تمثل الاحتجاجات الأمريكية فرصة للديمقراطيين في انتخابات الرئاسة المقبلة، كما أنها تمثل مخاطرة قد تزيد خسائرهم.
ومنذ بدء الاحتجاجات على مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد شرطي في مينيابوليس، سارع الديمقراطيون بالهجوم على ترامب وسياسته.
الاحتجاجات الأمريكية فرصة للديمقراطيين في انتخابات الرئاسة، ولكن الديمقراطي الحكيم يبدو أكثر حذراً
كان في مقدمة المهاجمين جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
ولكن ظهرت اختلافات واضحة بين أوباما الرجل الذي خرج من البيت الأبيض متوجاً باحترام قطاع كبير من الأمريكيين وبايدن الذي يريد أن يخرج من عباءة عباءة أوباما ليعود سيداً للبيت الأبيض عبر الانتخابات الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ولذا بدا بينما انتقد أوباما الأداء الأمني والسياسي في البلاد ممجداً النضال ضد العنصرية ، فإنه أشار إلى أهمية النضال في تحفيز عملية التغيير التي يجب أن تتم على أساس ديمقراطي، منتقداً من يرون الحل الأمثل لمشكلة التحيز العنصري في نظام العدالة الجنائية هو الاحتجاج فقط، وأن التصويت والمشاركة في العملية السياسية الانتخابية ليس له داع، أو أنه مضيعة للوقت.
واللافت أن أوباما قلل بشكل غير صريح من دور ترامب في عنف الشرطة، موضحاً أن كثيراً من السياسات التي تتعلق بالشرطة مرتبط بانتخابات الولايات وليس الانتخابات الرئاسية.
إذ دعا أوباما إلى ضرورة معرفة الجهة صاحبة التأثير الأكبر على نظام العدالة الجنائية وممارسات الشرطة، وقال: "عندما نفكر في السياسة، فإن أغلبنا يركز فقط على الرئاسة والحكومة الفيدرالية، نعم علينا القتال للتأكد من أن لدينا رئيس، وكونغرس، ووزارة عدل، وقضاء فيدرالي يعترف بالتأثير الضار للعنصرية على المجتمع، ويعرفون ما الذي يجب فعله حيالها".
وأكد أوباما أن المسؤولين المُنتخبين يلعبون دوراً أكثر أهمية في إصلاح أقسام الشرطة ونظام العدالة الجنائية، في إشارة للمسؤولين المحليين.
ولفت الرئيس الأمريكي السابق إلى أن أجندة الإصلاحات ستختلف باختلاف المجتمعات، قد تحتاج المدينة الكبيرة إلى أمور تختلف عما تحتاجه المجتمعات الريفية، إذ إن بعض المجتمعات لن تحتاج إلا إلى تحسينات طفيفة، فيما تحتاج أخرى إلى إصلاح جذري.
بايدن يركز على مهاجمة ترامب ومغازلة السود
وعلى العكس من ذلك، فإن بايدن ركز في معالجته الأزمة على دور خصمه في الانتخابات القادمة دونالد ترامب، كما بدا حريصاً على التواصل مع المحتجين، ومغازلة مشاعر الناخبين السود.
ووصف المرشح الرئاسي الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها جورج فلويد قبل وفاته –لا أستطيع أن أتنفس- بأنها بمثابة "جرس إنذار" للولايات المتحدة التي هي "في أمَس الحاجة إلى قيادة تعترف بألم مجتمعات ضغطت أقدامٌ على رقابها لوقت طويل".
وزار نائب الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، موقع التظاهرات في ولاية ديلاوير الأمريكية.
وفي ختام زيارته إلى مدينة ويلمينغتون، كتب بايدن، المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي، بموقع "إنستغرام": "نحن شعب يعاني من الألم، لكن علينا ألا نسمح لهذا الألم بتدميرنا.. نحن شعب غاضب، لكن لا يمكننا أن نسمح لغضبنا هذا بأن يبتلعنا.. نحن أمة مستنزفة، لكننا لن نسمح لاستنزافنا بالتغلب علينا".
ويقدم نفسه كبديل لترامب
وقال بايدن: "السبيل الوحيد لتحمل هذا الألم هو تحويله إلى غاية. وأنا كرئيس سأساعد على خوض هذا الحوار".
كما تعهد جو بايدن في كلمة ألقاها أمس الثلاثاء بمحاولة إنهاء الانقسام العنصري في الولايات المتحدة، ووجه انتقادات لإدارة الرئيس دونالد ترامب أزمة الاحتجاجات على العنصرية، وانتهاكات الشرطة.
وألقى كلمة في مدينة فيلادلفيا التي هزتها في الأيام الماضية احتجاجات تحولت أحياناً إلى عنف، وسعى خلالها إلى إظهار تباين واضح بينه وبين ترامب الذي سينافسه في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ركز على انتقاد رفع منافسه للإنجيل
ووجّه بايدن انتقادات على نحو خاص لقرار ترامب، الإثنين، بالتقاط صورة له بجوار كنيسة تاريخية مقابلة للبيت الأبيض، بعد أن أطلقت السلطات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع على المحتجين لإبعادهم عن المنطقة، متهما ترامب "بخدمة مطامح" قاعدته المحافظة على حساب باقي البلاد.
وقال المرشح الديمقراطي للانتخابات المقبلة: "عندما يتم فض احتجاجات قرب بيت الشعب، البيت الأبيض، باستخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الضوئية كي يقوم الرئيس بالتقاط بعض الصور في واحدة من الكنائس التاريخية في البلاد، يمكن مسامحتنا إذا قلنا إن الرئيس مهتم بالقوة أكثر من المبدأ".
وأضاف: "آمل أن يكون قد فتح الإنجيل مرة واحدة في يوم من الأيام، بدلاً من التهديد به، إذا فتحه يوماً كان سيتعلم شيئاً، أن المطلوب منا أن نحب بعضنا مثلما نحب أنفسنا، وهذا عمل يتطلب جهداً كبيراً، ولكن لمصلحة أمريكا"، على حد تعبيره.
واتهم بايدن ترامب بأنه قلق حيال إعادة انتخابه أكثر من قلقه على جمع شمل أمريكا مقسمة تهزها أعمال العنف.
ورفض استدعاء الجيش الأمريكي
وكان لافتاً رفض بايدن لاستدعاء الجيش الأمريكي، إذ قال إن الجيش لا يجب استخدامه ضد الشعب الأمريكي.
وأضاف: "هذه أمة ذات قيم. حريتنا أن نتحدث، ولا يسمح للرئيس بأن يخرس هذه الأصوات وأن يرى هذه فرصة لزرع الفوضى وأن يشتت شكاوانا المشروعة وهي في صلب هذه الاحتجاجات".
وفي محاولة لإمساك العصا من المنتصف عبَّر بايدن عن إدانته لأعمال العنف في الاحتجاجات التي تشهدها بلاده، وأكد بالوقت نفسه رفضه للعنف المفرط من قِبَل الشرطة تجاه المحتجين.
وقال بايدن: "الاحتجاج على هذه الوحشية حق وضرورة"، وليس "إحراق مدن وتدميراً مجانياً".
محاولة سمجة للاستفادة من الاحتجاجات، ولكن ماذا تقول استطلاعات الرأي
في الجهة المقابلة، اتهمت كاترينا بيرسون، المستشارة الكبيرة في حملة ترامب، في بيان صدر بعد الكلمة، بايدن بإجراء "الحساب السياسي السمج (المتمثل في) أن الاضطرابات في أمريكا تصب في مصلحة ترشحه".
كان ترامب قد وصف العنف الذي شاب بعض الاحتجاجات بأنه إرهاب محلي، وهدد بنشر الجيش لتأمين المدن.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" وصحيفة "ABC" الإخبارية أن جو بايدن يتقدم بفارق 10 نقاط مئوية على دونالد ترامب.
وبلغ تصنيف بايدن بين الناخبين المسجلين 53% وترامب 43%، حيث لم يتعدَّ الفارق بينهما، قبل شهرين، حدود الخطأ الإحصائي.
ووفقاً للصحيفة تم إجراء استطلاع للرأي في الفترة من 25 إلى 28 مايو/أيار عبر الهاتف، عبر الاتصال بألف أمريكي بشكل عشوائي، وكانت نسبة الخطأ الإحصائي لا تتعدى 3.5 نقطة مئوية.
ويشير هذا الاستطلاع على ما يبدو إلى أن موقف بايدن قد تحسن بالمقارنة باستطلاعات سابقة.
إذ إن استطلاعاً للرأي أجرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، قبل أشهر، أظهر أن 44% سيصوّتون لبايدن إذا تنافس مع ترامب، بينما سيؤيد 42% من الأمريكيين السيناتور بيرني ساندرز.
هل يخسر بايدن رهانه؟
يشير استطلاع رأي آخر إلى أن رهان بايدن على دعمه الانتقائي للاحتجاجات قد يكون سليماً.
إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس أن معظم الأمريكيين يتعاطفون مع الاحتجاجات.
وأُجري الاستطلاع يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، وتوصل إلى أن 64٪ من الأمريكيين البالغين "يتعاطفون مع من يخرجون للتظاهر في الوقت الحالي"، فيما قال 27٪ منهم إنهم لا يشعرون بالتعاطف مع المحتجين وقال 9٪ إنهم غير متأكدين.
كما قال أكثر من 55٪ من الأمريكيين إنهم لا يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع الاحتجاجات بما في ذلك 40٪ قالوا إنهم يرفضون ذلك "بشدة".
ولكن يظل هذا الرهان يحمل مخاطرة كبيرة بالنسبة للديمقراطيين
في أمريكا مثل كل دول العالم التي شهدت مظاهرات ضد حكام مستبدين أو غير مستبدين فإن استمرار الجانب العنيف والفوضوي للاحتجاجات يقلب دولاب التعاطف مع المتظاهرين، فالشعوب تميل بطبيعتها للاستقرار، وقد يكون هذا الاستقرار بأن يرحل الرئيس الذي تستهدفه المظاهرات، أو تأييد قمع المظاهرات، المهم هو الاستقرار الذي تبحث عنه الأغلبية الصامتة في كل المجتمعات (والتي كانت تسمى في مصر خلال مرحلة ثورة يناير/كانون الثاني حزب الكنبة).
حزب الكنبة لا يتظاهر غالباً في الشوارع، ولكن يذهب إلى الانتخابات، وفي تجارب عدة، فإن تصويت هذا الحزب لم يكن له علاقة بالمظاهرات ولا الإعلام ولا ما يردد على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن هنا تظهر أهمية ما يقوله أوباما من وقف العنف ومحاولة ترجمة جهود حركة الاحتجاج في صناديق الاقتراع.
كما أن بروز دور الأمريكيين الأفارقة والليبراليين واليساريين في الاحتجاجات من شأنه تقليل تعاطف الناخبين المحافظين وحتى الوسط معها.
والأهم أنه بالنسبة لكثير من مؤيدي ونشطاء الحركة الاحتجاجية، فإن بايدن الذي ينتمي للنخبة الأمريكية التقليدية، ويعد قطباً في يمين الحزب الديمقراطي هو مجرد محافظ في ثوب ليبرالي.
ولكن قد يكون من حسن حظ بايدن أن ترامب يواصل أداءه السيئ في التعامل مع الاحتجاجات، أو بالأحرى تصريحاته الاستقطابية التي تظهره كزعيم للمحافطين أكثر منه رئيساً لجميع الأمريكيين في وقت الأزمات.