بعد مرور ستة أشهر منذ ظهور فيروس كورونا بالصين ومنها اجتاح العالم في صورة وباء غير مسبوق، أصاب أكثر من 7 ملايين وأودى بحياة أكثر من 400 ألف شخص، ماذا تعلَّم العالم من تلك الجائحة؟ ومتى يمكن أن تنتهي؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "بعد مرور 6 أشهر على ظهور فيروس كورونا المستجد.. كم بقي لنا لنهزمه؟"، ألقى الضوء على أكبر كارثة صحية تضرب العالم.
مرت 6 أشهر الآن منذ أن ظهر "كوفيد-19" أولاً بالصين ثم في دول أخرى إلى أن اجتاح العالم بأكمله. وحتى الآن، أصاب الفيروس أكثر من 7 ملايين شخص، وأسفر عن وفاة أكثر من 400 ألف، وهي حصيلة ستستمر حتماً في الارتفاع خلال السنوات القادمة، فما الذي تعلمناه عن "كوفيد-19" خلال الأشهر الستة الماضية؟ وما مدى سرعة وجودة الاستجابة للتحديات التي طرحها الفيروس؟
هل كنا مستعدين لهذا الفيروس؟
يؤكد أحد ردود العلماء أنه بات من الواضح أننا لم نكن مستعدين جيداً لوصول "كوفيد-19". وقال مارتن هيبرد، أستاذ الأمراض المعدية الناشئة في كلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة: "تبيَّن أنَّ هذا المرض أسوأ بكثير من أية أوبئة كنا نتوقعها ونضع خططاً لمواجهتها".
وأضاف هيبرد: "يبلغ معدل الوفيات الناجمة عن الفيروس 1% وله قدرة عالية على الانتشار، وهي سمات اعتُبِرَت مستبعدة جداً لأي مرض ناشئ جديد اعتقدنا أننا قد نواجهه، وتمثل هذه السمات أسوأ سيناريو واقعي محتمل يمكن أن نتخيله، وتقف عند أقصى حدود ما ينبغي لنا توقعه. لذا، يبلغ مدى سوء الجائحة التي نعيشها الآن أقصى ما يمكن توقعه".
واستبعد مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة إدنبره، أن يختفي الفيروس في المستقبل المنظور. وأضاف: "بعد أن عشت مع (كوفيد-19) 6 أشهر حتى الآن، فإن أهم شيء تعلمناه هو أنه سيتعين علينا العيش معه فترة أطول، عشنا بالفعل 6 أشهر من علاقة ستدوم مدى الحياة".
في مثل هذه الظروف، لم تعد حالة الإغلاق -التي وصفها وولهاوس بأنها "إجراء بدافع الذعر"، لكنه ضروري- قابلة للاستدامة، والمشكلة التي نواجهها خلال الأشهر القادمة هي إيجاد طرق لإبقاء المرض بعيداً، من دون اللجوء إلى فرض قيود الإغلاق والضرر الاقتصادي والعاطفي المرتبط بها. وأضاف وولهاوس أنَّ ذلك لن يكون سهلاً، كما اتضح من الدروس الأخرى المستفادة خلال الأشهر الستة الماضية.
مرض يستهدف الأعمار الكبيرة
قال وولهاوس: "السمة الأساسية التي قدرناها بشأن (كوفيد-19) هو أنه يستهدف الأعمار الكبيرة. وتبلغ فرص وفاة شخص في الـ75 من عمره بالفيروس 100 ألف مرةٍ ضعف النسبة في شخص مصاب يبلغ من العمر 15 عاماً. هذه النسبة صادمة جداً".
تبدأ المشكلات المتعلقة بتأثير المرض على البالغين من سن 50 عاماً، وتزداد هذه المشكلات لكل سنة إضافية من العمر. وأضاف وولهاوس: "هذا يعني أنَّ نسبة كبيرة من سكاننا -أولئك الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً- يحتاجون إلى الحماية من هذا الفيروس، لأنَّ عواقبه خطيرة للغاية. لكن هل من الصحيح حبس الأحفاد لإنقاذ أجدادهم؟ إلى حد ما، هذا ما نقوم به حتى الآن".
تتمثل إحدى الأفكار لحماية هذه الفئة من الفيروس في وضع أنظمة أمن حيوي صارمة للغاية حول دور الرعاية؛ لضمان عدم دخول الفيروس إليها أبداً. وسيخضع الموظفون -بدايةً من عمال النظافة إلى مقدمي الرعاية- للفحص المستمر للكشف عن وجود الفيروس. وقال وولهاوس: "لن يُسمَح لأحد بالدخول من دون تلقي الاختبار في اليوم نفسه. الأمر بسيط لهذا الحد".
لكن مثلما أقر وولهاوس، فإنَّ الغالبية العظمى ممن هم فوق سن الـ75 لا يعيشون بدور رعاية، بل في منازلهم. وأوضح: "هذا يعني أننا سنضطر إلى ابتكار مفهوم أمن حيوي خاص لهؤلاء الناس. وهذه واحدة من أكثر المهام المُلحّة التي نواجهها الآن".
الفحوصات.. الفحوصات.. الفحوصات
أصبح تنفيذ مثل هذه الأفكار ممكناً فقط لأنَّ تكنولوجيا تشخيص الفيروسات تحسنت من حيث الدقة والنطاق على مدى الشهرين الماضيين. وتقول آن جونسون، أستاذة علم الأوبئة في جامعة كوليدج لندن، إنَّ ذلك يوفر مزايا وفرصاً لفهم أسئلة أخرى حول "كوفيد-19".
نظراً إلى تطور فحوصات الفيروس الجديد والأجسام المضاد له، يجب أن نكون قد وصلنا لفهم أفضل بكثير قائم على البيانات عن ظهور حالات "كوفيد-19" وانتشارها في بريطانيا. وقالت آن: "تفاصيل بسيطة عن الزمان والمكان والشخص، نحن نطالب بهذه المعلومات؛ من أجل فهم حقيقي لهذا الوباء. يجب أن تكون جهودنا قائمة على التحليل الجنائي، لتحديد سلاسل انتقال العدوى؛ حتى نتمكن من القضاء عليها".
وأشارت آن إلى ظهور مشكلة كبيرة في محاولة تتبُّع "كوفيد-19" والسيطرة عليه، لأنَّ العدوى تنتشر في كثير من الأحيان، من خلال أشخاص حاملين للفيروس لكن لا تظهر عليهم أعراض. وقالت: "في البداية، لم ندرك أنه بإمكان الناس نقل العدوى من دون قصد. كان هذا درساً مهماً تعلمناه في الأشهر القليلة الماضية".
وأكدت أنَّ الأولوية خلال الأشهر المقبلة، يجب أن تكون لجمع البيانات التفصيلية المتعلقة بالوباء. وأضافت: "ما هو العمر والجنس والعِرق والرمز البريدي للأشخاص الذين جاءت نتائج فحوصات إصابتهم إيجابية؟ وهل هذا الشخص المصاب يعمل في مجال الرعاية الصحية، أم أنه قريب لأحدهم، أم أنه يعيش مع واحد؟ بمجرد أن تتمكن من إثبات هذه الحقائق بسرعة، ستحدث فرقاً كبيراً في السيطرة على المرض. في الواقع، يبدو الأمر كأننا دخلنا إلى القصة الخيالية لمحقق عالم الحشرات Bug Detective".
المناعة
ثم هناك قضية حاسمة تتعلق بنوع المناعة التي حصل عليها المصابون بالفيروس. يقول هيبرد: "تشير الدراسات إلى أنَّ أجساماً مضادة تتشكَّل في دم المرضى بعد إصابتهم، يمكن أن توفر حماية من عدوى (كوفيد-19) مستقبلاً. وتشير التقديرات المنطقية إلى أنَّ هذه الحماية قد تستمر فترات تتراوح بين ستة أشهر وسنتين. ومع ذلك، نحتاج معرفة المدة التي ستستمر فيها هذه الحماية بالضبط، لأنه سيكون لها تأثير مهم على كيفية تطور الفيروس بين السكان".
كلما طالت مدة الحماية التي توفرها الأجسام المضادة، كان المرض أبطأ في الانتشار. ونتيجة لذلك، يطلب العلماء أخذ عينات دم من الأفراد الذين كانوا من بين أوائل المصابين، واختبار مستويات الأجسام المضادة الخاصة بهم. ويتساءل هيبرد: "هل بقيت أعداد الأجسام المضادة في الدم ثابتة أم بدأت في الانخفاض بعد بضعة أشهر فقط؟ هذه نقطة بحث رئيسية ويجب إجراؤه به الآن".
ومع ذلك، شدد توم وينغفيلد، طبيب في كلية ليفربول لطب المناطق الحارة، على أنه لا يزال هناك عديد من النقاط المجهول حول تأثير (كوفيد-19) في المرضى. وقال: "على سبيل المثال، أصبح من الواضح أنَّ عديداً من المرضى يعانون من جلطات دموية، وكلما اشتدت إصابتك بالمرض، زادت مخاطر إصابتك بجلطات دموية. لكن ما لا نعلمه حتى الآن هو: أي المرضى يجب إعطاؤهم مميعات الدم من اليوم الأول لدخولهم المستشفى لمواجهة هذا التخثر. ولا نعرف إلى متى يجب أن نواصل هذا العلاج".
نافذة أمل
على المدى الطويل، قد يظهر اللقاح المنقذ للبشرية. ومع ذلك، يعتقد معظم العلماء أنَّ هذا احتمال بعيد نسبياً، ولن يتحقق قبل عام أو عامين على أفضل تقدير. وكما قال وولهاوس: "اللقاح هو أمل وليس استراتيجية".
لكن يقول العلماء إنه لا تزال هناك نافذة أمل تدعو إلى التفاؤل. قال هيبرد: "نعم، اللقاح بعيد بعض الشيء، لكن العلاجات المضادة للفيروسات تبدو أكثر تفاؤلاً. إن التجارب جاريةٌ الآن على عدد من الأدوية المضادة للفيروسات، التي طُوِّرت للتعامل مع أمراض أخرى، لكن يعاد توظيفها الآن على أمل استخدامها لمعالجة كوفيد-19. النتائج متوقعة في غضون بضعة أشهر"، وتابع: "إذا نجح هذا الأمر، فيمكن أن تسهم بعض هذه العلاجات في خفض معدلات الوفيات. وقد ننجح في خفضها من 1% إلى 0.1%".