عادت قضية إقليم هونغ كونغ إلى الأضواء مجدداً، بعد أن كانت الاحتجاجات قد هدأت فيها قليلاً خلال الأشهر الماضية، إذ كشف مسؤولون صينيون، الخميس 21 مايو/أيار، عن اتجاه بكين لإقرار تشريع جديد للأمن القومي يتعلق بهونغ كونغ، على خلفية الاضطرابات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت بها صيف العام الماضي.
وبحسب وكالة رويترز، تسببت هذه النوايا بتحذير من قبل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من رد فعل شديد سيصدر من قبل الولايات المتحدة، إذا حاولت الصين كسب المزيد من السيطرة على الإقليم. وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض الجمعة: "لا أحد يعرف بعد تفاصيل خطة الصين. لكن إذا حدث ذلك، فسوف نعالج هذه القضية بقوة شديدة".
وكان المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية في هونغ كونغ، عارضوا لسنوات فكرة قوانين الأمن القومي الصيني، بحجة أنها يمكن أن تقوض بشكل كبير الحكم الذاتي للمدينة، المعمول به منذ عقدين بموجب مبدأ "دولة واحدة، ونظامان"، بعد خروج تسليم الإقليم من السيطرة البريطانية، إلى السيطرة الصينية.
فما حكاية إقليم هونغ كونع، وما النظام السياسي التي تتمتع به، وكيف تخلت بريطانيا عنها لصالح الصين، وهل تستطيع بكين بسط نفوذها على الإقليم وإنهاء استقلاليته التي كفلها الدستور؟
ما حكاية منطقة هونغ كونغ؟
في منتصف ليلة 30 يونيو/حزيران عام 1997، عادت هونغ كونغ من السيطرة البريطانية إلى الصين. إذا نظرنا إلى الوراء، هل خذلت بريطانيا شعب هونغ كونغ؟.. للإجابة عن هذا السؤال، من المهم فهم توازن القوى النسبي التاريخي بين الصين والمملكة المتحدة.
- يقول موقع History Today البريطاني، إنه خلال القرن الـ19 كانت بريطانيا في أوج قوتها، وكان بإمكان البحرية الملكية فرض قوتها على أي ميناء في العالم. ولذلك تمكنت بريطانيا من إجبار الصين على توقيع معاهدات استحوذت بموجبها على هونغ كونغ، واستأجرت "الأراضي الجديدة" عام 1898 لمدة 99 عاماً.
- بحلول أواخر السبعينيات، كان ذلك العهد قد ولى. وكان التفاوض الهادئ، بدلاً من دبلوماسية البوارج، هو أفضل أمل لبريطانيا لإبقاء سيطرتها على هونغ كونغ.
- أعادت المملكة المتحدة تصنيف هونغ كونغ عام 1983 من مستعمرة ملكية إلى إقليم في ما وراء البحار، وكانت الحكومتان الصينية والبريطانية قد بدأتا بالفعل حينها بمناقشة مسألة سلطة هونغ كونغ، بعد أن بدأ موعد انتهاء عقد استئجار الأقاليم الجديدة يدنو.
- تحقق الكثير من زيارة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر إلى هونغ كونغ في سبتمبر/أيلول عام 1982. كانت صور تعثرها على سلالم قاعة الشعب الكبرى، والتقارير عن غضب دينغ شياو بينغ من اقتراحها الاحتفاظ بوجود بريطاني في هونغ كونغ، موثقة جيداً ومنتقدة.
- لكن قبل وصول تاتشر إلى بكين، استبق البريطانيون غضب دينغ بشأن هونغ كونغ. أوضح دينغ نيته بإعادة الاستحواذ على هونغ كونغ والأراضي الجديدة لحاكم هونغ كونغ البريطاني السير موراي ماكلوز عام 1979.
تهديد صيني ثم مفاوضات على السيطرة والتمثيل
- كان دينغ كارهاً للمعاهدات التي منحت لبريطانيا السيطرة على هونغ كونغ واعتبرها باطلة. أوضح دينغ أن جيش التحرير الشعبي يستطيع التحرك إلى هونغ كونغ في أي وقت يحلو له، وكان هناك القليل مما يستطيع البريطانيون فعله حيال ذلك. كان واثقاً من الشعور بأن كل الأوراق في حوزته، وأخبر رئيسة الوزراء عام 1982 أنه إذا لم يتوصل إلى اتفاق خلال العامين المقبلين، فإن الصين ستتخذ إجراءً أحادياً.
- غادرت مارغريت تاتشر بكين مهانة وعرف العالم بأسره ذلك. في غضون 10 أيام من رحلة تاتشر إلى بكين، فقدت بورصة هونغ كونغ 25% من قيمتها.
- بدأت المفاوضات الرسمية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1982، وكانت صعبة من البداية. أولاً لأن الصينيين لن يستمروا حتى تعترف بريطانيا بالسيادة الصينية على هونغ كونغ، وثانياً لأن البريطانيين مارسوا ضغوطاً من أجل إدارة هونغ كونغ بعد عام 1997.
- وبينما توقفت المحادثات، أخذ الصينيون زمام المبادرة في هونغ كونغ. أصدروا خططهم للمناطق الإدارية الخاصة (SAR)، في حين بدأ الحزب الشيوعي الصيني (CCP) الترويج للوحدة مع جمهورية الصين الشعبية. كل هذا بينما يراقب الموفدون البريطانيون، بقيادة السير بيرسي كرادوك والسير ريتشارد إيفانز لاحقاً، نهج دينغ النهائي.
البريطانيون يعترفون بالسيادة الصينية على هونغ كونغ
- في 26 سبتمبر/أيلول عام 1984، وقعت بريطانيا على الإعلان الصيني البريطاني المشترك. اعترف البريطانيون بالسيادة والإدارة الصينية. ونص على أنه في عام 1997 ستعود هونغ كونغ إلى الصين بدرجة عالية من الحكم الذاتي، باستثناء الشؤون الخارجية والدفاع. لم يكن لشعب هونغ كونغ ممثل رسمي في المحادثات. رفض الصينيون الاعتراف بأن السير إدوارد يود، الحاكم آنذاك، يمثل هونغ كونغ.
- التفاصيل المتعلقة بمدى اتساع الحريات في هونغ كونغ وضعت في صياغة القانون الأساسي. تألفت لجنة صياغة القانون الأساسي (BLDC) من 82 شخصاً، من بينهم 23 من هونغ كونغ. وجهت بكين بمهارة وسرية كل تحركات اللجنة. منحت النتيجة النهائية هونغ كونغ وضعاً خاصاً لمدة 50 عاماً، واتفق على انتخاب ثلث المجلس التشريعي من عام 1997، ونصفه بحلول عام 2003.
- تعثر المجلس التنفيذي في السعي نحو الديمقراطية بعد عام 1985، كان جميع من يريدون المزيد من الديمقراطية يشعرون بالقلق من إغضاب بكين. في فبراير/شباط 1990، أقنع البريطانيون الحكومة الصينية بالموافقة على زيادة عدد الأعضاء المنتخبين مباشرة في المجلس التشريعي من 10 إلى 18. ومن ثم سيزداد هذا العدد إلى 20 عام 1997 و24 عام 1999 و30 عام 2003 (من أصل ما مجموعه 60 مقعداً). كان هذا أقل بكثير مما طلبه العديدون في هونغ كونغ، لكنه كان أقصى ما كان البريطانيون مستعدين للضغط في سبيله.
- في يوليو/تموز عام 1992، وصل كريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ. لقد كان سياسياً، وليس دبلوماسياً، ولم يفهم الصينيين. قدم باتن اقتراحات زادت من تمثيل الناخبين وحدثت التقنيات الانتخابية. دفعت الإصلاحات المقترحة القانون الأساسي إلى حدوده، دون أن تنتهكه. لكن الصين لم تره بهذه الطريقة. فشل باتن في إدراك أن الحزب الشيوعي الصيني لم يستوعب بشكل كامل الديمقراطية الغربية. عدم فهم الحزب الشيوعي الصيني جعلهم يعتقدون أنه كان يحاول أن يفعل أكثر مما كان يفعله.
بريطانيا تتنازل وتسلم هونغ كونغ لحكومة بكّين
- مرر باتن إصلاحاته في المجلس التشريعي خلال يونيو/حزيران عام 1994. أنهى الصينيون المفاوضات على الفور، مدعين أن البريطانيين قد خرقوا الاتفاق. بدأت بكين تتصرف من جانب واحد لتشكيل حكومة ما بعد عام 1997، مبعدة البريطانيين عن مستقبل هونغ كونغ. بمجرد سيطرتهم على هونغ كونغ، أبطل الحزب الشيوعي الصيني تعديلات باتن. أنشؤوا مجلساً تشريعياً مؤقتاً، ضم 33 عضواً من المجلس القائم، لكنهم اختاروا الأعضاء الذين كانوا ميالين إليهم.
- طوال المفاوضات كلها، أعيق البريطانيون بسبب ضعفهم الاستراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، ضغطت لندن على المندوبين لموازنة القيمة الاقتصادية لهونغ كونغ مقابل العلاقات الجيدة مع الصين النامية. دينغ، من ناحية أخرى، كان على استعداد للقيام بكل ما يلزم لاستعادة هونغ كونغ. لم يكن يريد الإضرار بالقيمة الاقتصادية الهائلة للمنطقة، لكنه كان مستعداً للتغلب على أي عائق لمحو "عار المعاهدات غير المتكافئة".
- بعد توقيع الإعلان المشترك، انتقلت موازين القوى إلى الصينيين. هذا جزئياً لأن الإعلان يعكس القيمة التي وضعها البريطانيون لهونغ كونغ.
- يقول موقع History Today، إن "البريطانيين لم يعاودوا تجميع صفوفهم جيداً بعد أن خسروا معركة البقاء في هونغ كونغ بعد عام 1997. لو كان البريطانيون أكثر تنظيماً وحزماً قبل وصول باتن، فلربما كان بمقدورهم ترسيخ التحركات الديمقراطية في إطار معايير القانون الأساسي. لم يفشل البريطانيون تماماً، لكن كان بإمكانهم فعل المزيد لو كانوا على استعداد لتحدي بكين من أجل حريات هونغ كونغ".
- أخيراً، لا زالت هونغ كونغ تتمتع باستقلاليَّة عالية ونظام سياسي مختلف عن ذاك في البر الصيني، وذلك وفق مبدأ "بلد واحد، نظامان مختلفان" الذي يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي. وللمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز "درجةً من الاستقلالية" في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكريَّة.