أثار إعلان اليونان وإيطاليا توقيع اتفاق وصفه البعض بالتاريخي لترسيم الحدود البحرية بينهما ويقيم منطقة اقتصادية حصرية كثيراً من الجدل، رغم أن تفاصيل تلك الاتفاقية لم يتم كشفها، فماذا تعني تلك الاتفاقية بالنسبة للصراع الدائر في منطقة شرق المتوسط؟ وما الانعكاسات المحتملة على اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وليبيا؟
ماذا حدث؟
أمس الثلاثاء 9 يونيو/حزيران، وقَّعت اليونان وإيطاليا اتفاقاً بشأن الحدود البحرية يقيم منطقة اقتصادية حصرية بين البلدين ويحل مشاكل كانت عالقة منذ فترة طويلة بشأن حقوق الصيد في البحر الأيوني، وجاء التوقيع خلال زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو.
وبحسب رويترز، لم تتوفر بعد تفاصيل عن الاتفاق، الذي يمدد فعلياً اتفاقاً أبرم عام 1977 بين البلدين بشأن الجرف القاري في البحر الأيوني.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس إن الاتفاق أكد حق الجزر اليونانية في المناطق البحرية وحسم القضايا المتعلقة بحقوق الصيد، وأشار إلى أن "هذا يوم تاريخي"، مضيفاً أن اليونان تسعى لإقامة مناطق اقتصادية حصرية مع كل جيرانها.
ما خلفية القصة؟
المنطقة التي شملها تمديد اتفاق كان سارياً منذ أكثر من أربعة عقود بين البلدين عبارة عن مجموعة من الجزر لم تكن لها أهمية كبيرة بالنسبة للبلدين قبل اكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة في منطقة شرق المتوسط ونشوب توتر على مدى أشهر في المنطقة بسبب نزاعات على الموارد الطبيعية.
وبالتالي يأتي الجدل المصاحب للإعلان عن تلك الاتفاقية في إطار المواجهة الدبلوماسية المعقدة بين دول شرق المتوسط، وبخاصة بين تركيا واليونان وقبرص، ليس فقط بسبب التوترات الأخيرة ولكن أيضاً بسبب الصراع بين اليونان وتركيا وبينهما قبرص المقسمة حالياً إلى قبرص اليونانية وقبرص التركية.
كما يأتي الاتفاق اليوناني الإيطالي في أعقاب توقيع تركيا والحكومة الليبية، المعترف بها دولياً برئاسة فائز السراج في طرابلس، قبل أشهر اتفاقاً بشأن الحدود البحرية، وهو الاتفاق الذي أثار غضب اليونان التي اعتبرت الخطوة تعدياً على حقوقها السيادية.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لشرق المتوسط؟
اليونان -من جانبها- ترى أن اتفاقها لترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا "شرعي"، بينما تصف الاتفاق التركي مع الحكومة الليبية بغير الشرعي، وهذا الموقف طبيعي من الجانب اليوناني، ويقابله موقف تركي أيضاً يتمسك بشرعية اتفاقه مع ليبيا وقام بإرسال الاتفاقيات الموقعة للأمم المتحدة لتوثيقها دولياً.
الإعلان عن توقيع الاتفاقية بين اليونان وإيطاليا -في حقيقة الأمر- لا يمثل تغييراً من أي نوع على الوضع في منطقة شرق المتوسط، لأنها تركز على ما يعرف بالمنطقة الاقتصادية الحصرية بين البلدين، وهي تركز أكثر على حقوق الصيد في المناطق البحرية المشتركة بين الدولتين، وخصوصاً حينما تتداخل مسافة الـ12 ميلاً بحرياً (المياه الإقليمية لكل دولة)، وذلك بحسب قانون البحار الدولي.
واللافت هو انتشار صور وخرائط متعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكلها بلا استثناء لا تحمل طابعاً رسمياً، لكنها تجد انتشاراً بين بعض مستخدمي منصات التواصل من المنتقدين لتركيا والمؤيدين لها على السواء، وكل طرف يفسر الاتفاقية بين إيطاليا واليونان حسبما يريد، كما يتضح من هاشتاغ EZZ وهو اختصار للمنطقة الاقتصادية الحصرية باللغة الإنجليزية.
https://twitter.com/hashtag/EEZ?src=hashtag_click
الصورة الأكبر للصراع
في ظل غياب تفاصيل الاتفاق الموقّع بين اليونان وإيطاليا يصبح من الصعب أو بالأحرى من المستحيل تقديم معلومات دقيقة، وبالتالي قراءة التداعيات المتوقعة للاتفاقية على شكل المعركة الدبلوماسية الخشنة الدائرة حالياً في شرق المتوسط، لكن هناك مؤشرات يمكن التوقف عندها.
أول تلك المؤشرات هو أن جميع التصريحات بشأن الاتفاقية جاءت على لسان وزير الخارجية اليوناني دندياس، ومنها وصف الاتفاقية بالتاريخية والتأكيد على "حق الجزر اليونانية في المناطق البحرية وحسم القضايا المتعلقة بحقوق الصيد"، بينما لم يصدر عن نظيره الإيطالي دي مايو أي شيء تقريباً، وهو ما يعني توظيفاً يونانياً للحدث، خصوصاً أن دندياس استطرد بالقول إن بلاده تخطط لتوقيع "مناطق اقتصادية حصرية" مع كل جيرانها مثل ألبانيا ومصر.
وبما أن مصر واليونان قد وقّعتا بالفعل اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بينهما، فالواضح إذاً أن الاتفاق البحري بين إيطاليا واليونان عبارة عن "منطقة اقتصادية حصرية" في منطقة البحر الأيوني وليس ترسيماً للحدود البحرية في شرق المتوسط بالصورة التي تصورها البعض، وزعموا أنها تقطع الطريق على تنفيذ الاتفاق بين أنقرة وطرابلس.
قضية الصراع في شرق المتوسط حول الغاز الطبيعي تشمل أطرافاً كثيرة كإسرائيل واليونان وقبرص وتركيا وليبيا ومصر وفرنسا وإيطاليا، والمؤكد أنه لن يتم حل تلك القضية بمعزل عن القضايا الأخرى في المنطقة سواء الصراع في ليبيا أو سوريا، وهو ما يعني وجود روسيا والولايات المتحدة أيضاً في الصورة، ولا يمكن استبعاد قضايا كصفقة القرن والتهديد الروسي لخاصرة أوروبا الجنوبية وحلف الناتو وغيرها؛ باختصارٍ الخيوطُ متشابكةٌ والمصالح متداخلة بصورة تضمن استبعاد خيار الحسم العسكري على الأرجح من أي طرف، وبالتالي اللجوء للمفاوضات، وحتى يتم ذلك ستظل المعركة إعلامية أكثر منها أي شيء آخر، وهو ما يمكن قراءته في استقبال الإعلان عن الاتفاق اليوناني – الإيطالي على منصات التواصل الاجتماعي، بحسب المراقبين.