على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي سبَّبها كورونا، يُرجِّح خبراء أن سباق التسلح العالمي سيستمر وبسرعة، عقب جائحة فيروس "كورونا المستجد" (كوفيد-19)، خاصةً على مستوى صدِّ الهجمات البيولوجية. وارتفع حجم الإنفاق العسكري على مستوى العالم عام 2019، بنسبة 3,6% (الأكبر منذ 2010)، مقارنة بـ2018، مسجلاً 1,9 تريليون دولار، بحسب تقرير حجم الإنفاق العسكري العالمي لمعهد دراسات السلام الدولي بالعاصمة السويدية ستوكهولم. ومثّل حجم إنفاق الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والسعودية مجتمعةً 62% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي في 2019.
حتى مع الأزمات الاقتصادية، لماذا ستتمسك الدول بالإنفاق العسكري؟
وبشأن التغيرات المرجحة على أنظمة الدفاع والأمن بالعالم عقب "كورونا"، قال البروفيسور جاغري أرهان، رئيس جامعة ألتين باش، لوكالة لأناضول، إن شكل وطرق الحروب في الفترة المقبلة ستختلف عن السابق.
"ففي حال اندلاع حرب عالمية ثالثة يمكن أن نشهد هجمات سيبرانية عبر الإنترنت، تستهدف أنظمة البنوك ومحطات الكهرباء والمحطات النووية، إضافة إلى هجمات بيولوجية".
وشدّد أرهان على أن مجال السلاح من أهم المجالات والقطاعات بالعالم، والولايات المتحدة والسعودية وبقية دول الخليج لن تتخلى عن شراء السلاح رغم استمرار جائحة "كورونا". مضيفاً أن "بعض التطورات الاقتصادية بسبب الوباء تُظهر أن مبيعات الأسلحة انخفضت، ومع الانخفاض في أسعار البترول بدأت الدول التي يعتمد اقتصادها على البترول والغاز تشهد عجزاً في الميزانية، وعجزاً في ميزان المدفوعات".
وأضاف: "يمكن أن نفكِّر أن هذه الدول ستُنفق أقل على التسليح على المدى القريب، لكن على المدى المتوسط والبعيد لن يتغير أي شيء، ستنشب الحروب مرة أخرى، وستستمر الدول في شراء وبيع الأسلحة"، حسب تعبيره.
ولكن يُشكِّك موقع Responsible Statecraft الأمريكي من جهته، في استمرار قدرة دول الخليج كالسعودية والإمارات على الإنفاق العسكري ببذخ كالسابق، بسبب الانخفاض الكبير في إيرادات تلك الدول، نتيجة لانهيار أسعار النفط والغاز وانخفاض الطلب العالمي انخفاضاً كبيراً.
إضافة إلى ذلك، يطرح هذا سؤالاً عمّا إذا كانت الشعوب في دول مثل السعودية، التي أُجبِرَت على فرض تخفيضات مؤلمة على الإنفاق الاجتماعي من دون إشارة إلى أنَّ النخب تتقاسم العبء مع الشعب، ستستمر في دعم الإنفاق العسكري الضخم في وقت التقشف.
الأسلحة المحرمة
الخبير أرهان لفت إلى أن الحديث عن الأسلحة البيولوجية المحرمة بموجب المعاهدات الدولية عاد مجدداً مع انتشار "كورونا". وأضاف أن معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية، الموقَّعة عام 1972، تحظر على أي دولة تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية، لكن على أرض الواقع استُخدم هذا النوع من الأسلحة، كما حدث في حرب إيران والعراق (1980: 1988).
وأردف أن الدول ستطور آليات دفاع جديدة ضد الهجمات البيولوجية، لافتاً إلى أن استخدام وتخزين الأسلحة البيولوجية محظور تماماً، كالسلاح النووي، لكن لا توجد آلية حقيقية لمنع ذلك، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا تطالب وغيرها من الدول ستطالب الصين بدفع تعويضات عن الخسائر التي تكبّدتها هذه الدول جراء تفشي الوباء، وعلى بكين أن تتحمل ذلك إذا ثبت فعلاً أنها تسببت بظهور الفيروس، كما يزعم الرئيس الأمريكي ترامب.
النووي ضد البيولوجي
وفق بروفيسور محمد سيف الدين أرول، عضو هيئة التدريس بجامعة حاجي بيرام ولي، ورئيس مركز دراسات السياسة والأزمات بأنقرة، فإن "كورونا" جعل الدول تضع نصب أعينها احتمالية تعرُّضها مستقبلاً لتهديدات بيولوجية.
وأضاف أرول للأناضول، أن العالم دخل مع "كورونا" مرحلةً جديدةً بخصوص التسلح البيولوجي، ولم تتردد الدول في تطوير قدراتها العسكرية لردع هذه التهديدات. معتبراً أن سباق التسلح سيستمر، بل وسيزداد عقب الجائحة، وصراع القوى لا يزال مستمراً منذ انتهاء الحرب الباردة (1947 – 1991).
لكن أرول شدّد على أن الأسلحة البيولوجية لا يمكنها أن تحل محل الأسلحة النووية أو الأسلحة التقليدية، وأولوية الدول ستكون استخدام الأسلحة التقليدية.
لافتاً إلى تصريحات روسية سابقة، بأن موسكو ستعتبر أي هجوم عليها بالصواريخ الباليستية المُطلقة من الغواصات سبباً يستدعي الرد بالسلاح النووي. مفيداً بوجود مخاطر تتمثل في احتمال استخدام السلاح النووي ضد السلاح البيولوجي أو العكس.
صواريخ "هايبرسونيك"
أما البروفيسور أمره أوزان، عضو هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية في جامعة قيرقلار إيلي التركية، فذهب إلى أن السياسة الدولية تشهد توتراً ملحوظاً منذ سنوات.
وأضاف أوزان للأناضول أن تغير ذلك عقب انتهاء الجائحة أو تقليل الدول لنفقاتها الدفاعية واتجاهها إلى التعاون بدلاً من التنافس ليس بالأمر السهل الوارد حدوثه.
ولفت أوزان إلى أن الولايات المتحدة أجرت تجاربَ على صواريخ "هايبرسونيك" (أسرع من الصوت) أثناء استمرار تفشي "كورونا".
واعتبر أن "تجربة واشنطن لصواريخ هايبرسونيك باهظة التكلفة، بينما تواجه مستشفياتها أزمة في أجهزة التنفس الصناعي يعد نوعاً من الهزلية".
واستطرد: "من الممكن أن يطالب الناس بعد ذلك بصرف الضرائب التي يدفعونها على أمور أكثر فائدة من صرفها على التسلح. الوباء في حدِّ ذاته مشكلة أمنية، كونه أثَّر على بنية الدول السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلا أنه قبل كل ذلك مشكلة أمنية إنسانية".
ميزانيات الدفاع بعد الجائحة
تقول سيبل قارابل، خبيرة استراتيجيات الأمن، إن الولايات المتحدة خصَّصت حزمة إنقاذ بقيمة 2 تريليون دولار، أي 10% من ميزانيتها، لمواجهة الجائحة، بينما خصَّصت ألمانيا 4,9% من ناتجها القومي، وخصَّصت الصين 1,2%.
وأضافت للأناضول أن الدول زادت من إنفاقها على قطاع الصحة والمستلزمات الطبية، لكنها مستمرة في استثماراتها بمجال الدفاع. ولفتت إلى أن الولايات المتحدة هي الأولى عالمياً في الإنفاق العسكري، وخصَّصت لأول مرة 6,09 مليار دولار في ميزانية العام القادم، من أجل استراتيجية الردع بمنطقة المحيط الهندي والهادي.
واستطردت: كما أعلنت النرويج أنها ستزيد ميزانية الدفاع بنسبة 27% ضمن خطة الدفاع طويلة الأجل، وذلك رغم تفشي الوباء لديها.
وأشارت إلى أن بعض الدول، وعلى عكس الولايات المتحدة، أعلنت أنها ستُقلّص ميزانية الدفاع التقليدية، مثل كوريا الجنوبية، التي قالت إنها ستقلصها بمقدار 733 مليون دولار، فيما ستقلصها التشيك بـ120 مليون دولار.
ورجَّحت أن الدول ستعيد النظر في طرق إنفاقها العسكري، لكن ليس معنى ذلك أن سباق التسلح سينتهي عقب "كورونا".