عندما ضرب فيروس كورونا أفغانستان، كانت "فرشتا" قد أمضت شهوراً في تأسيس فرع لعمل تجاري؛ لإعانتها على توفير القوت لأسرتها، وفي الوقت نفسه كسر قيود بعض المحرمات بالنسبة النساء.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت طالبة الهندسة -التي طلبت ذكر اسمها الأول فقط- واحدةً من السائقات اللاتي يقدن أسطولاً مكوناً من 40 عربة تابعة لمطعم Banu's Kitchen في أنحاء كابول، ليقدّمن شطائر البرغر والأرز إلى قاعدة من الزبائن يغلب عليها الذكور.
قالت فرشتا: "في البداية، كان الرجال في الشوارع يندهشون لرؤيتنا نقود دراجة بخارية ونبيع الطعام، لكن بعد مرور نحو شهرين أو ثلاثة، أصبحوا الآن معتادين على الأمر، حتى إنهم يدعموننا".
كانت فرشتا، ذات التسعة عشر ربيعاً، تتلقى 300 أفغاني (3.83 دولار أمريكي) يومياً، إضافة إلى نسبة من الأرباح.
لكن في 26 مارس/آذار الماضي، عندما فُرِض العزل في المدينة، أُجبر المطعم الذي تعمل فرشتا لصالحه على الإغلاق. وفرشتا ليست المُعيلة الرئيسية في منزل مكون من ستة أفراد بواحدة من أغلى مدن أفغانستان معيشةً فحسب، بل تدفع طالبة الهندسة أيضاً تكلفة تعليمها الجامعي.
وقالت الفتاة: "وضع أسرتي الاقتصادي ليس في أفضل حال، ولا يوجد ما يعيب في أي عمل".
وبعد انتشار فيروس كورونا بأفغانستان أصبح الحل في تحويل العربات إلى وسائل للتطهير
ولحسن الحظ، فقد ساعدتها في تلك الأزمة مؤسسة "
Ebtakar" الاجتماعية -وهي منظمة غير حكومية كانت قد ساعدت فرشتا من قبل ونحو 100 سيدة أخرى في تأسيس الأفرع المتنقلة لمطعم Banu's Kitchen- عن طريق هذه الفكرة: تحويل عرباتهن إلى وحدات تطهير متنقلة؛ لمساعدة الناس على البقاء سالمين في أثناء الجائحة.
منذ أبريل/نيسان، تجوب فرشتا بعربتها المناطق الأفقر في المدينة؛ لتطهير السيارات والمحال والأماكن العامة، وتقدم الكمامات والقفازات والمطهرات المجانية للجميع.
وتقول الفتاة: "الآن في ظل إغلاق أغلب الأعمال التجارية بسبب (جائحة) كوفيد-19 وفرض الحجر الصحي في المدينة، ويشمل ذلك عربات الطعام المتنقلة خاصتنا، فإننا نستخدم عرباتنا لتطهير المدينة ووقاية الناس، وسياراتهم والمجتمع بأَسره".
معدات للوقاية ولكن هناك خوف من أزمة كبيرة من جراء نقص الموارد
يقول فرهاد وجدي، مؤسس "Ebtakar": "قررنا استخدام العربات التي لدينا بالفعل للمساعدة في توفير خدمات التطهير المجانية، بينما نُبقي أيضاً النساء مُشتغِلات". تحصل النساء على أجرٍ يومي يصل إلى 500 أفغاني (6.4 دولار أمريكي)، ولديهن معدات وقائية لارتدائها. أمَّنت المؤسسة غير الحكومية تمويلاً من الأمم المتحدة والحكومة الأفغانية لتنفيذ الفكرة.
تكافح أفغانستان لاحتواء انتشار فيروس كورونا. وبحلول بداية يونيو/حزيران، سُجل أكثر من 16 ألف حالة إصابة.
وأثارت الأمم المتحدة المخاوف إزاء نقص المرافق والموارد الطبية الملائمة مما يهدد بمفاقمة الأزمة الصحية.
والجائحة قد تودي بالحقوق القليلة التي اكتسبتها النساء
وأثار تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية المخاوف من التداعيات المتفاوتة للجائحة على النساء الأفغانيات. وأشار التقرير إلى أن "المفاهيم الأبوية تحد من حركة النساء، ووصولهن إلى الحقوق الأساسية، مثل التعليم والصحة، وتحكمهن في مواردهن، واتخاذ القرارات المؤثرة في حيواتهن، والحق في أن يعشن أحراراً بعيداً عن العنف. يثبت (مرض) كوفيد-19 أن الوضع لم يختلف ويفاقم اللامساواة التي تواجهها النساء الأفغانيات".
وأضاف التقرير: "قدرة النساء المتضائلة على كسب المال في أثناء تفشي كوفيد-19 تُقوض بشدةٍ استقلالهن المادي والاجتماعي. فقدان فرص العمل هذا مقلق للغاية، إذ إن توفير دخل إضافي للأسرة كان المبرر الرئيسي للسماح للنساء بمغادرة المنزل".
بعد المضايقات أصبحن الآن يقابَلن بالتحية
قبل جائحة "كوفيد-19″، كانت العربات التي تجوب المدينة تكسر المحرمات بالفعل. إذ تندُر رؤية نساء يقدن درجات بخارية، ومن غير المعتاد أن تدير امرأة كشكاً في مجال طعام الشوارع المفعم بالنشاط في كابول.
يقول وجدي: "هناك وصمة اجتماعية تصاحب عمل النساء في أفغانستان تَحُول دون حصولهن على فرص اقتصادية متساوية (مع الرجال)، خاصة في قطاعات بعينها مثل مجال طعام الشوارع"، مضيفاً: "نرغب في تشجيع النساء الأفغانيات على الشعور بأنهن غير مقيَّدات فيما يخترن مسارات حياتهن المهنية أو أعمالهن التجارية التي تكون عادة للرجال".
بالنسبة لفرشتا فالعمل هو بمثابة انفراجة مالية، إضافة إلى تغيير في سلوك المجتمع.
وتقول الفتاة: "النساء بالفعل ليس مرحباً بهن دائماً عندما يعملن خارج المنزل. منذ بدئي العمل على عربة الطعام المتنقلة، لاحظت أن الناس قد يضايقوننا، لكن في نهاية المطاف كان عليهم تقبُّل أننا نعمل هنا".
وتضيف: "الناس قد يشعرون بالصدمة لرؤية نساء يعملن في الشارع، لكنهم الآن يحيُّوننا".