نشأت حالة من السجال السياسي بين الأحزاب التونسية بعد رفض مجلس نواب الشعب لائحةً تُطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها زمن الاحتلال، بعد أن فوَّتت الانقسامات السياسية الفرصةَ على تونس لانتزاع اعتراف من فرنسا بجرائمها بحق آلاف من مناضليها.
ويذهب البعض إلى أن مجلس نواب الشعب فوَّت الفرصة أيضاً على تونس للحصول على تعويضات عن جرائم فرنسا، يمكن أن تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
تعويضات ضخمة
من جهتها، أكدت علا بن نجمة، رئيسة لجنة التحري والتّقصي بهيئة الحقيقة والكرامة لـ"عربي بوست"، أن سقوط لائحة مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها في عهد الاحتلال في تونس، في مجلس نواب الشعب، كان أمراً مؤسفاً ومؤلماً للشعب التونسي، ولعائلات ضحايا الاحتلال الفرنسي.
وأوضحت بن نجمة أنه إلى جانب الأثر المعنوي لتقديم فرنسا اعتذاراً عن جرائمها، فهي مُطالبة بجبر الضرر وتعويض عائلات الشهداء، وكذلك الدولة عن استغلال ثرواتها، مشيرة إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة أعدت تقريراً في هذا الإطار، كان يمكن اعتماده كسندٍ رسمي لهذه اللائحة، مضيفة أن الهيئة سبق أن طالبت فرنسا بالتعويض عن جرائمها الاستعمارية في تونس.
وتابعت أن حصر قيمة التعويضات أمر صعب، لكنه يتجاوز مئات ملايين الدولارات بالنسبة لضحايا فترة الاحتلال الفرنسي في تونس فقط، والذين تجاوز عددهم 7 آلاف ضحية، مؤكدة أن سلطات الاحتلال الفرنسي زجَّت بآلاف التونسيين بالقتال تحت رايتها في أكثر من منطقة عبر العالم، والذين قُتلوا في معارك فرضتها فرنسا عليهم.
وكانت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، قد أكدت في حوار مع موقع France Info أن الهيئة طالبت فرنسا بتعويض قدره 60 ألف يورو عن كل ضحية للاحتلال الفرنسي لتونس.
هوس الانقلاب
من جهته، أكد النائب عن ائتلاف الكرامة نور الدين العلوي لـ"عربي بوست"، أنَّ سقوط لائحة ائتلاف الكرامة لحظةٌ مخزيةٌ مريرةٌ، مشيراً إلى أن المنطقي هو أن ترفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها مثلاً، لكن الأمر غير المنطقي هو أن يمتنع الضحية عن مطالبة جلّاده بالاعتذار، في استبطان لمشاعر الدونية أمامه.
وأوضح العلوي أن التصويت على اللائحة التي قدَّمها ائتلاف الكرامة أظهر بوضوح ارتهان أحزابٍ وكتلٍ برلمانية لصالح فرنسا (رَفَضَ تسميتها)، والهوس المَرَضي لدى حركة النهضة، التي يُحرِّكها في التعامل مع القضايا السيادية معطى واحد؛ هو الخوف من الانقلاب عليها.
وأوضح العلوي أن اللائحة التي قدّمها ائتلاف الكرامة لا تهدف بالأساس إلى الحصول على تعويضات مادية، لكن لانتزاع اعتراف من فرنسا بجرائمها، والاعتذار عنها، مشيراً إلى أن المطالبة بالتعويض عن هذه الجرائم هي مرحلة تلي مرحلة الاعتراف والاعتذار ولا تسبقها، مؤكداً أنه بإمكان فرنسا تعويض ضحايا مجازرها لفائدة الدولة، من خلال زيادة الاستثمارات الفرنسية في تونس، كما فعل برلسكوني في ليبيا، أو بشطب الديون التونسية لدى فرنسا.
مصلحة تونس أولاً
ومن جهته، أكد النائب عن حركة النهضة في مجلس نواب الشعب، السيد فرجاني، لـ"عربي بوست"، أن لائحة المطالبة بالاعتذار التي قدَّمها ائتلاف الكرامة لم تُشِر إلى قيمة التعويضات، مضيفاً أن تقرير هيئة الحقيقة والكرامة كان من المفترض أن يتم تمريره لمجلس نواب الشعب، لاعتماده كسند يمكن الاعتماد عليه في هذه الوضعيات، لكن ذلك لم يتم.
وأضاف: "عدم دعم النهضة لهذه اللائحة لا يعني أنها ضد مطالبة فرنسا بالاعتذار، لكن تقدير الحركة أن الوقت غير مناسب للتصويت على هذه اللائحة، التي كانت ستضرّ تونس أكثر ما تفيدها، ذلك أن الوضعية الاقتصادية الكارثية التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى التداعيات الكبيرة لتفشي فيروس كورونا، تجعل تعريض مصالح تونس الخارجية للخطر أمراً غير حكيم".
وتابع فرجاني: "الوقت لم يفُت، وبإمكاننا إعادة طرح هذه المسألة مرة أخرى عندما نكون قادرين ومهيئين لذلك. وعدم دعم هذه اللائحة يكشف حكمة الغنوشي وحركة النهضة، التي كان من المنطقي أن تدعم مقترح أحد حلفائها، لكنها اختارت مصلحة تونس على ذلك".
الشريك الاقتصادي
وفي سياق متصل أكدت ليليا بالليل، النائبة عن قلب تونس (دائرة فرنسا)، أن الحزب صوّت بالاحتفاظ على لائحة مطالبة فرنسا بالاعتذار؛ لأن توقيت تقديم اللائحة غير مناسب، في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وأضافت أنه من المسيء للشهداء والمناضلين تقييم نضالهم ضد الاحتلال بأية أموال، مشددة على أن حزب "قلب تونس" يؤيد المطالبة باعتذار من فرنسا عن جرائمها؛ لكن ذلك يجب أن يكون بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، المسؤول الأول عن السياسة الخارجية للبلاد.
وتابعت: "فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول لتونس، والتي تستقبل على أرضها أكثر من مليون تونسي؛ لذلك فإن وضع العلاقات الثنائية بين البلدين في موضع خطر ليس من الحكمة في شيء".