدية، بمحافظة إليزي (جنوبي البلاد)، إنّ "اللثام لا يعوض الكمامة الطبية".
وأضافت زايدي في تصريح للتلفزيوني الرسمي، أنّ "القماش الذي يصنع منه اللثام خفيف ورقيق، ويسمح بدخول الفيروس".
وتابعت: "مَن يلبسون اللثام يلمسونه عدّة مرّات في اليوم، لذلك هذا يساهم في خطر الإصابة بفيروس كورونا".
وأشارت المتحدثة إلى أنّه "يجب عدم لمس الكمامة، وإذا حدث ذلك يجب أن تكون الأيدي معقمة، وبالنسبة للثام الأمر صعب".
ولكن الاستغناء عنه صعب.. إنه رمز الهيبة والرجولة، فهل يمكن إعادة تأهيله؟
"اللثام يعدّ رمزاً للهيبة والوقار عند الرجل الطوارقي".
بهذه الكلمات تُفسّر الباحثة في التراث، فاطمة تقابو، صعوبة تخلي رجال الطوارق عن اللثام والاعتماد على الكمامة.
أوضحت تقابو أنّ "الرجل يلبس اللثام بعد بلوغه سن الرشد، ليعبر للجميع أنه بإمكانه تحمّل المسؤولية مهما بلغت، ويُعتبر رمزاً للتملك عند المرأة".
وأضافت: "يختلف قماش غطاء الرأس الذي يشكل بآخره اللثام عند الرجل من منطقة لأخرى وحسب المناسبة".
واستطردت فاطمة تقابو قائلة: "تختلف لفّة اللثام حسب السن والحالة الاجتماعية، ويُرتدى تماشياً مع متطلبات البيئة والمناخ الصحراوي الجاف والبارد".
وترى أنّه "لا يمكن اعتماد اللثام ككمامة، لأنّ طريقة ارتدائه المعقدة تجعل اليد تُلامس عدة أجزاء من الوجه، ما يُسهل انتقال الفيروسات".
ووفقها: "إذا استعمل ككمامة وجب طيّه عدّة طبقات عديدة، وتغييره كل ثلاث ساعات تماماً، مع الحرص على عدم لمسه كثيراً".
هل تكون بعض أنواع اللثام بديلاً للكمامة؟
"اللثام الإيموهاغي يمكن أن يحل بدلاً من الكمامة، لكون سُمكه غليظاً، ويمنع دخول الهواء إلى الفم، والذي يحتمل أن يكون ناقلاً للفيروس"، حسبما يقول الباحث في التراث عثمان أوقاسم، من محافظة إليزي.
وإيموهاغ كلمة طارقية تعني الرجال النبلاء، ومفردها أماهغ.
وقال أوقاسم: "أنا أستعمله بدل الكمامة، فإضافة لكونه عادة وتقليداً عندنا وجدته مناسباً للوقاية من كورونا بعد تفشّيها في بلادنا".
بدوره، قال الأكاديمي بجامعة ورقلة (جنوب)، بودة العيد، إنَّ "اللثام أو (تاجلموست) بلهجة الطوارق، عبارة عن قطعة قماش طويلة تُلّف على شكل عمامة على كامل الوجه والرأس".
وأكمل العيد في حديثه لـ"الأناضول": "وتترك العينان ليتسنى للرجل الرؤية، ويكون مزيجاً من اللون الأبيض والأزرق النيلي".
وأشار المتحدث إلى أنّ "العديد من الأنثروبولوجيين حاولوا تفسير هذه العادة، فمنهم من يرى أنه كيان يرجع ارتداؤه إلى الوقاية من الجن والأرواح الشريرة، وآخرون يرون أن الطارقي يلجأ لإخفاء وجهه عن طريق اللثام كي لا يعرفه أعداؤه".
ولفت إلى أنّ "فريقاً آخر فسَّره بأنه للوقاية من حرِّ الشمس والزوابع الرميلة الصحراوية والبرد القارس".
ودعا الباحث إلى مراجعة التراث الأسطوري للطوارق، ومحاولة مقاربته مع واقعهم وحقيقتهم، لأن ما كتبه الآخرون -بحسب قوله- خاصة الفرنسيين يحمل كثيراً من المغالطات التاريخية.