الوضع يزداد سوءاً ويتدهور أكثر فأكثر، بهذه الكلمات لخّص وائل الهذلي من مدينة مكة المكرمة الأوضاع الاقتصادية في السعودية، فلم تعد الأوضاع كما كانت في سابق عهدها، كل شيء تغير بعد وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، غلاء معيشي، قلة الفرص الوظيفية، انتشار البطالة، تقشف في الميزانية.
الهذلي وهو موظف إداري في أحد أقسام جامعة أم القرى، أكدّ أنّ راتبه الشهر الحالي استلمه لم يعد يشمل بدل غلاء معيشة وبدل نقل، إضافة إلى غلاء وزيادة في الضريبة، مشيراً إلى أنّ الوضع بات محبطاً للغاية في ظل ما تعيشه البلاد من أحداث ومتغيرات لم تكن لتعيشها في وقت لاحق.
ويعتبر الهذلي بأنّ زيادة الضريبة بالسعودية من 5% إلى 15% ستؤثر على الكثير من القطاعات الاقتصادية في البلاد منها قطاع الاستهلاك بالسعودية، الأمر الذي سيؤثر أيضاً على الناتج المحلي بحكم أنّ الغلاء سيؤدي إلى عزوف الناس عن الاستهلاك والشراء ودخول البلاد في حالة كساد.
كل شيء تغير..
الهذلي الذي لديه 3 أطفال، يشير إلى أنّ كل شيء قد تغير بعد وصول ولي العهد السعودي إلى سدة الحكم، فهذه الأمور لم نعهدها في عهد الملك عبدالله والملك فهد وخالد، فقد حصل هناك غلاء معيشي فاحش في كل شيء (المعيشة، السكن، أسعار فواتير الكهرباء)، مشيراً إلى أنّ راتبه الذي يبلغ 7000 ريال كان يكفيه وزيادة قبل عام 2017، إلى أنّ بدأ بن سلمان في اتخاذ إجراءات من فرض الضريبة على المشتريات، وفرض رسوم على العمالة الأجنبية، وزيادة أسعار المحروقات والطاقة.
إلغاء بدل غلاء المعيشة..
الهذلي أكدّ أنّ القرار الأخير الذي اتخذته وزارة المالية بإلغاء إيقاف بدل غلاء المعيشة وبدل تنقل أدى إلى نقص في مرتبه الشهري ليصبح بحدود 6000 ريال فقط، وكل هذا يأتي في ظل الغلاء المعيشي، وفرض رسوم وضرائب منوهاً إلى أنّ مرتبه الذي يتقاضاه لا يأتي منتصف الشهر إلا وقد صرف بالكامل.
ويضيف قائلاً: "كان من المفترض أن تراعي الحكومة ووزارة المالية الأوضاع والظروف السيئة التي تمر بها السعودية خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا، فكان الأجدر على الأقل أن يتم إرجاء الأمر لبعد انتهاء الأزمة، خاصة وأنّ العامل النفسي وحالة الإحباط التي يعيشها المجتمع السعودي باتت الطاغية والسائدة، فكل شيء يتسارع بوتيرة عالية"
ويعقّب بلهجة عامية بالقول: "بن سلمان دمر كل شيء، مئات راحت علينا في حرب اليمن وبدون فائدة وحسم، وترامب كمل على الباقي وابتز السعودية وأخذ فلوسها بحجة استثمارات في أمريكا"، متسائلاً: "ما هي الفائدة التي عادت على المواطن السعودي بعد أن تمّ استثمار أموال السعودية في أمريكا على حد قولهم، أليس الأجدر أن يتحسن الوضع على اعتبار أنّها استثمارات خارجية، لكن الوضع يزداد سوءاً"، معتبراً أنّ كل هذا التغيير حصل بعد اعتلاء بن سلمان سدة الحكم وفي غضون أقل من أربع سنوات.
ويختم حديثه بنبرة حزينة بالقول: " كنا ننتظر أن تتم مكافأتنا لقيامنا بجهد مضاعف أثناء فترة الوباء وعملنا مع أمانة العاصمة المقدسة بمكة المكرمة، لكن صدمنا برواتب بدون بدل غلاء معيشة وبدون بدل نقل، نبتغي على الأقل حقنا في الراتب ولا نريد مكافآت ولا حوافز.
حتى العمالة الأجنبية..
المعاناة في العمالة الأجنبية أكثر بكثير من المعاناة لدى المواطن السعودي، فرسوم المرافقين، وعدم القدرة على توفير وظيفة للعمل بعد إنهاء خدماته مع معاناة أكبر في عدم قدرته على الرجوع إلى وطنه في فلسطين، بعد أن تمّ إنهاء خدماته والاستغناء عنه كطبيب عام في أحد المستشفيات الحكومية بالسعودية، إذ كان أبو معاذ الفلسطيني يتمتع بمعيشة متوسطة أثناء عمله طبيباً في مستشفيات وزارة الصحة بالسعودية.
خاصة قبل أن يتم إنهاء خدماته عام 2016، حيث تمّ الاستغناء عنه في تلك الفترة، مشدداً على أنّ الوضع ازداد سواءاً بالنسبة له عام 2017، بعد أن فرضت وزارة العمل رسوماً على المرافقين في مطلع شهر يوليو/تموز الماضي 2017، وذلك بواقع 100 ريال عن كل فرد من المرافقين والتابعين، عند تجديد الإقامة وإصدار تأشيرة العودة، والتي ازدادت حتى وصلت إلى 400 ريال العام الحالي 2020، الأمر الذي يزيد الأعباء عليه بشكل كبير.
أبو معاذ الفلسطيني تتكون أسرته من 34 فرداً يشير إلى أنّه غير قادر على الوفاء برسوم المرافقين التي تزداد عاماً بعد عام، منوهاً إلى أنّ تلك المبالغ لاتزال تتراكم عليه منذ عام 2017، ولم يقدر على سدادها حتى هذه اللحظة بسبب عدم قدرته على توفير عمل آخر خاصة وأنّ عمره كان يتجاوز الستين عاماً بعد أن أنهى خدماته.
متسائلاً: "أي من المستشفيات أو الجهات الصحية الخاصة في السعودية بعد أكثر من 38 عاماً خدمة في وزارة الصحة ستوافق على تشغيله، خاصة وأنّ عمره تجاوز الستين عاماً، فلا أحد يقبل بتشغيله لأنّ المستشفيات الخاصة تفضل الأطباء في مرحلة الشباب أو الخريجيين الجدد أو من خبرتهم متوسطة لأنّ أصحاب الخبرات الكبيرة يشكلون في نظر المستشفيات الخاصة بالسعودية عبئاً كبيراً خاصة بعد أن تمّ استزافهم بشكل كبير وبالتالي فإنّ عطاءهم سيقل وقلة مردودهم الوظيفي".
ويؤكدّ أبو معاذ بأنّ اعتماده الحالي فقط على نجله الأكبر الذي يعمل في أحد المستشفيات الخاصة بالرياض، فعلى الرغم من أنّ نجله الأكبر عبدالرحمن متزوج ولديه اثنان من الأبناء، إلا أنّ نصف مرتبه يعطيه لي ليساعدنا على تحمل الأعباء والالتزامات الشهرية، منوهاً إلى أنّ المرتب لا يفي بالالتزامات الشهرية الخاصة بابنه، كما أنّ ما يقدمه لي هو مجرد مساعدة على تجاوز المحنة التي يعيشها، فهو يتقاضى راتب عشرة آلاف ريال، يذهب نصف لي ويتبقى له النصف الآخر.
ويضيف أبو معاذ قائلاً: "ماذا عساك أن تفعل بمبلغ 5000 ريال وأنت لديك 34 فرداً في منزلك؟
ويستمر أبو معاذ في سرد قصته ومعاناته المتراكمة لسنوات قائلاً: "رسوم المرافقين التي تمّ فرضها من عام 2017 وصلت لأكثر من 150 ألفاً، ولا يزال يتراكم علي المبلغ عاماً بعد عام".
لم يعد الرجل قادراً على السفر خارج البلاد، لأنّه يستلزم عليه سداد تلك الرسوم، ولا هو قادر حتى على إرجاع أي من أسرته إلى غزة بسبب أنّ العائلة المكونة من 3 زوجات ستتشتت، ويضيف، واحدة من زوجاتي أردنية وأنا بحسب القانون الأردني لا أستطيع الإقامة بالأردن بسبب أن أصولي غزاوية ولا تستطيع زوجتي استخراج إقامة لي بالأردن، أما الزوجة الثالثة فتحمل وثيقة سفر لبنانية وأسرتها تعيش في إحدى المخيمات الفلسطينية، وأيضاً أنا غير قادر على الالتحاق بها حيث إنّ الزوجة الفلسطينية التي تحمل الوثيقة اللبنانية لا تستطيع إلحاق زوجها وضمها ليقيم معها في لبنان بحسب القوانين المعمول بها في البلاد.
حالة أبو معاذ ليست الوحيدة فهناك آلاف بل عشرات آلاف مثل حالته باتوا غير قادرين على الوفاء بالتزامات الحياة في السعودية، بعد أن تمّ تجريدهم من أعمالهم، وفرض رسوم المرافقين عند تجديد الإقامة، بالإضافة إلى فرض الضريبة والغلاء المعيشي، في ظل عدم قدرة الكثير منهم على الرجوع إلى وطنهم إما لظروف مادية أو ظروف اجتماعية، والتي يأتي على رأسها عدم القدرة على دفع الرسوم المتراكمة الخاصة بالمرافقين، بالإضافة إلى عدم قدرة أصحاب جنسيات كثيرة منهم بسبب ظروف الحروب في بلدانهم.