جدد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، تأكيده أن قرار ضم الضفة الغربية قرار خاص بإسرائيل، ولها الحق كاملاً في اتخاذه بالآلية والتوقيت الذي تراه مناسباً لها.
تصريحات بومبيو، الذي اختتم زيارة عاجلة وخاطفة لإسرائيل وُصفت بالمهمة، تأتي بعد ساعات على اتفاق بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على تشكيل الحكومة الجديدة، ومن المتوقع أن تكون خطط ضم المستوطنات في الضفة الغربية، ضمن أولويات الحكومة بناء على الاتفاق المبرم بين حزبي "ليكود" "وأزرق-أبيض".
حديث بومبيو يأتي منسجماً مع تصريحات أطلقها السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، قبل أيام، بأن قرار الضم يخص إسرائيل، وأن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، في الأسابيع المقبلة.
تباين بين أمريكا وإسرائيل..
تكرار تصريحات الإدارة الأمريكية المؤيدة لمشروع الضم الإسرائيلي، لا ينفي وجود تباين واختلاف في وجهات النظر بين إسرائيل والإدارة الأمريكية فيما يخص هذا المشروع، بل إن هذه التصريحات تعكس إلى حد ما، وجود خلافات داخل إسرائيل بين المؤسسة الأمنية والسياسية، التي تجد نفسها منقسمة تجاه تطبيق قرار الضم، بين أن تأتي بشكل منعزل عما ورد في صفقة القرن، باعتبارها فرصة تاريخية لإسرائيل، والتريُّث لتطبيق الصفقة ضمن الجدول الزمني الذي حددته الإدارة الأمريكية.
محمد محسن وتد، الصحفي الفلسطيني داخل إسرائيل، قال لموقع "عربي بوست"، إن "زيارة بومبيو لإسرائيل ولقاءه مع نتنياهو وغانتس بمثابة إعطائهما الضوء الأخضر من واشنطن لإقرار الضم، وعدم تعطيله بسبب الخلافات السياسية حول تشكيل الحكومة، فعلى المستوى الإسرائيلي فإنَّ ضم غور الأردن وفرض السيادة على المستوطنات باتا محل إجماع الكتل السياسية، بغض النظر عن تحفظاتها على القرار، لكن المخاوف التي تتصاعد داخل الحكومة، خاصةً بالجيش والمؤسسة الأمنية اللذين يخشيان من تكبُّد تكاليف باهظة في حال تفجرت الأوضاع الفلسطينية، وأدت إلى حالة عدم استقرار أمني".
وأضاف أن "إسرائيل لا تُخفي قلقها من تغيُّر الموقف الأمريكي في حال أقرت قانون الضم، بشكل منعزل عما جاء في صفقة القرن بالكامل، تحديداً في حال تأخرت الإدارة الأمريكية في الاعتراف بضم المستوطنات، مما يعني أن تكون إسرائيل وحدها في مواجهة مباشرة مع الأطراف الرافضة للضم، خاصةً الأردن والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي".
سيادة على الضفة الغربية من جانب واحد
صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت قبل أيام، أن غاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس ترامب، طالب نتنياهو بعدم المسارعة بفرض السيادة على الضفة الغربية من جانب واحد، وأكدت أن زعيم "أزرق-أبيض"، بيني غانتسـ يخشى أنَّ ضم غور الأردن قد يؤثر على علاقات السلام مع المملكة الأردنية.
يتوافق هذا التباين في وجهات النظر بين المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل تجاه مشروع الضم، لاسيما المواقف الصادرة عن جنرالات الأجهزة الأمنية، خاصةً رئيس الموساد الأسبق أفرايم هاليفي، مع اختلاف مشابه في مواقف الإدارة الأمريكية بين الدعم والتحفظ، لقرار الضم المتسرع للمستوطنات في الضفة الغربية.
الوزير وليد عساف، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، قال لموقع "عربي بوست"، إن "الإدارة الأمريكية تحاول أن تظهر بموقف الدولة التي تقف على الحياد، وهي تحاول منح الفلسطينيين فرصة لإعادة النظر في رفض الصفقة، لكن على الأرض ما نزال نرصد نشاطاً استيطانياً هو الأضخم في تاريخ إسرائيل بالمناطق المصنفة (ج) منذ بدء أزمة كورونا، حيث زاد معدل بناء المستوطنات خلف الجدار بـ600% خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من 2019".
وأضاف عساف: "منذ بداية مارس/آذار، بدأت إسرائيل في البناء بـ30 بؤرة استيطانية جديدة، في مناطق لم تكن مشمولة بالحزام الاستيطاني الموجود في الضفة الغربية، وهذا يعني أنها بدأت تطبيق ما جاء في صفقة القرن، دون أن تنتظر إقراراً وتصديقاً من الكنيست والحكومة الجديدة".
استغلال كورونا لتنفيذ بنود صفقة القرن
في ظل ترقُّب الفلسطينيين لقرار الضم الذي سيبدأ من خلال مداولات الكنيست بدءاً من الشهر القادم، بدأت إسرائيل على الأرض بفرض واقع جديد، تمثَّل بتصديق وزير الحرب الإسرائيلي، نفتالي بينت، على مصادرة أجزاء من الحرم الإبراهيمي، في حين رفضت السلطة هذا الإجراء، متهمةً إسرائيل باستغلال أزمة كورونا لتطبيق ما جاء في صفقة القرن.
لكن الفلسطينيين قد يرون أن دخول الاتحاد الأوروبي على خط الدول الرافضة لقرار الضم، هو الدافع إلى تراجع الحماسة الأمريكية في دعم إسرائيل بهذا الملف، حيث جدد الاتحاد الأوروبي رفضه لأي قرار أحادي الجانب تتخذه إسرائيل بضم أراضي الضفة الغربية، كما هدد بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل في حال خالفت القانون الدولي.
عصمت منصور، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، قال لموقع "عربي بوست"، إن "حديث الإدارة الأمريكية عن مشروع الضم قد يندرج في إطار إرسال رسائل إلى السلطة الفلسطينية، لإدخالها في الصفقة، أو الدخول بمفاوضات التسوية مع إسرائيل، لأن الرئيس دونالد ترامب يسعى لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ لرفع رصيده السياسي داخل الحزب الجمهوري واللوبي الصهيوني في أمريكا".
وأضاف: "هنالك مؤشرات أولية تشير إلى أن بومبيو عرض على نتنياهو وغانتس التدرج في قانون الضم، وتقسيمه إلى عدة مراحل، تبدأ ببسط القانون الإسرائيلي على المستوطنات وغور الأردن، يليها إقرار قانون الضم بالكنيست، في حال كانت الظروف السياسية بالمنطقة لصالح إسرائيل، وهذا الخيار يأخذ في الحسبان إزالة فتيل الاشتعال الذي قد يحدث في الضفة الغربية، ويخفف عن الأردن الضغوط التي يتعرض لها بسبب رفضه للصفقة".
إجمالاً.. فإن الخلاف الإسرائيلي-الأمريكي لا يتمثل بقبول أو رفض مشروع الضم؛ بل إن الخلاف القائم هو حول طريقة التنفيذ، فإسرائيل تريد ضماً للمستوطنات المنتشرة بالضفة الغربية، مستغلةً وجود ترامب في نهاية فترته الرئاسية حتى نهاية العام الجاري، أما الإدارة الأمريكية فترغب في تطبيق ما جاء بالصفقة، وفقاً للجدول الزمني الذي حددته.
ومن الواضح أن التباين في المواقف السياسية والأمنية، الأمريكية والإسرائيلية تجاه مشروع الضم، لا يأتي إشفاقاً على الفلسطينيين، أو حفاظاً على أراضيهم، لكن الأوساط الأمنية في الجانبين تخشى من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، أو انهيار السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى زعزعة الاستقرار بالأردن، في حين ترى المحافل السياسية فيهما أنه يجب استغلال هذه اللحظة التاريخية، والمضي قدماً في مشروع الضم، رغم ما يكتنفه من مخاطر سياسية وأمنية وعسكرية!