ليست أزمات الدين السيادي بالأمر الجديد على مستثمري الأسواق الناشئة، لكن من النادر أن تجد أزمة تحفها المخاطر على النحو الذي يواجهه لبنان حالياً في ظل مزيج سام من الضعف المالي والسياسي وغياب منصة اقتصادية واضحة يمكن إقامة صرح التعافي عليها.
ففي أعقاب تخلفه عن سداد ديونه بالعملة الصعبة للمرة الأولى في مارس/ آذار، وضع لبنان خطة إنقاذ وشرع في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على مساعدة بعشرة مليارات دولار، في خطوتين تعدان في الظروف العادية أمراً إيجابياً لبلد غارق في الدين.
لكن السندات الدولارية السيادية للبنان البالغة 31 مليار دولار لم ترتفع إلا بضعة سنتات في الشهرين الأخيرين وهي قابعة عند حوالي 17 سنتاً في الدولار. هذا أقل بكثير من سندات الأرجنتين والإكوادور، العاكفتين أيضاً على إعادة هيكلة ديونهما وأقل بكثير من متوسط قيمة الاسترداد من التخلفات السيادية بالأسواق الناشئة والبالغ 69 سنتاً.
حل الأزمة سيستغرق وقتاً طويلاً
وقد يكون لبنان بصدد قيمة استرداد لا تتجاوز ثلث ذلك المستوى، بحسب المحللين، الذين يشيرون في تبرير ذلك إلى ما ذكرته خطة الإنقاذ نفسها عن خسائر "كبيرة" متوقعة لحملة السندات الدولية الأجانب.
وقال متعامل محنك بالأسواق الناشئة لرويترز، إنه لم ير في حياته قط بلداً يواجه ظروفاً بهذه الصعوبة. وقال الدائن، الذي في حوزته قدر ضئيل من أوراق لبنان، "الأمر أبعد ما يكون عن الإكوادور أو الأرجنتين.. حل أزمة لبنان سيستغرق وقتاً طويلاً للغاية. إنه يواجه أربع أزمات مختلفة: أزمة ميزان مدفوعات وأزمة ديون وأزمة مصرفية وأزمة سياسية وجميعها مرتبطة."
اعتمد اقتصاد لبنان لسنوات على أموال المهاجرين التي أعادت البنوك ضخها لتمويل حكومة يحاصرها الهدر والفساد وسوء الإدارة. لكن النظام انهار عندما نضب تدفق المال واندلعت مظاهرات مناوئة للحكومة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لتواجه الدولة فجوة هائلة في ميزان المدفوعات ونسبة دين تبلغ 176% من الناتج الإجمالي.
وفي حين يبزغ تدريجياً توافق بين البنوك -وهي من أكبر دائني الدولة- والحكومة على خطة إنقاذ، فإن بواعث القلق تراوح مكانها حيال استعداد حكومة يهيمن عليها سماسرة سلطة طائفيون وأمراء حرب سابقون للمضي في إصلاحات مؤلمة من المتوقع أن يطلبها صندوق النقد.
وسلط دائن أجنبي آخر الضوء على ما اعتبره تضارباً في الخطة يتعلق بمستقبل متطلبات تمويل ميزان المدفوعات، بما قد ينبئ بأن الحكومة لا تقدر حجم التحدي.
قصة معقدة
قُدرت قيمة سندات لبنان عند 14 سنتاً في الدولار في عطاء انعقد الشهر الماضي لتحديد مدفوعات مبادلات مخاطر الائتمان، وهي أدوات تُستخدم لتسعير مخاطر تخلف مقترض عن السداد. ذاك أقل من عطاءات مماثلة عديدة لدول أخرى في السنوات الأخيرة، بما في ذلك فنزويلا المكروبة التي سُعرت سنداتها عند 24.5 سنت في ديسمبر/كانون الأول 2017. وفي غياب أي بادرة تقدم على صعيد إعادة هيكلة الدين هناك، هوت تلك السندات إلى أقل من عشرة سنتات.
وقال بنك أوف أمريكا في مذكرة بحثية إنه ينبغي عدم التعويل على عطاء مبادلات مخاطر الائتمان للبنان كدليل ناجع على مستويات إعادة هيكلة الدين النهائية. لكنه أضاف أنه في ضوء أن خطة الإنقاذ الحكومية تتضمن تقليصاً اسمياً على السندات الدولية بنسبة 75%، فإن قيمة الاسترداد ستقل عن 20 سنتاً.
وقال نيك إيسينجر، مسؤول أدوات الدخل الثابت للأسواق الناشئة لدى فانجارد، التي تحوز قدراً ضئيلاً من دين لبنان، "في ضوء معدل قسيمة العائد بالغ التدني الذي تحدثت عنه (الحكومة)… فإن انخفاض سعر الصرف سيهبط بتصور الاسترداد الأساسي إلى موضع ما من نطاق أوائل العشرين سنتاً".
تأتي إعادة الهيكلة اللبنانية في وقت صعب بالنسبة للأسواق الناشئة عقب الأضرار التي أفرزتها جائحة كوفيد-19.
وفي الشهر الماضي، أبرمت الإكوادور، التي تعصف بها أسعار النفط المنخفضة أيضاً، اتفاقاً مع حملة نحو 20 مليار دولار من سنداتها السيادية لتأجيل مدفوعات الفائدة، في حين طلبت زامبيا مساعدة مالية من صندوق النقد واستعانت بشركة لازارد فيرير الفرنسية لتقديم المشورة لها بشأن ديونها. وتمر سريلانكا بمصاعب دين هي الأخرى.
ما يفتقر إليه لبنان
ونظراً لتوافر فرص أخرى والتحديات التي يواجهها لبنان بشكل خاص فإن بعض مديري الصناديق، بمن فيهم متداولو الديون المتعثرة، والذين قد يرون في الظروف العادية فرصة سانحة عند هذا المستوى يبدون حتى الآن تردداً.
وتظهر بيانات ماركت أكسيس ارتفاع حجم تداول السندات الدولية إلى 3.9 مليار دولار في مارس/آذار، لكنه انخفض بأكثر من ثلثي ذلك القدر في أبريل/نيسان وواصل تراجعه في مايو/أيار بعد الانخراط مع صندوق النقد ووضع خطة إنقاذ.
وقالت جوليا بيليغريني، مديرة المحفظة في أليانز غلوبال إنفستورز إن أليانز تتفقد بدرجة أكبر الأسواق الناشئة التي يكون لها قطاع نفطي قوي أو قاعدة تصدير ربما تواجه مشاكل مؤقتة، ويفتقر لبنان إلى الاثنين.
وقالت: "إنها قصة أكثر تعقيداً ولهذا السبب يتناولها الناس على مضض وليس بقدر من الحماس لأنها (السندات) متداولة في حدود العشرين (سنتاً في الدولار) وثمة مجال لقيم استرداد أعلى إذا أخذت متوسط تجارب الأسواق الناشئة في الحسبان."
وأحجمت مجموعة أشمور، أحد أكبر حملة الدين الأجنبي، عن التعليق بشأن لبنان. لكنها أشارت من قبل إلى فرص تحقيق قيمة استرداد أعلى عندما كان الدين السيادي متداولاً عند مستويات بهذا التدني، إذ قد تخشى بعض الحكومات من حجبها عن أسواق الدين في المستقبل.