تقول الحكومة الجزائرية إن "كوفيد-19" قتل نحو 700 شخص في البلد، لكن العدد الحقيقي أعلى بالتأكيد. إلى جانب أن الجائحة عرقلت اقتصاد الدولة. وأعلن رئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، الشهر الماضي، خفض ميزانية الدولة للنصف بسبب هبوط عوائد النفط.
ومع ذلك، ساعد الفيروس تبون بطريقة واحدة على الأقل؛ فمع فرض حالة إغلاق في الدولة بأكملها لمنع انتشار الفيروس، أُجبِر المحتجون على إخلاء الشوارع. وخرج مئات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات لمدة تزيد على عام، حتى بعد إطاحة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019. لكن لم ينتهِ عملهم؛ إذ لا يزال الكثير من النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية القديمة في السلطة. ولم تتغير طبيعة النظام الحاكم. ومن ثم، يجب على المحتجين الآن اتخاذ قرار بشأن متى وكيف يمكنهم استئناف السعي لإتمام مهمتهم، كما تقول مجلة The Economist البريطانية.
العودة إلى الشارع
وعلى غرار الدول الأخرى، حظرت الجزائر كافة التجمعات العامة رداً على تفشي الفيروس. لكن، على عكس أماكن أخرى، لا تبدو السلطات في عجلة من أمرها لرفع القيود وإعادة الحياة لطبيعتها. وأعلن الرئيس تبون مؤخراً مدّ فترة الإغلاق، بما في ذلك حظر تجوال يبدأ في الخامسة مساءً، حتى 13 يونيو/حزيران.
وتقول المجلة البريطانية إن الحكومة استغلت جائحة "كوفيد-19″ لقمع الحراك الشعبي وحظرت المواقع التي تنتقدها، وكذلك ما وصفته بـ"الأنباء الزائفة" واعتقلت بعضاً ممن حركوا الاحتجاجات على الإنترنت. ووُضِع بعض قادة الحراك في السجن بالفعل بعد اتهامهم بجرائم مبهمة مثل "الإضرار بالوحدة الوطنية" أو التعدي على "سلامة الأراضي الوطنية". واستثنت جهود تخفيف التكدسات في السجون خلال الجائحة، من خلال تحرير بعض المعتقلين، قادة الحراك الشعبي (غير أن زعيم حزب المعارضة يقول إن اثنين من قادة الحراك سيُطلَق سراحهما قريباً).
مخاوف دستورية
أمضى الحراك الشعبي سنوات ينظم صفوفه، بينما لم تفعل حكومة بوتفليقة العليلة، التي يتراوح أعمار أعضائها بين 80 و90 عاماً. لكنّ الآن المحتجين هم الذين يشعرون بالعجز. ويرغب الكثير منهم في العودة إلى الشوارع قبل أن يستطيع تبون إحداث المزيد من الضرر، كما تقول الإيكونومست.
ويرى حراكيون أن تبون رئيس ضعيف، بعد أن فاز في انتخابات ديسمبر/كانون الأول وقاطعها أغلب الناخبين. لكن، في غياب معارضة نشطة، صاغ تبون دستوراً جديداً يعزز صلاحياته الحالية، مثل سلطة تعيين رئيس الحكومة والقضاة أو إقالتهم، ويضيف لها سلطات جديدة. ورفض النشطاء المشاركة في محادثات حول وثيقة مشروع الدستور، وأثاروا تساؤلات وشكوكاً حول توقيت الرئيس ونواياه. وفي هذه الأثناء، بدأت الأحزاب القديمة إعادة توحيد صفوفها.
لكن الحراك الشعبي رصد فرصة سانحة. إذ فاقمت حالة الإغلاق الكثير من الشكاوى الاجتماعية والاقتصادية التي حركت الاحتجاجات في المقام الأول. فهناك الملايين من العاطلين في دولة لا توفر إعانة بطالة. وقدمت الحكومة منحة للعائلات الأكثر فقراً لمرة واحدة فقط بقيمة 10 آلاف دينار (78 دولاراً)، أي ما يعادل أسبوعين من الحد الأدنى للرواتب. ومع انهيار عوائد النفط، يفتقر تبون إلى الأموال التي يمكنها تهدئة الشعور المتزايد بـ"الحقرة" -مصطلح يعبر في الجزائر عن العزلة بين النظام الحاكم والشعب- ويرغب الحراك في الاستفادة من هذا الإحباط.
"سيكون صيفاً حاراً"
يكتنف استئناف الاحتجاجات المخاطر في ظل استمرار الفيروس، وليس لأسباب صحية فحسب. إذ يمكن أن تعطي حالة الإغلاق المفروضة العذر لقادة الأمن والجيش في قمع المحتجين بشدة. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى رد فعل عنيف من المتظاهرين، الذين ظلوا سلميين وموحدين لدرجة ملحوظة. ويمكن أن تظهر للسطح مرة أخرى الانقسامات القديمة، وإذا كان الناس يخشون من حرب أهلية أخرى، مثل تلك التي قتلت عشرات الآلاف في التسعينات، فقد يتخلون عن الحراك.
وعلى الرغم من ذلك، بدأ البعض يخرجون إلى الشوارع بالفعل. وقبل الجائحة، كانت أكبر احتجاجات للحراك الشعبي في العاصمة الجزائر. لكن اليوم، بدأت المقاطعات تثور. ففي بجاية، وهي مدينة تقع على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة الجزائر، احتج أصحاب الأعمال على الإغلاق، ومنع النشطاءُ الشرطة من اعتقال أصدقائهم.
وفي خراطة المجاورة -التي كانت أول مدينة تنهض ضد الحكم الاستعماري الفرنسي- ردد المتظاهرون هتافات مناهضة للحكومة خلال احتفالات عيد الفطر الشهر الماضي. ومن المتوقع استئناف الاحتجاجات قريباً في الجزائر العاصمة أيضاً. وعلَّق رجل أعمال في العاصمة: "سيكون صيفاً حاراً".