أجبرت تداعيات وباء كورونا وانهيار أسعار النفط السعودية على تطبيق إجراءات تقشف لم تكن متوقعة، لكن يبدو أن تلك الإجراءات لن تكون مؤقتة، بل ستتحول على الأرجح إلى أسلوب حياة، ليس في السعودية فقط، ولكن في بعض دول الخليج الأخرى، فما القصة؟
وكالة بلومبيرغ الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "تجربة التقشف في الخليج الغني بالنفط قد تتعثر بعد الأزمة"، ألقى الضوء على تأثير إجراءات التقشف التي اتخذتها بعض دول الخليج على حياة مواطنيها ليس الآن فقط، ولكن بعد انتهاء الأزمة الحالية أيضاً.
تأثرت اقتصادات دول الخليج العربية كثيراً بجائحة فيروس كورونا، ما شجَّع حكام هذه الدول على فرض إجراءاتٍ مالية لا تحظى بشعبية كبيرة من شأنها أن تؤثر على مواطنيها. والسؤال الآن هو: إلى متى ستصمد هذه الإجراءات؟
ماذا حدث في السعودية؟
أعلنت المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصادات العالم العربي، فجأةً، عن مضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات، وخفض البدلات للموظفين الحكوميين. وخفضت عُمان رواتب موظفي الدولة الجدد. وحتى في الإمارات العربية المتحدة، المركز المالي والتجاري الذي يتميز اقتصاده بأنه الاقتصاد الأكثر تنوعاً في الخليج، ظهرت دعوات لإصلاح نموذج "الدولة الريعية"، الذي يعتمد على موارد الطاقة والوظائف الحكومية والقطاع الخاص الذي تهيمن عليه قوة عاملة أجنبية.
وعلى الرغم من الحديث عن التسريع بتنفيذ هذه التغييرات المتأخرة، اتُّخذت أيضاً إجراءات لحماية الوظائف الحكومية وحماية المواطنين من تخفيضات الأجور في القطاع الخاص، ما يُشكِّك في إمكانية أن يؤدي هذا التدهور إلى إصلاحات أعمق تستمر إلى ما بعد انتهاء الأزمة.
وقد دعت عمان بالفعل إلى أن يحل المواطنون محل الأجانب في الوظائف الحكومية، وتمنع الإمارات المصارف من طرد المواطنين، وأشار وزير المالية السعودي إلى دعم الدولة للقوى العاملة في المملكة.
وستؤثر هذه القرارات على السعوديين مثل محمد، الذي يحصل على راتبه من الدولة، إلى جانب ما يقرب من ثلثي رفاقه من المواطنين، ولكن حتى بعد خفض راتبه بمقدار 1000 ريال (266 دولاراً) في الشهر بعد إلغاء بدل تكلفة المعيشة، قال الطبيب البالغ من العمر 29 عاماً إن هذه الإجراءات الأخيرة ضرورية.
وقال، بعد أن طلب حذف اسمه الكامل: "إذا كانت مؤقتة، سنة أو سنتين، فيمكنني التأقلم معها، لكن ما يقلقني هو أن الضرائب الإضافية ستستمر، وهذه هي المشكلة".
وقد يظل التقشف المالي سارياً لفترة أطول هذه المرة بالنظر لما تقوله التوقعات المالية، ومع قلة الأموال التي يمكن إنفاقها على المواطنين، فمن المرجح أن تزداد الرقابة الشعبية على الحكومات في المنطقة لكيفية توظيف ثروتها النفطية.
مشكلات مالية
من المتوقع أن تعاني جميع دول المنطقة تقريباً من عجز كبير في الميزانية، بنسبة تتراوح بين 15% و25% من الناتج الاقتصادي، ما سيؤدي إلى تراكم الديون، وتضاؤل الاحتياطيات، وخيارات صعبة حول كيفية الإنفاق. ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد السعودية بنسبة 2.9% هذا العام، وهو الانكماش الأكبر منذ عام 1999، وفقاً لقسم Bloomberg Economics، ومن المرجح أن يزداد هذا التدهور.
ويقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا: "أصبح الركود الاقتصادي العالمي حافزاً لإعادة دراسة حقيقة أساسيات النماذج الاقتصادية في الخليج. في السعودية، يريد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التغيير، ولكن ليس من السهل التخلص من نموذج الدولة الريعية".
وقد دأبت السعودية على البحث عن طرق لتقليل اعتمادها على النفط وتقليص فاتورة الأجور قبل فترة طويلة من انتشار الوباء، وكلاهما من أهداف ما يُطلق عليه رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد، وصحيح أن الحاكم الفعلي للمملكة دفع ببعض التغييرات الكبرى منذ أواخر عام 2015، إلا أنه قمع المعارضة في الوقت نفسه، وهو ما حدَّ من انتقاد السياسات الجديدة والوتيرة السريعة للتحول الاجتماعي، وقد تكون هذه الأزمة بمثابة فرصة لتكثيف تلك التغييرات، خاصة في ظل تنامي النزعة القومية.
يسير الآخرون في المنطقة على النهج نفسه
إذ قال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في حلقة نقاش الشهر الماضي: "سنطرح الكثير من الأسئلة عما يشكل نموذج دولة ريعية خليجية، وأعتقد أن هذا سيعجّل بضرورة التوصل إلى ما هو أكثر استدامة قليلاً".
وفي الكويت جدَّد الشيخ صباح الأحمد الصباح الدعوةَ إلى اقتصاد أقل اعتماداً على النفط، وحث على ترشيد الإنفاق. أما نجله، عضو مجلس التخطيط والتنمية، فقد أعرب عن أسفه لعدم إحراز تقدم وقال إن تأثير الجائحة قد يجعل مثل هذه التغييرات حتمية.
وقال عيد الشهري، استشاري الأعمال البالغ من العمر 42 عاماً، وعضو جمعية رواد الأعمال الكويتية، إنه يجب الاقتداء بقرارات السعودية، لكن الإصلاحات علقت في صراع سياسي داخلي بعد أن رفضها مشرعون كويتيون خوفاً من خسارة مقاعدهم، ونصحوا بدلاً من ذلك باللجوء إلى صندوق الثروة السيادية للتغلب على هذه الأزمة.
وقال الشهري إن الإجراءات الحكومية لمساعدة الشركات محدودة ومتأخرة للغاية، وستؤدي إلى نتيجة بعيدة عن التنويع. وقال: "الكثير منها سيغلق أبوابه وسيتقدم العاملون فيها للوظائف الحكومية".