بين من يرى صعوبة فصل مآلات التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا عن مفاوضات "سد النهضة"، ومن يرى أنه لا تأثير لكل قضية على الأخرى يبدو المشهد ضبابياً.
لكن الأمر الواضح أن هناك تصريحات سودانية وإثيوبية رسمية على مدار الأسبوعين الماضيين تؤكد على "أزلية العلاقات بين البلدين". كما بدأت الحكومة السودانية تميل أكثر لعدم التصعيد في الوقت الراهن، وأعلنت الجمعة فتح مجال للعمل الدبلوماسي في الوقت الحالي مع الجارة إثيوبيا بشأن التصعيد الحدودي.
وبعد بضعة أيام من عقد اجتماع تحضيري بين مصر وإثيوبيا والسودان، يمهد لاستئناف مفاوضات "سد النهضة" المجمدة منذ نحو 3 أشهر تصاعد التوتر الحدودي في منطقة "الفشقة" بين الخرطوم وأديس أبابا.
ما الذي يحدث على الحدود السودانية الإثيوبية؟
أعلن الجيش السوداني، الخميس، أن "ميليشيا إثيوبية" مسنودة بجيش بلادها اعتدت على أراضي وموارد البلاد، ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة نقيب وإصابة 7 جنود وفقدان آخر، إضافة إلى مقتل طفل وإصابة 3 مدنيين.
لكن مع صباح الجمعة، قال المتحدث باسم الجيش السوداني عامر محمد الحسن، للأناضول، إن الاتصالات الدبلوماسية لم تتوقف مع إثيوبيا لاحتواء التوتر الحدودي.
وأضاف: "ارتأينا إعطاء الفرصة للدبلوماسية في الخرطوم وأديس أبابا، قبل اندلاع الحرب الشاملة بين البلدين".
وعادة ما تشهد فترات الإعداد للموسم الزراعي والحصاد بالسودان في المناطق الحدودية مع إثيوبيا اختراقات وتعديات من عصابات مسلحة خارجة عن سيطرة سلطات أديس أبابا؛ بهدف الاستيلاء على الموارد.
ما حكاية الأراضي التي اعتدت عليها إثيوبيا؟
تصاعد التوتر جاء بعد أيام من إنهاء وفد سوداني حكومي رفيع المستوى زيارته للعاصمة الإثيوبية، استمرت 4 أيام، أجرى فيها مباحثات بشأن قضية الحدود بين البلدين.
وفي ختام الزيارة، قالت الخرطوم في بيان، إن "منطقة الفشقة" على الحدود ظلت -منذ فترة طويلة- تشهد تعديات من قبل مواطنين وعناصر من ميليشيا إثيوبية، ولا يوجد نزاع حول تبعيتها إلى الأراضي السودانية، كما أن إثيوبيا لم تدّعِ مطلقاً تبعية المنطقة لها.
وتشهد منطقة الفشقة، البالغة مساحتها 251 كم، أحداث عنف بين مزارعين من الجانبين خصوصاً في موسم المطر يسقط خلالها قتلى وجرحى.
وبالتزامن مع التصعيد على الحدود، خرجت تصريحات من وزارة الري السودانية، الخميس، تنفي أي خلاف مع إثيوبيا بشأن "مفاوضات سد النهضة"، رداً على وسائل إعلام محلية تحدثت عن وجود خلافات. كما أكدت الخرطوم أكثر من مرة أنه لن يكون لقضية الحدود مع الجارة إثيوبيا أي تأثير على دورها في مفاوضات "سد النهضة".
لكن هل تندلع أزمة سياسية بين الخرطوم وأديس أبابا؟
رغم هذه التأكيدات لا يستبعد مراقبون احتمال حدوث أزمة سياسية بين البلدين، لاسيما مع تشديد السودان على عدم قبول أي اعتداء من قبل أي "ميليشيا إثيوبية" على أراضٍ سودانية. هؤلاء المراقبون يستندون إلى أوامر الجيش السوداني لقواته بالانتشار على الحدود لأول مرة منذ ما يقارب 25 عاماً.
ومن ثم جاء تفقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان للقوات المنتشرة على الحدود الشرقية، ومخاطبته لها قائلاً إن "الجيش لن يسمح لأحد بالاعتداء على الأراضي السودانية".
لكنهم ذهبوا في نفس الوقت إلى أن "سد النهضة" سيظل له دور كبير في حالة السيولة التي تعيشها الخرطوم في علاقتها مع الجارتين المصرية والإثيوبية، لاسيما الأخيرة التي تجد نفسها مضطرة للمحافظة على علاقتها مع السودان في ظل حالة الاستقطاب الإقليمية، ولكسب دعم موقف الخرطوم من المفاوضات التي وصلت لطريق مسدود منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، عقب رفض الإثيوبيين المشاركة في الاجتماع الأخير بواشنطن والتوقيع على الاتفاق النهائي.
فيما يرى الصحفي السوداني والخبير في شؤون القرن الإفريقي عبدالمنعم أبو إدريس، أنه "لا يوجد رابط بين التصعيد في الحدود السودانية الإثيوبية وسد النهضة".
وفي حديثه للأناضول، يقول: "بالنظر إلى تطورات الوضع في الحدود هي ليست جديدة، وتتكرر في ذات الوقت من كل عام لأنها فترة بداية الخريف". ويضيف: "لكن هناك عوامل أثرت على أن يكون التصعيد ذا صدى أكبر هذه المرة للبلدين"، منها ما يتعلق بإثيوبيا ومنها ما يتعلق بالسودان.
وعن العوامل التي تتعلق بالسودان قال: "السودان شهد لأول مرة انتشار الجيش السوداني شرق نهر عطبرة، وهي أراضٍ سودانية يزرع عليها الإثيوبيون منذ سنوات".
ويوضح الصحفي السوداني أبو إدريس أن هذه المناطق التي تشهد اشتباكات يوجد بها عدد قليل من السودانيين، وتفتقر للخدمات "ما جعل الإثيوبيين خلال السنوات الماضية يتغولون عليها ويمارسون الزراعة فيها".
ووفق المتحدث: "لا يوجد نزاع حدودي، بقدر ما هو فقدان للمستثمرين والمزارعين الإثيوبيين لمصدر دخل كبير لهم بالزراعة داخل الأراضي السودانية".
إلى أين وصلت قضية سد النهضة؟
وقعت مصر نهاية فبراير/شباط الماضي، بالأحرف الأولى، على اتفاق لملء وتشغيل السد، رعته الولايات المتحدة بمشاركة البنك الدولي، معتبرة أن الاتفاق "عادل"، بينما رفضته إثيوبيا، وتحفظ عليه السودان.
وتتبادل القاهرة وأديس أبابا اتهامات وتحركات دبلوماسية للدفاع عن موقف كل دولة بشأن السد.
وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليار. بينما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس.