تمتلك إيران تاريخاً حافلاً بتهديد مرور الطاقة وحركة الشحن الدولية في مضيق هرمز التي تقتسم شواطئه مع سلطنة عمان، وفي مياه الخليج. وتشير إحصائيات رسمية أمريكية إلى أن البحرية الأمريكية سجلت 22 حادثة استفزاز لقطع بحرية أو سفن تجارية أمريكية خلال عام 2015 في ذات الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما تسعى لعقد اتفاقية الملف النووي بوساطة سلطنة عُمان.
وواصلت إيران عرقلة حركة الشحن الدولية خلال الأعوام التي تلت التوقيع على "اتفاق إطار" بشأن برنامج إيران النووي في 2 أبريل/نيسان 2015 بلوزان السويسرية، بعد مفاوضات شاقة دامت 18 شهراً بين إيران ومجموعة (5 +1) التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
بلغت الحوادث المسجلة 36 حادثاً في عام 2016، بما فيها استيلاء القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في يناير من نفس العام على زورقين نهريين تابعين للبحرية الأمريكية، واحتجاز 10 بحارة أمريكيين لمدة 15 ساعة والإفراج عنهم بعد عرضهم على وسائل الإعلام الإيرانية.
ترامب وإعادة الحسابات تجاه إيران
لكن المنطقة شهدت هدوءاً نسبياً خلال عامي 2017 و2018، حيث سجلت حوادث متفرقة قبل التصعيد المستمر منذ إلغاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاق الملف النووي في مايو/أيار 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية في مايو 2019.
بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017، بدأ عهده بإجراء مراجعة شاملة لسياسات بلاده بشأن طبيعة العلاقات مع إيران واستمرار نشاطاتها البحرية وتهديداتها، واعتقاده بفشل استراتيجية باراك أوباما في ما يتعلق بالحد من التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار الدوليين كأحد أهداف توقيع صفقة الملف النووي، والتي بموجبها أفرجت الولايات المتحدة عن المزيد من الأرصدة الإيرانية المجمدة في مصارفها.
وتحاول الولايات المتحدة مواجهة التهديدات الإيرانية في الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عمان بتشكيل هيكل أمني بحري دولي "الحارس" من 8 دول، لضمان حرية الملاحة والتدفق الآمن للتجارة والطاقة عبر مضيق هرمز، لكنه على ما يبدو لم يكن فعالاً ولم يتجسد عملياً حتى الآن.
إيران تعاود التصعيد
بين شهري مايو/أيار 2019 ومطلع عام 2020، أظهرت إيران قدرات كبيرة في إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية ومصالح بعض الدول الخليجية، مثل السعودية، بعد اتهامها باستخدام قدراتها الصاروخية والطائرات دون طيار في شن هجمات تستهدف البنية التحتية لقطاع الطاقة في العمق السعودي، وهجمات مماثلة على ناقلات نفط من جنسيات عدة، وعلى مرافق دبلوماسية وشركات وقواعد أمريكية في العراق، وتهديدات أخرى دفعت الولايات المتحدة إلى تعزيز تواجدها العسكري للحد من "الخطر الإيراني".
في موازين القوى العسكرية، تمتلك الولايات المتحدة في المنطقة قدرات عسكرية تقليدية متفوقة على القدرات الإيرانية في القوتين البحرية والجوية، بالإضافة إلى القدرات غير التقليدية.
ويقدر عدد الجنود الأمريكيين في المنطقة وأفغانستان ما بين 60 إلى 80 ألف جندي من مختلف الصنوف القتالية ينتشرون في الخليج العربي وقطر والسعودية والإمارات والكويت والعراق وأفغانستان وغيرها.
في مقابل ذلك، تمتلك إيران قدرات عسكرية يمكنها أن تشكل تهديداً جدياً للولايات المتحدة والدول الحليفة والشريكة لها باستخدام الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى، والطائرات دون طيار، ومجموعات مسلحة شيعية قادرة على تنفيذ عمليات وشن هجمات ضد المصالح والقواعد الأمريكية في العراق وسوريا وفي منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.
إيران وهجمات فك الضغط
تسعى إيران من خلال تنفيذها الهجمات البحرية أو استفزاز السفن التجارية وناقلات النفط والقطع الحربية لتخفيف العقوبات الأمريكية ضمن حملة "الضغط القصوى"، من خلال تهديد المرور الآمن للطاقة وحركة الشحن التجارية الدولية في مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو ثلث الإنتاج النفطي العالمي.
ومنذ مايو 2019 شهدت مياه الخليج العربي وخليج عمان سلسلة من الهجمات على ناقلات نفط واستفزاز سفن حربية، واحتجاز سفن تجارية، تتهم الولايات المتحدة إيران أو القوات الحليفة لها بالوقوف خلفها.
ففي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2019 شنت البحرية التابعة للحرس الثوري هجمات عدة على ناقلات نفط سعودية وإماراتية ومن جنسيات أخرى، واستولت على سفن وناقلات نفط وأسقطت طائرة استطلاع أمريكية دون طيار فوق المياه الدولية في مضيق هرمز، وفق الرواية الأمريكية التي خالفت الرواية الإيرانية بأنها أسقطتها داخل الأجواء السيادية الإيرانية.
هل تمضي واشنطن في تهديداتها؟
كان التصعيد الأكثر وضوحاً، الأوامر التي أصدرها الرئيس الأمريكي للبحرية الأمريكية في 22 أبريل/نيسان بتدمير جميع الزوارق الحربية الإيرانية إذا تحرشت بالسفن الأمريكية.
لكن التصعيد الأكثر خطورة هذا العام، كان في أبريل الماضي بعد احتجاز بحرية الحرس الثوري ناقلة نفط تحمل علم هونغ كونغ، وقيام 11 قطعة بحرية إيرانية صغيرة منتصف أبريل باعتراض 5 سفن للبحرية الأمريكية كانت في مهمة روتينية.
وأعادت إيران، وفقاً لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف، تأكيد موقفها المعلن منذ عام 2018 بأنه لا يمكن للبحرية الأمريكية أن تتخذ من منطقة الخليج التي تبعد عنها 7000 ميل فناءً خلفياً لقواتها البحرية، وأن وجود القوات الأجنبية، الأمريكية على وجه الخصوص، هو السبب في التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة.
ويتحدث مسؤولون إيرانيون عن أن إيران الموجودة في المنطقة منذ آلاف السنين يمكنها أن توفر الأمن الإقليمي في المنطقة بالتنسيق مع الدول المطلة على الخليج العربي، خاصة سلطنة عُمان التي تقع على الجانب الآخر من مضيق هرمز المقابل لإيران، وهما يعملان معاً على ضمان الأمن في ممر مائي حيوي مثل هذا الممر.
وتتهم إيران الولايات المتحدة بالتدخل في الدوريات البحرية للحرس الثوري الإيراني في الخليج العربي ومنعها من القيام بمهامها الروتينية، وتقول إنها التزمت بحقوقها القانونية، الأمر الذي دفع قوات دورياتها إلى الرد وتقديم الإنذارات اللازمة لها.
حرب تلوح في الأفق؟
تتخوف الولايات المتحدة من المزيد من الحوادث المماثلة التي قد يؤدي سوء التقدير من قبل أفراد في بحرية الحرس الثوري إلى حالة صدام بين القوتين البحريتين، ما يهدد أيضاً سلامة السفن المارة عبر مياه المنطقة التي تعد من أهم مناطق المرور البحري في العالم.
وعلى الرغم من الاستفزازات الإيرانية الهادفة إلى تخفيف العقوبات الأمريكية لمواجهة تداعيات انتشار وباء كورونا على الاقتصاد الإيراني المهدد بالانهيار، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى احتمالات تصعيد متبادل بمستويات أعلى، حيث إن كلاً من الولايات المتحدة وإيران لا يرغبان في الدخول بمواجهات محدودة أو حرب مفتوحة على كل الاحتمالات.