حتى عندما بدأت أعراض فيروس كورونا المستجد تظهر على دكتور يوسف أريوبي وأشقائه -واحد تلو الآخر- كان أفراد العائلة على يقين من أنَّ الأمر مجرد إنفلونزا حادة. في البداية ذهب الأب مع ابنته إلى المستشفى لإجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا، ووعد المستشفى بإخبارهم بالنتيجة في حال ظهرت نتائج التحاليل إيجابية.
لكن في الوقت الذي اكتشفوا فيه أنَّ مستشفى كابول المثقل بالأعباء أهمل نتائج التحاليل الإيجابية كان بعد فوات الأوان، إذ توفِّى أريوبي وشقيقته وشقيقه في غضون أيام، وأصيب العشرات من أفراد عائلته بالعدوى.
أفغانستان تواجه كورونا بنظام صحي منهار
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، يبيِّن مسار مأساة تلك العائلة الأفغانية إلى أي مدى تُرِكَت أفغانستان تواجه هذا الوباء العالمي بنظام صحي منهار واستجابة حكومية بطيئة ومواقف عامة خاملة.
على الرغم من ضخ مليارات الدولارات من الأموال الدولية، معظمها من الولايات المتحدة الأمريكية، يستطيع المواطن الأفغاني بالكاد العثور على مستشفى تعمل في العاصمة الأفغانية. لقد استنزفت موارد البلاد وتعطلت المؤسسات في خضم الحرب المستمرة والفساد الحكومي المستشري.
ازدادت نسبة الفقر بين المواطنين الأفغان، حيث أصبح 54% من السكان في عام 2019 يعيشون تحت خط الفقر على 1.9 دولار في اليوم، وهو معدل يُرجح أن يتصاعد في ظل جائحة فيروس كورونا.
كان الدكتور أريوبي أول من ظهرت عليه الأعراض في العائلة يوم 30 مارس/آذار، بعد يوم واحد من رؤية مريض يعاني من السعال والحمى.
يعيش أريوبي، طبيب الأطفال البالغ من العمر 53 عاماً، في مبنى مع زوجته وأطفاله الأربعة ووالدته وأشقائه الخمسة وأسرهم. وقد اعتادت تلك العائلة، المكوّنة من حوالي 30 شخصاً، الاجتماع معاً في كثير من الأحيان لتناول وجبة عشاء عائلية.
بحلول الأول من أبريل/نيسان، شعر أريوبي بالتعب، وأصيبت ابنته الصغيرة مريم، البالغة من العمر 21 عاماً بالحمى. ذهب الأب وابنته لإجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا في مستشفى الأمراض المعدية الأفغانية-اليابانية، وهي واحدة من منشأتين في كابول مخصصتين لاختبارات الكشف عن فيروس كورونا وعلاجه.
قال بهتارين باكتياوال، الأخ الأصغر لأريوبي، لوكالة Associated Press الأمريكية: "وعد المستشفى بالاتصال بنا في غضون 24 ساعة في حال ظهرت نتيجة التحاليل إيجابية، ثم إرسال سيارة إسعاف لعزلهما".
وأضاف باكتياوال: "مرَّ اليوم التالي من دون أنباء من المستشفى، لذا افترضنا أنَّ نتيجة الاختبارات جاءت سلبية، واجتمع أفراد العائلة مُجدّداً لتناول العشاء معاً كالمعتاد".
خلال الأيام التالية بدأت تظهر أعراض السعال أو الحمى على جميع أفراد العائلة. قرَّر باكتياوال العودة إلى المستشفى الأفغاني-الياباني في 6 أبريل/نيسان.
استغرق الأمر ساعات حتى عثر باكتياوال على قائمة طويلة من نتائج الاختبارات تضم اسم شقيقه وابنة شقيقه، وكانت نتيجة كلاهما إيجابية لفيروس كورونا. قال باكتياوال: "لقد صدمت، لم أعرف ماذا أفعل. اغرورقت عيناي بالدموع. أخبرت العائلة بضرورة الحضور إلى المستشفى على الفور لإجراء الاختبار".
لا خبرة كافية ولا قدرات للتعامل مع الوباء
يُجسّد المستشفى الأفغاني-الياباني، الذي بُني في عام 2014 بتمويل من الحكومة اليابانية، مشاكل المنظومة الصحية في أفغانستان، على الرغم من أنّه أفضل حالاً من العديد من المرافق الصحية الأخرى.
خلال الأسابيع الأولى من تفشِّي فيروس كورونا اشتكى المرضى المشتبه في إصابتهم بعدوى فيروس كورونا من رفض استقبالهم، أو ضياع نتائج الاختبارات الخاصة بهم. استغرق الأمر أسابيع حتى حصل الموظفون على ما يكفي من معدات الوقاية الشخصية، ما جعلهم يخشون التعامل مع المرضى.
وقد أقرَّ سيد ماسي نوري، طبيب في قسم العلاقات العامة بالمستشفى الأفغاني-الياباني، بأن العديد من العاملين في المستشفى ليست لديهم الخبرة الكافية، ويخطئون أحياناً في كتابة أسماء المرضى أو في تسجيل العينات، مشيراً إلى أنَّ نسبة من 10% إلى 15% من المرضى لا يتسلمون نتائج تحاليلهم في الموعد المُحدّد.
عندما زار فريق من وكالة Associated Press العاصمة الأفغانية مؤخراً، كان هناك مئات الأشخاص محتشدين خارج المستشفى، من ضمنهم حالات مشتبه في إصابتها بفيروس كورونا، وبعضهم كان ينام لأيام خارج المستشفى في انتظار نتائج اختبارات أقاربهم أو قرار العلاج.
استجابة بطيئة من الحكومة
اتّسمت استجابة الحكومة الأفغانية لأزمة كورونا بالبطء الشديد، حتى مع عودة أكثر من 200 ألف أفغاني من إيران، حيث كان الفيروس مستعراً. يبدو أنَّ التناحر السياسي بين الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمدزي، ومنافسه عبدالله عبدالله يعرقل اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة جائحة كورونا. سجَّلت البلاد أكثر من 11 ألف حالة إصابة مؤكدة وأكثر من 219 حالة وفاة.
كانت الحكومة الأفغانية قد علَّقت الدراسة بالمدارس والجامعات في 14 مارس/آذار، ثم فرضت إجراءات إغلاق في كابول بعد ذلك بأسبوعين. لا يُسمح للسكان بمغادرة منازلهم إلا لضرورة طبية أو شراء سلعة غذائية. ومع ذلك تُنتهك القواعد على نطاق واسع.
اتّصلت الأسرة، التي كانت في حاجة ماسة للمساعدة، بأقاربها في ولاية بكتيا. جاء أربعة من أبناء عمومتهم وأسرهم للبقاء معهم ومساعدتهم، لكن سرعان ما ظهرت عليهم أيضاً أعراض الإصابة بفيروس كورونا، ليصل مجموع المصابين في تلك العائلة إلى 46 شخصاً.
توفيت شقيقة أريوبي في 10 أبريل/نيسان، ثم توفي أريوبي بعدها بيوم في 11 أبريل/نيسان، وتبعه أحد إخوانه بعد ذلك بثلاثة أيام. استلزم الأمر قضاء بقية أفراد العائلة عدة أسابيع أخرى في الحجر الصحي حتى تتلاشى أعراض المرض.
قال باكتيوال: "لم أصدق وجود هذا المرض قط، كنت أقول دائماً إنَّه كذبة. الآن لقد تيقّنا من حقيقة وجوده، إنَّه خطر كبير قد يُكلف مَن يهمله حياته".