بعيداً عن المبالغات الإعلامية، ما هدف الصين من قانون الأمن القومي لهونغ كونغ؟ وما مدى توافقه مع دستورها؟ وهل يؤدي فعلاً إلى نهاية الحكم الذاتي لهونغ كونغ؟
واتهمت الصين بأنها تسعى إلى إعادة فرض سيطرتها وتولي الأمور بنفسها في هونغ كونغ، بعد الاحتجاجات الصاخبة المناهضة للحكومة الصينية هناك العام الماضي، والتي تصاعدت في كثير من الأحيان إلى اشتباكات بالغازات المسيلة للدموع.
وتعززت هذه الاتهامات بعد الخطوة المفاجئة، التي أعلنت عنها الحكومة المركزية الصينية الأسبوع الماضي بفرض قوانين تحظر الانفصال والتخريب والإرهاب والتدخل الأجنبي في هونغ كونغ. ومن المتوقع أن يصادق "مجلس الشعب الوطني الصيني" على مشروع القانون يوم الخميس، ويمكن إتمام الإجراءات الخاصة بتطبيق التشريع هذا الصيف.
ويطرح القرار الصيني تساؤلات حول مستقبل الحكم شبه الذاتي في إقليم هونغ كونغ. هل ستقوم الصين مثلاً بتعيين ضباط أمن الدولة الشرسين لديها في المدينة؟ هل يشير القرار إلى تآكل أو انهيار إطار "دولة واحدة ونظامان" الذي يمنح هونغ كونغ درجة كبيرة من الاستقلال الذاتي المحلي؟
الشيطان يكمن في التفاصيل. وهذه التفاصيل لم تتكشف بعد، حسبما ورد في تقرير لموقع Abc News الأمريكية.
قنبلة بكين التي أغضبت سكان هونغ كونغ تبدو قانونية
يقول جوزيف تشنغ، أستاذ العلوم السياسية والناشط المخضرم في الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، "لا يزال لدينا كثير من الأسئلة المهمة التي لم يجب عنها أحد بعد".
واقع الأمر أن الاقتراح الذي من المقرر أن يصادق عليه مجلس الشعب الصيني هو في الحقيقة دليل لخطوات مستقبلية قادمة. فهو يكلف اللجنة الدائمة لمجلس الشعب الوطني، وهي هيئة أصغر تتمتع بسلطة اتخاذ القرارات، بطرح صياغات محددة للقوانين المفترضة خلال الاجتماعات المقبلة.
وهناك بندان، في مسودة مشروع القانون التي تضم سبع مواد، يحظيان باهتمام خاص. الأول هو البند الخاص بإمكانية نشر ضباط أمن الدولة الصينيين في هونغ كونغ. والآخر يتعلق بتجاوز سلطات الهيئة التشريعية في هونغ كونغ، من خلال صياغة واعتماد القوانين في بكين.
ويُفترض بحكومة هونغ كونغ أن تنصاع لقانون الأمن القومي الصيني، بموجب المادة 23 من "قانون هونغ كونغ الأساسي" أو الدستور، لكنها عاجزة أو ممتنعة عن ذلك بسبب المعارضة التي يُواجه بها مشروع القانون. وكانت محاولة سابقة لفرض القانون قد تراجعت في عام 2003 بفعل احتجاجات ضخمة اشتعلت آنذاك.
أسقطت الصين قنبلتها في اليوم السابق لافتتاح المؤتمر السنوي لمجلس الشعب الصيني، الأسبوع الماضي. وتقول الأنباء إن مشروع القانون بمثابة تدخلٍ لتعديل الأوضاع في أعقاب احتجاجات العام الماضي، التي تعد الاحتجاجات الأعنف منذ استعادة الصين للمستعمرة البريطانية السابقة عام 1997.
من الناحية الفنية (القانونية)، يمكن للحكومة المركزية الصينية القيام بذلك، لكن الأمر لن يظهر بصورة جيدة. إذ تنص المادة 18 من قانون هونغ كونغ الأساسي على أنه يمكن للجنة الدائمة لمجلس الشعب الصيني إضافة قوانين تتعلق بالدفاع والشؤون الخارجية ومسائل أخرى، بغض النظر عن الوضع شبه الاستقلالي لهونغ كونغ. ومسائل الأمن القومي تقع ضمن تلك البنود.
أما الناشطون مثل تشنغ وغيره من المعسكر المؤيد للديمقراطية في هونغ كونغ، فإنهم يرون أن تلك الخطوة تمثل الحلقة الأحدث في سلسلة من الخطوات التي يعني المضي فيها نهاية إطار "دولة واحدة ونظامان". لكنه قال: "علينا أن نعترف بأن هذا التشريع قانوني".
ولكن المشكلة في خوف من الاعتقالات
بعد الإعلان الأولي، جاءت الصدمة الأكبر في مادة رقم 4 من مشروع القانون، والتي تنص في جزء منها على ما يلي: "عند الحاجة، يمكن لأجهزة الأمن القومي ذات الصلة والتابعة للحكومة الشعبية المركزية، إنشاء وكالات أمنية في (هونغ كونغ) للوفاء بالالتزامات والواجبات ذات الصلة بحماية الأمن القومي".
أعقب ذلك انتشار التكهنات. هل سيصبح من حق الشرطة الصينية اعتقال أي شخص في هونغ كونغ؟ هل سيخضع المحتجون المعتقلون في هونغ كونغ للاستجواب على يد الشرطة المحلية والشرطة الصينية؟
يقول ألبرت تشين، أستاذ القانون الدستوري في جامعة هونغ كونغ، "هذه مسألة تثير القلق. فالأمر يعتمد على ما يقوله القانون بشأن السلطات التي يتمتع بها هؤلاء الناس".
وأوضح تشين، بالقول: "إذا كان هؤلاء الأشخاص [رجال الأمن الصينيون] يتمتعون بسلطات الاعتقال وتفتيش الناس في منازلهم ومكاتبهم، أعتقد أن الناس في هونغ كونغ سيصعب عليهم جداً تقبل ذلك".
إلى ذلك، فإن التفاصيل قد تظهر في الاجتماعات القادمة للجنة في أواخر يونيو/حزيران وأواخر أغسطس/آب.
قانون الأمن القومي لهونغ كونغ لن ينهي الحكم الذاتي ولكن يفاقم الانقسام
تبرز الاحتجاجات في هونغ كونغ ورد الفعل عليها من بكين انقساماً سياسياً ما انفك يتصاعد إلى السطح مرة أخرى.
ورغم أن حرية التعبير والحقوق الأخرى التي يتمتع بها سكان هونغ كونغ بموجب إطار "دولة واحدة ونظامان" تسمح بالاحتجاجات والانتقادات العلنية للحكومة، فإن الأمر يمكن أن يخرج عن السيطرة في بعض الأحيان.
على الجانب الآخر، يرى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أن الاستقرار أمر حيوي للحفاظ على قبضته في البلاد، ومنها أراضي هونغ كونغ ومنطقة ماكاو على السواحل الجنوبية للصين.
ومع ذلك، فإن ذلك لا يعني تلاشي إطار "دولة واحدة ونظامان" الذي تخضع له العلاقات بين الصين وهونغ كونغ.
إذ ستواصل هونغ كونغ إدارة معظم شؤونها المحلية، من جمع الضرائب إلى مواجهة الجرائم العامة. لكن الواضح أن بكين تتأهب لفرض سيطرة أكثر إحكاماً على الأوضاع فيما يتعلق بالمعارضة لها في الإقليم، وأي تحديات محتملة لسلطتها المطلقة على هونغ كونغ.