قلب ليبيا الحائر.. لماذا تكتسب معركة سرت كل هذه الأهمية، وهل تمثل تهديداً للأمن القومي المصري؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/08 الساعة 15:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/08 الساعة 17:22 بتوقيت غرينتش
السراج وعقيلة صالح وحفتر خلال محادثات سابقة/رويترز

أصبح ينظر إلى معركة سرت بين قوات حكومة الوفاق وميليشيات حفتر على أنها معركة مفصلية في النزاع الليبي، فلماذا يولي الأطراف كل هذه الأهمية الاستراتيجية لسرت التي جعلتها محط أنظار ليس الليبيين فقط بل المنطقة كلها.

وسرت؛ هي مدينة ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط، وتقع في منتصف الساحل الليبي بين مدينتي طرابلس وبنغازي، وهي مسقط رأس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي .

وهي ليست مدينة كبيرة حتى بالمعيار الليبي، إذ يبلغ عدد سكانها  نحو 79 ألف نسمة وفقاً لتقديرات عام 2012.

خط أحمر.. هل سرت جزء من الشرق أم الغرب الليبي؟

تحاول وسائل الإعلام المقربة لحفتر، والدول المؤيدة له تصوير سرت على أنها خط أحمر دولي، ويبدو أنه في ظل إخفاقها في وقف الهجوم بالطرق العسكرية على المدينة فإنها تحاول استخدام العوامل النفسية، تارة عبر تسريب شائعات بأن روسيا أبلغت حكومة الوفاق  بضرورة عدم اقتحام سرت، وتارة أخرى بمحاولة الترويج على أن سرت خط أحمر مصري باعتبارها مفتاح الشرق.

والأسوأ محاولة استنفار سكان شرق ليبيا، ومحاولة تصوير الهجوم على سرت بأنه هجوم من غرب ليبيا على شرقها، رغم أن هي جزء من الشرق الليبي وكانت خاضعة لحكومة طرابلس أغلب الوقت منذ إسقاط القذافي.

شعبية (محافظة) سرت/wikipedia

إذ إن الخطير أن حفتر وعقيلة صالح بعد فشل الهجوم على طرابلس الذي كان يبرر بمحاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة ليبيا فإنهما باتا يركزان على الحقوق المزعومة للأقاليم ولاسيما المنطقة الشرقية، وهو ما ظهر في مبادرة عقيلة صالح.

ولأن سرت هي مسقط رأس القذافي، فهذا يجعل جزءاً من سكانها قلقين من حكومة الوفاق باعتبارها ثورية، إلا أن الواقع أن فترة حكومة الوفاق شهدت محاولات لتعويض السكان عن أي انتهاكات وقعت بالمدينة.

وفي مواجهة هذه التلويحات من قبل حفتر وحلفائه.. قال وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إن حكومته لن تدخل في محادثات سياسية مع قوات شرق ليبيا إلا بعد استعادة مدينة سرت وقاعدة الجفرة.

قلب ليبيا القليل السكان

لفهم أهمية سرت يجب فهم الجغرافيا الليبية، التي تتسم بخلو البلاد من منطقة مركزية.

ففي أغلب دول العالم تتواجد العاصمة في وسط البلاد بين أقاليمها مثل القاهرة وبغداد، أو في إقليم  مركزي يميل إلى أنه يكون في المنتصف وأحياناً يكون في طرف البلاد، ولكنه يكون كثيف السكان وغني الموارد (فرنسا) بحيث يسهل السيطرة منه على بقية البلاد.

ولكن جغرافية ليبيا مختلفة.

إذ تتكون البلاد من ثلاثة أقاليم طرفية، إقليمان منها بهما كتل سكانية كبيرة وهما طرابلس وبرقة، وخلق هذا تاريخياً قدراً من اللامركزية وأحياناً التنافس بين إقليمي طرابلس وبرقة، حيث تتفوق طرابلس في السكان والثراء، بينما تتميز برقة بقوة العصب والطبيعة الجبلية التي جعلتها مركز مقاومة الاستعمار.

المنطقة الوسطى تصل بين الأقاليم الثلاثة، وهي أقل سكاناً من برقة وطرابلس وأقل في كمية الأمطار التي تسقط عليها وهي فعلياً موزعة بين طرابلس وبرقة.

الأهمية الاستراتيجية لسرت

تقع سرت في الشطر الطرابلسي من المنطقة الوسطى إذا صح التعبير، ويعطيها هذا ميزات جغرافية مهمة للغاية، فهي تمثل نهاية الغرب الليبي، ونقطة انطلاق للشرق.

إذ إنها نقطة مواصلات تربط إقليم طرابلس بإقليم برقة وكذلك إقليم فزان الجنوبي.

فهي على بعد نحو 450 كلم من العاصمة طرابلس ونحو 400 كلم جنوب شرق مدينة مصراتة و600 كلم إلى الجنوب الغربي من بنغازي.

كما تحتوي على قاعدة القرضابية الجوية وميناء بحري، وغير بعيد عنها تقع قاعدة الجفرة الجوية وهي من أكبر القواعد العسكرية الليبية، وتشكل غرفة عمليات رئيسية لقوات الجيش الليبي وغرفة وصل بين مناطق شرق ليبيا وغربها.

أي إنها تمنح من يسيطر عليها منفذاً إلى قاعدة الجفرة العسكرية الرئيسية التي تقع جنوب سرت.

هل تصبح منطلقاً للتوجه نحو الشرق؟

تمثل سرت نقطة دفاع رئيسية عن إقليم طرابلس ونقطة تمهيدية إذا أرادت حكومة الوفاق تحرير الشرق من سيطرة حفتر، وهو هدف بدأت تتحدث عنه حكومة الوفاق بعد دحر هجوم حفتر على طرابلس.

ولكن بينما يحاول حفتر وعقيلة صالح وداعموه خلق شقاق بين حكومة الوفاق وبين أهل الشرق وتصويرها على أنها حكومة طرابلسية، فإن قيام هذه الحكومة بتحرير شرق ليبيا أمر مستبعد في الوقت الحالي على الأقل.

الهدف القادم.. الهلال النفطي

أكثر ما يخشاه حفتر، وعقيلة صالح، هو أن سرت تفتح الطريق باتجاه منطقة الهلال النفطي في وسط البلاد، بعدما أوقف حفتر إنتاج النفط.

 وسيطرة حكومة الوفاق على هذه المنطقة من شأنها استئناف إنتاج النفط، وضخ المال في أروقة حكومة الوفاق لتستكمل دورها، ومن المعروف أن هذه الحكومة كانت هي تصرف الرواتب لمناطق الشرق الليبي الخاضعة لحفتر.

والأهم أن هذا من شأنه إعطاء حكومة الوفاق زخماً أكبر في علاقتها مع الدول المتطلعة إلى النفط الليبي مثل فرنسا وإيطاليا وروسيا وأمريكا، ويقوي موقفها التفاوضي.

هل يمثل سيطرة الوفاق على سرت تهديداً للأمن القومي المصري؟

سيطرة حكومة الوفاق لن تؤدي إلى تهديد يذكر للأمن القومي المصري، عكس ما يروجه من يحاولون تعبئة الشعب المصري وحكومته؛ لأن سرت كانت دوماً تابعة للحكومات القائمة في طرابلس، وهي جزء طبيعي من الغرب الليبي.

كما أنها كانت خاضعة لقوات حكومة الوفاق قبل أن يقتحمها حفتر في بداية عام 2020، أي إنها ظلت موالية للوفاق لعدة أشهر بعد بدء هجوم قوات حفتر على طرابلس.

كما أن عملية البنيان المرصوص التي نفذتها قوات حكومة الوفاق قبل سنوات هي التي حررت سرت من داعش الذي سبق أن نفذ جريمة نكراء في المدينة بإعدام 21 مصرياً قبطياً مصرياً عام 2015.

والأهم أن حكومة الوفاق لم تخف رغبتها في إقامة علاقة طبيعية وسوية مع مصر، بل إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، سبق أن استقبل فايز السراج وأبرم معه مذكرات تفاهم باعتباره رأس الدولة الليبية.

تحميل المزيد