يبدو أن التركيز الإماراتي منصب حاليا على إنقاذ حفتر في ليبيا، فبعد أكثر من 6 سنوات من دخول الإمارات والسعودية على رأس تحالف دعم الشرعية إلى اليمن بهدف معلن هو القضاء على انقلاب الحوثيين، يعيش أكثر من 80% من اليمنيين على المساعدات، ومع تفشي الوباء، سعت الأمم المتحدة لجمع 2.4 مليار دولار بشكل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكم من الأموال قدمت الإمارات للشعب اليمني؟
فشل في جمع المستهدف
استضافت السعودية، التي تقود التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن منذ مارس/آذار 2015 في حرب وصلت لطريق مسدود، الثلاثاء 2 يونيو/حزيران مؤتمراً افتراضياً للأمم المتحدة لمعالجة أوجه النقص الحاد في عمليات الإغاثة في اليمن.
المؤتمر جاء بعد استغاثات متعددة أطلقها برنامج المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة ووصل إلى التحذير من أن برامج الأمم المتحدة لمواجهة فيروس كورونا في أفقر دولة عربية وأحد أكثر دول العالم فقراً قد يتوقف بحلول نهاية شهر يونيو/حزيران الجاري ما لم تحصل على مساعدات مالية فورية.
وتم بالفعل عقد المؤتمر الذي كان يستهدف جمع 2.4 مليار دولار، وتعهّد خلاله مانحون دوليون بتقديم 1.35 مليار دولار كمساعدات إنسانية، بحسب مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة للمؤتمر.
وقال محمد الجابر، سفير السعودية إلى اليمن، لرويترز إن السعودية تعهّدت بالفعل بتقديم 500 مليون دولار، من بينها 25 مليون دولار للمساعدة في مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد، كما تعهّدت بريطانيا بتقديم 201 مليون دولار، وألمانيا بتقديم 140 مليون دولار، بينما كانت الولايات المتحدة قد تعهدت مايو/أيار الماضي بأنها ستقدم 225 مليون دولار في شكل مساعدات طارئة لتوفير الغذاء.
حقيقة النوايا الإماراتية في اليمن
اللافت هنا هو الغياب الإماراتي عن تقديم أي أموال في موقف إنساني متأزم بهذا الشكل، وفي بلد تلعب الإمارات فيها دوراً أساسياً في الصراع الدائر، ويزيد الأمر غرابة ما صرّحت به الإمارات عندما سحبت قواتها من اليمن بعد أن انكشفت نواياها الحقيقية هناك وتسبب ذلك في تصدع تحالفها مع السعودية.
بعد أن ظهرت تقارير تفيد بانسحاب الإمارات من حرب اليمن، جاء الرد الإماراتي بأن ذلك ليس انسحاباً بل إعادة انتشار بهدف التركيز على الجوانب الإنسانية ومساعدة اليمنيين بعد أن أصبح واضحاً أن الحرب لن تحقق مصلحة اليمنيين، لكن سرعان ما أصبحت الأمور واضحة بعد تحرّك المجلس الانتقالي الجنوبي وميليشياته التي شكّلتها ودرّبتها وموّلتها أبوظبي لإعلان انفصال الجنوب وباقي القصة أصبحت معلومة للقاصي والداني.
وعلى سبيل التذكير، كان تقرير لمعهد كارنيجي الشرق الأوسط قد نشر تقريراً في 24 يوليو/تموز 2019 بعنوان "الإمارات في اليمن: إعادة تموضع وليس انسحاباً"، لخّص الموقف قبل أقل من شهر من خروج النوايا الإماراتية الحقيقية للعلن، "منذ انطلاق العمليات العسكرية في آذار/مارس 2015 على أيدي قوات التحالف العربي، اختلفت الاستراتيجية الإماراتية عن الاستراتيجية السعودية.
"إذ إن الهدف السعودي الأساسي كان إضعاف الحوثيين من أجل تسليم مقاليد السلطة من جديد إلى الرئيس عبدربه منصور هادي المعترَف به دولياً، وتوسيع نفوذ الرياض، وتحسين الأمن عند الحدود السعودية-اليمنية. أما الإماراتيون فقد سعوا إلى كسب النفوذ في المناطق الساحلية اليمنية وفي جنوب البلاد، بهدف تعزيز حضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الإفريقي".
تعهدات الرياض "لن تخدع أحداً"
لكن مع وصول الكارثة الإنسانية في اليمن لهذه الدرجة الحرجة التي تهدد شعباً بأكمله ومع خطر وباء قاتل، كان الطبيعي أن تكون الإمارات في طليعة الصفوف ولو من باب كسب ودّ اليمنيين أنفسهم حفاظاً على مصالحها، كما فعلت السعودية، رغم أن ما تعهدت به السعودية لن يغير شيئاً من مسؤوليتها عن الكارثة الإنسانية في البلد الذي كان يوماً يوصف بأنه "سعيد".
وهذه النقطة عبر عنها لوكوك رداً على سؤال عن مشاركة السعودية في استضافة الحدث، حينما قال إن الرياض من كبار المانحين وإن الأمم المتحدة ستواصل انتقاد الأطراف المتحاربة بسبب تصرفات "يجب ألا تصدر عنهم".
كما أكدت نفس المعنى أفراح ناصر، الباحثة في الملف اليمني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان "السعودية تواصل محاولة التغطية على دور تحالفها في تعميق للكارثة الإنسانية في اليمن.. لكن المشاركة في استضافة مؤتمر جمع التمويل لن تخدع أحداً".
أما عن ما تم التعهد به أصلاً، فقد قالت ليز جراندي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، لرويترز قبل أيام من موعد المؤتمر: "كل ما هو دون 1.6 مليار دولار يعني أن العملية ستواجه انتكاسات كارثية"، وأضافت: "لن نتمكن من توفير الغذاء الذي يحتاجه الناس للبقاء أو الرعاية الصحية التي يحتاجونها أو الماء أو الصرف الصحي أو التغذية التي تساعد على إنقاذ مليوني طفل مصابين بسوء التغذية من الموت".
الإمارات تخدم مصالحها فقط
وأمس الأربعاء 3 يونيو/حزيران اتهمت الحكومة اليمنية الإمارات بأنها لم تقدم مساعدة للبلاد في مؤتمر المانحين، بل تدعمه بـ"الميليشيا المتمردة" فقط، بحسب تغريدتين لكل من وزير الدولة عبدالغني جميل، ومختار الرحبي مستشار وزير الإعلام، بحسب تقرير للأناضول.
وأكد جميل، وهو أمين العاصمة صنعاء، أن الإمارات لم تقدم أي دعم أو مساعدات لليمن، سواء في الماضي، أو خلال تدخلها في البلاد منذ مطلع 2015، وأضاف: "أؤكد للجميع، وأنا مسؤول عن هذا الكلام، الإمارات لم تقدم أي ريال أو دولار أو درهم واحد إلى خزينة الدولة في اليمن، لا في الماضي ولا الآن"، وتابع: "عندما تدفع الإمارات، فهو (فإن ذلك) يأتي لتقويض سلطة الحكومة"، مشيراً إلى أن "لا أحد يستطيع نفي هذا الكلام".
كما أوضح الرحبي أن الإمارات لم تقدم في مؤتمر المانحين دعماً أو مساعدة لليمن، لمواجهة تحديات الوضع الإنساني المتفاقم في البلاد، وتابع: "الإمارات لم تدعم اليمن إلا بميليشيا مسلحة متمردة في عدن (يقصد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي)، وتحاول السيطرة على جزيرة سقطرى (شرق)، وترسل المدرعات وتفتح سجوناً سرية".