علامات استفهام عديدة طرحها السجال بين حزب الله والتيار الوطني الحر الدائر حالياً الذي عكر لأول مرة تحالفهما الوثيق الذي أبرم عام 2006 هيمن على الساحة السياسية اللبنانية لسنوات وأفضى إلى وصول الرئيس اللبناني العماد ميشال عون لسدة الحكم.
وبات السؤال الأبرز على الساحة اللبنانية هو: إلى مدى سيصل هذا السجال بين حزب الله والتيار الوطني الحر؟ وهل يؤدي إلى تضحية التيار العوني بتحالفه مع الحزب إرضاء لأمريكا، أم يقدم الحزب لرئيس التيار الوطني، جبران باسيل، مزيداً من التنازلات على حساب الوضع الاقتصادي والسياسي اللبناني المنهار أصلاً؟
وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد أبرم تفاهماً وتحالفاً تاريخياً مع العماد ميشال عون فبراير/شباط 2006 عقب خروج القوات السورية من لبنان إثر اغتيال الحريري، وكان هذا التحالف يبدو غريباً للغاية لأنه يجمع حزب شيعي أصولي حليف لدمشق، مع تيار مسيحي كان من أشد معارضي الوجود السوري في لبنان.
وساهم هذا التحالف في توفير غطاء مسيحي لسياسات حزب الله خاصة تلك المتعلقة بسلاح الحزب وسياساته الخارجية الموالية لإيران وسوريا، في المقابل دعم الحزب تغلغل التيار الوطني الحر الذي أسسه عون في مؤسسات الدولة اللبنانية وصولاً إلى تولي العماد ميشال عون للرئاسة.
باسيل يتهم حزب الله لأول مرة بالتورط في التهريب
منذ أن خرج رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، مستخدماً عبارة "قوى الأمر الواقع"، في إطار تحميله المسؤولية الناتجة عن تفلُّت المعابر على الحدود اللبنانية السورية، توالت الإطلالات المدججة بالرسائل الموقوتة على الموجة نفسها من جانب قيادات "التيار الوطني"؛ لوضعها عبر شاشة "أو تي في" التابعة للتيار، في صندوق بريد حزب الله.
اللافت أن سهام التيار العوني وصلت إلى حد ملامسة قضية سلاح الحزب الوجودية، والتلويح بخطر انكشافه داخلياً، والتلميح إلى إمكانية وضعه على طاولة البازار العوني على قاعدة "سلّم تسلم".
فإما أن يذعن حزب الله بوجوب الوقوف كلياً إلى جانب الوزير السابق جبران باسيل في معركته السياسية من دون مواربة ولا مراعاة لحليف من هنا وحليف من هناك، وإما أن سلاح الحزب سيكون عرضةً لنزع الغطاء المسيحي عنه الذي يوفره له بالأساس التيار الوطني الأكبر مسيحياً وصاحب أكبر كتلة برلمانية.
السجال بين حزب الله والتيار الوطني وصل لاتهام الحزب بالبلطجة على القوى الأمنية
وفي هذا السياق، توقفت أوساط سياسية عند الحملة الممنهجة التي يخوضها "التيار الوطني الحر" ويمارس من خلالها لعبة "الغمز واللمز" من قناة "حزب الله"، بدءاً من إشارة باسيل إلى مسؤولية الحزب دون تسميته عن معابر التهريب، مروراً بالإشارة إلى سطوة مسلحي الحزب على طريق مطار بيروت الدولي ورعايتهم عمليات التهريب والتهرب الجمركي للبضائع.
وهذا ما لمَّح إليه تحديداً القيادي بالتيار الوطني الحر ناجي حايك في مقابلة تلفزيونية، حين سرد واقعة تعرُّض دورية من الجمارك على طريق المطار لكمين من قِبل مسلحين على متن سيارات رباعية الدفع ذات زجاج داكن في أثناء قيام عناصر الدورية بضبط عملية تهريب بضائع فهددوهم بالقتل ما لم يطلقوا سراح المهربين والبضاعة فوراً، وصولاً خلال الساعات الأخيرة إلى رسالة "سلّم سلاحك" التي توجَّه بها النائب زياد أسود مباشرةً إلى "حزب الله"، على اعتبار أننا في لبنان "مش رح فينا نضل حاملين بارودة وشعبنا جوعان".
"ندفع جميعنا ثمن سلاحه بعدما شارك في اغتيال الحريري"
وأكد القيادي العوني أنّ ثمن وجود سلاح "حزب الله" يدفعه "كل اللبنانيين"؛ ومن ثم "ما بيقدر حزب الله لحالو يصمد إذا ما في تضامن وطني حوله".
بل إن السجال وصل إلى قول النائب في كتلة باسيل، جورج عطا الله، إنه في حال اتهام الحزب لتياره بالفساد، فإنه سيردُّ باتهامه باغتيال رفيق الحريري.
ولعل ما استفز حزب الله تصريح النائب آلان عون، وهو ابن أخت رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي دعا إلى إقرار استراتيجية دفاعية يتولاها الجيش اللبناني وليس فريقاً بعينه، ما اعتُبر أنه مسٌّ بالصيغة السياسية المتفق عليها بين الجانبين منذ سنوات.
ما الدافع وراء هذه الحملة الباسيلية؟ "لن نسمح لحلفائك حتى بالكلام"
تتحدث مصادر سياسية متابعة للاشتباك السياسي بين الحزب والعونيين، بأن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، أراد إرسال رسائل مباشرة إلى حزب الله بعد سلسلة هجمات طالت باسيل وتياره من قوى على وفاق مع الحزب كرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الذي خصص مؤتمره الصحفي للهجوم على باسيل وتياره وتحميلهم ملفات فساد في قطاعي الكهرباء والنفط.
بالإضافة لمواقف يطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري ضد قرارات في الحكومة يقف خلفها التيار الوطني الحر، وتغطية بري المستمرة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يخوض التيار معركة إسقاطه؛ لاستجلاب الوزير الأسبق منصور بطيش خلفاً لسلامة.
وأدى موقف بري، الحليف الأقرب لحزب الله، إلى سقوط حلم باسيل في الإطاحة بالحاكم المركزي للمصرف، ما يعتبره باسيل طعنة بالظهر في ميدان التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية التي يسعى باسيل فيها لخلافة عمه رئيس الجمهورية ميشال عون بأي ثمن سياسي.
وعليكم بالموافقة على مشروعاتنا حتى أهدرت الميزانية
ما زاد من حدة الانفجار تصويت وزراء حزب الله في حكومة حسان دياب على رفض إنشاء معمل كهرباء في منطقة سلعاتا والذي يحاول باسيل بناءه لخلفيات سياسية مسيحية والذي يعتبر أن الشيعة يمتلكون معمل منطقة الزهراني والسُّنة لديهم معمل في طرابلس.
لكن المشروع سقط بالضربة القاضية، لضرورات اعتبرها حزب الله غير مجدية وتستنزف ميزانية دولة منهارة اقتصادياً، في ظل سعي باسيل لتمرير صفقات تخدم شعبيته الحزبية كمشروع سد بسري في منطقة الشوف التي أصر باسيل على تنفيذ المشروع فيها بقيمة 650 مليون دولار، ولم يعمل حزب الله، بحسب أوساط تيار باسيل، على المضي في المشروع، ليسقط مرة جديدة في أروقة مجلس الوزراء.
هل أبرم صفقة مع أمريكا؟
يرى مصدر سياسي متابع أن المواقف الأخيرة لقيادات تيار باسيل تعكس شيئاً أساسياً، وهو أن التيار يقرأ عن كثبٍ التحولات التي تجري في المنطقة، وإصرار الإدارة الأمريكية على خنق إيران وأذرعتها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله.
ويتابع المصدر أن باسيل تلقى تهديدات أمريكية مستمرة بأن العقوبات ستشمله في حال بقي بخط تغطية حزب الله والسير في سياساته.
يشدد المصدر على أن التيار الوطني الحر يعكف منذ فترة على التواصل مع واشنطن وباريس؛ للاستماع لهواجسهما في الساحة اللبنانية؛ لتأكيد أنه لا يوافق حزب الله في كل مغامراته، وأنه ينتقده حين تقتضي الضرورة ذلك.
ويشدد المصدر على أن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة حمل رسالة إلى الأفرقاء اللبنانيين بأن واشنطن عادت للعب بقوة في مناطق نفوذ طهران، وهذا ما يجعل التيار أمام مفترق طرق مصيري، وأنه سيضطر في مراحل قادمة، إلى التخلي عن نقاط أساسية في تحالفه مع الحزب .
كما برزت في الأيام الأخيرة معركة خفية بين حزب الله والتيار الوطني، على خلفية رفض الحزب تمرير قانون العفو عن عملاء لبنانيين في إسرائيل، وأدت إلى اندلاع اشتباك بين النائب السُّني المحسوب على الحزب جهاد الصمد وعضو كتلة باسيل، ميشال معوض، في جلسة اللجنة البرلمانية الرامية إلى مناقشة ملف العفو العام، بعد أن كان باسيل قد تلقى وعداً بالتحفظ على القانون وليس معارضته، ما يفتح نقاشاً محلياً حول وعود قد يكون باسيل قطعها للجانب الأمريكي والأوروبي في هذا الملف الشائك وأتى حزب الله لنسف تلك الوعود.
حزب الله حريص على العلاقة ولكن من المبكر دعم باسيل في معركة الرئاسة
ترى مصادر قيادية في فريق 8 آذار، أن حزب الله، الحريص على التفاهم التاريخي مع تيار رئيس الجمهورية وصهره، يتوجس من الحملات التي يطلقها نواب وشخصيات سياسية في التيار الحاكم، وهذا مؤشر خطير في أفق العلاقة بين الطرفين.
ويرى أحد هذه المصادر أن الحزب لا يمكنه وعد باسيل بدعمه في معركة الرئاسة الأولى، في ظل السخط الكبير على الرجل ووجود حلفاء آخرين للحزب يرون أنفسهم مؤهلين لخلافة عهد عون، الذي يعتبر فشل فشلاً ذريعاً وتسبب في انهيار الاقتصاد عبر استنزاف التيار المستمر لقطاع الكهرباء.
ويقول المصدر إن باسيل لا يحظى بتأييد داخلي، خاصة من القوى السياسية الرئيسية التي تشكل البرلمان الحالي، ولا برضا خارجي؛ وهذا ما سيتسبب بأزمة مفتوحة في حال دعم الحزب باسيل ضد سليمان فرنجية، المرشح الأبرز للرئاسة في وجه جبران باسيل.
لقاء ليليٌّ وترتيب لموعد مع نصر الله
يؤكد مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست"، أن لقاء عُقد منذ يومين بين الوزير الأسبق جبران باسيل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، الحاج وفيق صفا؛ وذلك في محاولة لوقف السجالات العلنية ووضع آلية جديدة لتنظيم الخلاف بين الطرفين بعد الحرب الإعلامية التي خاضها الطرفان بهذا الشكل العلني.
ويقول المصدر إن هذا الحلف ضروري للطرفين مهما كانت الظروف المتغيّرة، وبناء عليه، برزت حاجة إلى تنظيم الخلاف أو إدارته؛ حرصاً على الحلف الاستراتيجي بطبيعته "حتى الآن".
ويرى أن لقاء باسيل وصفا، مطلع الأسبوع الماضي، يندرج ضمن هذا المسعى؛ لتطويق الخلاف، في ظل الوضع الحساس الذي يمر به لبنان ومحاولات التربص الأمريكية بالساحة المحلية وتقويض عمل المؤسسات الرسمية.
ويشدد المصدر على أن صفا أبلغ باسيل استياء حزب الله من المعركة الدائرة بينه وبين سليمان فرنجية، فالحزب يرى أنه من المبكر اختلاق أزمة الرئاسة قبل سنتين من موعدها.
ويؤكد ضرورة الالتفات إلى الأزمة المالية وتبعات أزمة كورونا على البلاد، في حين قال مصدر في التيار الوطني الحر لأ"عربي بوست"، إن لقاء يجري ترتيبه بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، والوزير باسيل؛ لترتيب الملفات بين الجانبين بعد ما جرى خلال المرحلة السابقة، وتأكيد التفاهمات والاتفاقات المبرمة بين الحزب والتيار.
ويرى المصدر أن الخلاف على ملف معمل سلعاتا لتوليد الكهرباء لايزال قائماً، في ظل إصرار حزب الله على عدم تمريره، لكن المصدر يشدد في الوقت نفسه على أن الجانبين اتفقا على أن من الضروري إجراء التعيينات القضائية والمالية مع الأخذ بعين الاعتبار رأي الأطراف الأخرى المشارِكة في الحكومة، وقوى المعارضة كتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.