تغير الوضع السياسي في ليبيا منذ معركة الوطية كثيراً، فقد انزوى الجنرال خليفة حفتر عن المشهد، بينما توجهت فرنسا أبرز حلفائه إلى غريمه فايز السراج لمطالبته بوقف إطلاق النار، فيما تصاعد دور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مدعوماً من موسكو على الأرجح.
فالدول الحليفة لحفتر الذي انقلب على العملية السياسية في ليبيا في بداية ظهوره على الساحة ثم أطاح بالتسوية التي تقودها الأمم المتحدة العام الماضي عبر هجومه المفاجئ على طرابلس، أصبحت اليوم تتحدث بحماسة عن العملية السلمية، بل إن هناك حديثاً إن بعضها يبحث عن بديل لحفتر أو على الأقل وجود شخص آخر إلى جانبه، (قيل إن مصر تريد تعيين نائب له).
فرنسا تغازل السراج، ومصر تبحث عن تسوية
وبعد أن كانت فرنسا، تخطط لاستخدام قوة بحرية أوروبية لمنع توريد السلاح بحراً إلى حكومة الوفاق مقابل ترك مصر والإمارات تهربه براً إلى حفتر، فإن انتصارات القوات التابعة للوفاق جعلت باريس تتوجه لرئيسها فايز السراج مطالبة إياه بالعودة إلى العملية السياسة التي سبق أن أطاح بها حفتر.
فقد هاتف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان رئيس مجلس الرئاسة الليبي فايز السراج، حيث بحث معه الأوضاع في ليبيا.
وتركزت المناقشات -وفق بيان للخارجية الفرنسية- على ضرورة العمل من أجل وقف سريع للأعمال العدائية.
كما بحث الطرفان إعادة إطلاق العملية السياسية في الإطار الذي وضعه مؤتمر برلين، ووضع حد لجميع التدخلات الأجنبية في ليبيا.
ودعا لودريان إلى ضرورة الاستئناف الفوري للمفاوضات في إطار لجنة "5+5″، ووقف إطلاق النار على أساس اتفاق 23 فبراير/شباط الماضي تحت رعاية الأمم المتحدة.
وحتى القاهرة الداعم المتحمس لحفتر والتي تقلبت مواقفها من حكومة الوفاق من الاعتراف إلى التجاهل وصولاً إلى اتهامها إلى بأنها ألعوبة في يد ما تصفه بـ"الميليشيات الإرهابية" فإنها يبدو أصبحت لا تجد بديلاً عن الحديث عن التسوية السياسية بعدما كانت وسائل إعلامها تبشر بقرب انتصار حفتر.
إذ قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية إن الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أكدا -في اتصال هاتفي- حرصهما الكامل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل إلى حل سياسي يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار في البلاد.
وإيطاليا ترمم علاقتها بالسراج
واللافت أيضاً اتصال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ودعوته للسراج لزيارة إيطاليا، ودعوة الأخير لكونتي لزيارة ليبيا.
وأكد رئيس الوزراء الإيطالي للسراج أهمية الإسراع بتعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة في ليبيا، وأعرب عن قلق بلاده حيال استمرار جهات خارجية في إرسال أسلحة إلى هناك.
وطالب كونتي بالعودة إلى المسار السياسي، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر برلين.
وقال أيضاً إن تقرير مستقبل ليبيا يجب أن يكون بيد الليبيين وحدهم، وليس بأيادٍ خارجية، كما دعا إلى عودة إنتاج النفط الليبي.
من جانبه، أكد السراج أن تدفق الأسلحة على قوات حفتر لم يتوقف، بل ازدادت وتيرته في الفترة الأخيرة.
هكذا تغير الوضع السياسي في ليبيا منذ معركة الوطية
وقالت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية إن الانتصارات -التي حققتها القوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج على قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر- فتحت مرحلة سياسية جديدة في البلاد، وإن العلاقات بين طرابلس وروما تحسنت في الآونة الأخيرة بعد أن اتسمت بالبرود خلال الأشهر الماضية.
وأشارت إلى أن المستجد الأهم في الأزمة أن الولايات المتحدة رفعت صوتها ضد التدخل العسكري الروسي المباشر وغير المباشر في ليبيا من خلال إرسال طائرات مقاتلة إلى منطقة الجفرة، وأشارت إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اتصل هاتفياً مرتين بالسراج وربما سيتم اتصال مباشر بين الأخير والرئيس دونالد ترامب.
وفي مؤشر قوي على مقدار تغير الوضع السياسي في ليبيا منذ معركة الوطية، قالت الصحيفة الإيطالية إن العلاقات بين طرابلس وروما تحسنت على ضوء تلك التطورات العسكرية، حيث استعادت حكومة السراج هامش المناورة على الصعيد الدولي.
وأنهى الاتصال حالة البرود التي طبعت العلاقات بين الطرفين خلال الفترة الماضية، حسب الصحيفة، بعد أن كانا حليفين في أعقاب تعيين السراج في منصبه عام 2016.
وأشارت إلى أن حكومة السراج طلبت العون العسكري والسياسي من إيطاليا عندما بدأت قوات حفتر هجومها على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، لكن روما لم تستجب للطلب العسكري ووفرت دعماً سياسياً محدوداً للغاية.
وعادت الصحيفة لتقول إن الانتصارات العسكرية التي حققتها حكومة السراج فتحت صفحة جديدة في العلاقات السياسية بين طرابلس وروما.
وقالت الصحيفة إن كونتي بعث رسائل دعم مهمة للسراج بينها ضرورة استئناف إنتاج النفط في ليبيا بعد أن توقف بسبب ممارسات قوات حفتر.
وطمأن كونتي السراج بأن مهمة الاتحاد الأوروبي لمنع تدفق السلاح إلى ليبيا ستكون محايدة بعد أن اتهمتها طرابلس في وقت سابق بأنها تمنع وصول السلاح إلى حكومة الوفاق، ولا تتصدى للإمدادات العسكرية الخارجية التي تتلقاها قوات حفتر من مصر وروسيا.
وفي تلك المكالمة الهاتفية، طلب السراج من الحكومة الإيطالية دعماً ملموساً لقوات خفر السواحل الليبية لأداء مهامها في إنقاذ المهاجرين غير النظاميين من الغرق، كما طلب منه الدعم في عمليات نزع الألغام التي تركتها قوات حفتر في محيط طرابلس بعد أن اضطرت للانسحاب أمام تقدم قوات حكومة الوفاق، حسب الصحيفة.
هل تواصل فرنسا قيادة الموقف الأوروبي تجاه ليبيا بما يخالف مصالح القارة؟
تغير الوضع السياسي في ليبيا منذ معركة الوطية يبدو أنه انعكس على الموقف الأوروبي الذي كان يسير خلف فرنسا في دعمها لحفتر بشكل بات مثيراً للإحراج.
فبالإضافة إلى أنه لأمر غريب أن تدعم فرنسا موطن الحرية والديمقراطية جنرالاً دخل الحياة السياسة الليبية عبر تفاخره بتنفيذ انقلاب ضد المؤتمر الوطني المنتخب ، كما أنه لم يعر أي اهتمام لا للأمم المتحدة ولا مؤتمر برلين، فإن من الواضح أن الجنرال تحول إلى بوابة خلفية للتسلل الروسي إلى ليبيا، والذي يفترض أنه يمثل أخطر تهديد لأوروبا والعالم الغربي، وهو الأمر الذي استنفر أمريكا.
والمفارقة أنه بينما تحاول فرنسا، وألمانيا تحريض أوروبا ضد تركيا، فإن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هي الوحيدة التي تقلل فعلياً النفوذ الروسي في الحديقة الخلفية لأوروبا، بينما يمارس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دوراً أشبه بالطابور الخامس لروسيا التي احتلت القرم وتجاهر بمناوأة الاتحاد الأوروبي، وهو أمر مماثل للدور الذي تقوم به ألمانيا عبر علاقتها الغازية الوثيقة مع روسيا عبر خط النورد ستريم.
ولكن إذا كان إرسال روسيا لطائرات حربية إلى ليبيا قد أثار قلق أوروبا، فإن الدافع الأكبر لتحركات أوروبا خاصة فرنسا، هو في الأغلب محاولة لمنع قوات الوفاق من التقدم واستثمار نجاحاتها لتحرير مزيد من الأراضي التي يسيطر عليها حفتر، خاصة في ظل الأداء المتعثر لقوات الجنرال والذي تفاقم بخلافاته مع حلفائه الليبيين والمرتزقة الروس والسودانيين على السواء.
والأهم أن التغير الاستراتيجي الذي أحدثته الطائرات المسيرة التركية، يمكن أن يمتد أثره على باقي مناطق الحرب خاصة أن ليبيا بلاد ذات طبيعة مسطحة في أغلبها قليلة السكان، بلا جبال وعرة أو غطاء نباتي كثيف (باستثناء الجبل الأخضر في شرق البلاد) أو مدن كبيرة باستثناء طرابلس الأمر الذي يجعل من يسيطر على سماء البلاد يسيطر على أرضها، وهو أمر بات محصوراً إما في الطائرات المسيرة التركية أو الطائرات الروسية التي أرسلت من سوريا.
وبالتالي فالقادم في ليبيا مزيد من الانتصارات للوفاق أو دور أكبر لروسيا بطائراتها القابعة في مطار الجفرة.