يبدو أن الصراع بين حزب الله اللبناني وبين حاكم المصرف المركزي المدعوم من قوى المعارضة لن يتوقف، بل بدأ يتحول إلى عملية "تكسير عظام" من قبل حزب الله من أجل الإطاحة بالرجل.
طوال سنوات كان حزب الله يقوم بعمليات تهريب للبضائع من لبنان باتجاه سوريا، لكن في الآونة الأخيرة، قام بمضاعفة كميات المواد المهربة رغم حاجة السوق اللبناني لها، والسبب: الضغط على الحكومة للإطاحة بحاكم المصرف المركزي.
حزب الله والضغط على حاكم مصرف لبنان
ويشرف حزب الله على عملية التهريب عبر كارتيلات المازوت والطحين المرتبطة به بشكل مباشر وتغذي ميزانيته، ويتم نقلها إلى سوريا دون رقابة على الحدود، لأن الحزب – بحسب مصدر أمني رفض ذكر اسمه – يفرض سيطرته على الحدود اللبنانية بحجة ممرات الصواريخ والأسلحة القادمة، وعلى المعابر مع سوريا والتي تحولت مؤخراً لمعابر مرور البضائع المهربة للداخل السوري.
وبحسب عدة مصادر اقتصادية محلية تحدثت مع "عربي بوست"، يعتبر حزب الله مسؤولاً مباشراً عن استنزاف السوق اللبناني وحرمانه تدريجياً مما تبقى من مدخرات بالعملة الصعبة، نتيجة لاضطرار المصرف المركزي تمويل الشركات الملتزمة مع الحكومة بشراء الوقود والطحين من خلال دعم المصرف لـ85% من عملية الشراء بالعملة الصعبة.
وبجانب إنعاش السوق السوري، تتم عمليات التهريب هذه تتم لهدف أساسي آخر، يتعلق بالضغط على الحكومة من أجل إقالة رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان.
إذ سيتحمل سلامة مسؤولية عدم القدرة على الحفاظ على مدخرات واحتياطات العملة الصعبة، لاضطرار المصرف تلبية السوق اللبناني بشراء كميات أكبر من السلع التي يتم تهريبها لسوريا.
ويعتبر أستاذ الاقتصاد سامر الحجار في حديثه لـ"عربي بوست" أن ازدياد عمليات التهريب في الآونة الأخيرة يأتي في إطار عمليات الاستنزاف التي يشنها حزب الله على مدخرات الدولار في المصرف المركزي في إطار حربه المستمرة مع حاكم المصرف، والذي يحمله الحزب مسؤولية ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
خسائر بالملايين
وتتحدث مصادر مطلعة لـ "عربي بوست" عن تقارير تقدم للحكومة حول عمليات التهريب والتي توضح أن السوق اللبنانية تحتاج يومياً لنحو 7 ملايين لتر من المازوت بشكل عام، يُهرّب منها أكثر من 3 ملايين ليتر إلى سوريا بحثاً عن مزيد من الأرباح.
ويبلغ سعر صفيحة المازوت في لبنان أقل من 8000 ليرة فقط، وبإضافة تكلفة النقل والتوزيع وغيره يصل سعر الصفيحة إلى 10000 ليرة. وهو ما يجعل تهريبها وبيعها في سوريا تجارة مربحة جداً، إذ إن سعر صفيحة المازوت في سوريا لا يقل عن 22 ألف ليرة.
من هنا، تقوم بعض الشركات المحسوبة على حزب الله بتسهيل تهريبه وجني ملايين الدولارات.
ورجح بعض المراقبين أنّ عمليات التهريب إلى سوريا ستتضاعف في الفترة الممتدة إلى شهر يونيو/حزيران، وهو تاريخ بدء تطبيق "قانون قيصر" الأمريكي الذي يهدف إلى محاصرة النظام السوري مالياً واقتصادياً، وهذا يعني، إذا صحّت الأرقام، أنيكون حجم الخسارة قد زاد بنسبة 50% أي إلى نحو مليون دولار يومياً تقريباً.
في نفس السياق، أوضح سامر الحجار، أستاذ الاقتصاد، أن خسائر لبنان من تهريب المازوت والطحين إلى سوريا سنوياً أكثر من مليار و300 مليون دولار يدفعهم مصرف لبنان من العملة الأجنبية على سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة لكل دولار) في حين أن السعر الحقيقي في السوق السوداء للدولار بلغ 4400 ليرة.
هذا التهريب يتم لسد ثغرات السوق السوري الذي يعاني من شح المازوت والطحين منذ سنوات.
لا مساس بحزب الله
ورغم أن المصادر تقول إن الحل سيكون عبر رقابة مباشرة من قبل الأجهزة الأمنية المحلية على كيفية تصريف الوقود والطحين وباقي السلع التي يتم تهريبها، وإلزام الشركات بشراء كميات محددة من المازوت وغيره، إلا إنه لا أحد يمكنه الاقتراب من حزب الله.
فقد حذر المجلس الأعلى للدفاع، والذي يعتبر أعلى سلطة أمنية في لبنان، خلال اجتماعه الذي عقده في قصر الرئاسة برئاسة ميشال عون، رئيس الجمهورية، أن يتم الاقتراب من ملف المعابر بأي زاوية تثير حساسية "حزب الله"، حسب مصدر مطلع على الاجتماع تحدث لـ "عربي بوست".
وذهب المجلس إلى "التأكيد الشكلي" على تكثيف المراقبة والملاحقة وتشديد العقوبات وتطبيقها بحق المخالفين من مهربين وشركاء، ليقرر وضع خطة شاملة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية في سبيل تحقيق هذه الغاية.
وأوضح المصدر أن جميع الأجهزة العسكرية والأمنية أبدت رغبة وإرادة جدية في وقف عمليات التهريب الحاصلة بين لبنان وسوريا، لكن هذه الإرادة سرعان ما تصطدم كالعادة بمدى قابلية تحقيقها لوجستياً على الأرض في ظل تشعّب المعابر غير الشرعية وتداخل الأراضي الحدودية بين البلدين.
وإزاء هذه الإشكالية التي طرحها قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال الاجتماع، توافق المجتمعون على اعتماد آلية عمل في الداخل اللبناني يتولى فيها كل جهاز أمني القيام بدوره لتنفيذها ضمن نطاق عمله وضمن حدود صلاحياته "لتجفيف منابع ومصادر المازوت" المدعوم وقطع الطريق تالياً أمام تهريبه إلى سوريا.
وأوضحت المصادر أنه سيتم بحسب هذه الآلية إلى "مراقبة عمل الموزعين وأصحاب الصهاريج والشركات التي تتولى شراء وبيع المازوت والتدقيق بالكميات المتداولة في ما بينهم".
وكشف المصدر عن معلومات توافرت للأجهزة تفيد بأنّ كبريات الشركات تمنعت في الآونة الأخيرة عن بيع المازوت إلى تجار لبنانيين بذريعة أنها تنتظر تفريغ حمولة الباخرة، بينما هي في واقع الأمر تهدف إلى حفظ المخزون لديها من المازوت لبيعه بسعر أعلى إلى المهربين في سوريا بغية جني أرباح أعلى من تلك المتأتية عن عملية بيعه في السوق اللبناني.
التهريب وصندوق النقد الدولي
وكان حزب القوات اللبنانية هو من قام بإثارة قضية تهريب الوقود والطحين إلى سوريا، ثم ما تبعه من موقف الأمين العام للأمم المتحدة ضد عمليات التهريب. كل هذا لم يكن مسألة عابرة أو منفصلة عن كل ما يعيشه لبنان.
وبدأت التحقيقات في ملف الوقود المغشوش ومكافحة التهريب العابر للحدود تطفو على سطح الأحداث اللبنانية، بالتزامن مع التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
الحديث عن هذه القضية جاء من الحاجة والضرورة والشروط التي تمنح الخطة الاقتصادية الإصلاحية التي قدمتها الحكومة معبرها الشرعي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والذي أقرت الحكومة اللبنانية بداية التفاوض معه.
فمن بين الشروط الأساسية التي يضعها الصندوق، وهي تقع في صلب أعماله واهتماماته، ضبط حركة المعابر ووقف التهريب، بالإضافة إلى مراقبة المرفأ والمطار وعمليات الاستيراد والتصدير.
وبالتأكيد، معركة تصفية الحسابات ستظل مفتوحة بين القوى السياسية من جهة الموالية والمعارضة لحكومة حسان دياب، وبين بعض الدول التي تدعم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبين حزب الله من جهة أخرى، من خلال الضغط عليه أكثر، واتهامه بأنه هو الذي يعمل على تهريب المحروقات والمواد المدعومة إلى سوريا عبر المعابر التي يسيطر عليها.
ضبط الحدود والمعابر، والمرفأ والمطار، سيكون العنوان الأساسي كمدخل للإصلاحات التي تطالب به القوى الدولية حكومة حسان دياب، لوقف الهدر والفساد وضبط مالية الدولة المفلسة.
وهنا حتماً ستكمن المفاوضات السياسية التي ترتبط بترسيم الحدود، والتي ستكون مترابطة بين الحدود الشرقية والحدود الجنوبية. وهي إحدى الشروط الأمريكية ليتمكن لبنان من الحصول على مساعدات. الضغط سيزداد وسيتكثف لإجبار حزب الله على تقديم تنازلات في هذه الملفات الشائكة.
اتهامات مستمرة لحزب الله
ويشدد أستاذ الاقتصاد سامر الحجار أن المازوت والطحين ينقلان للمناطق التي يشرف عليها الوجود الإيراني وحزب الله ويتم تهريبهما باشراف الحزب بشكل مباشر للداخل السوري.
ويهدف الحزب بحسب الحجار لهدفين الأول مساعدة السوق السورية التي تعاني من شح كبير والثانية جني الأرباح الطائلة على حساب الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من انهيارات وإفلاس.
ويرى الحجار أن الفضيحة الكبرى كانت بتهريب الدولار إلى سوريا عقب انهيار العملة السورية، وأن السبب الرئيسي لإخفاء العملات الصعبة من السوق اللبنانية هو تهريبها كمحاولة لإنعاش الاقتصاد السوري على حساب الاقتصاد اللبناني، "وهي المعلومة التي تخفيها السلطة عن المواطن"، على حد تعبيره.
ويتساءل الحجار عن إمكانية وقف الحكومة التهريب وإغلاق المعابر غير الشرعية بعد البدء بالتفاوض مع صندوق الدولي الذي يشترط رقابة مباشرة على المعابر وعمليات التصدير ووقف التهريب.
وفي ظل العقوبات القادمة على نظام الأسد مطلع يونيو/حزيران القادم، والتي ستعتبر أي محاولات إنعاش للنظام في سوريا تحدياً للإرادة الدولية غير الراضية عن الحكومة وخطتها المالية، والتي تصمت عن التهريب لأن فريقاً لبنانياً يشارك في الحكومة مسؤول عن المعابر والتهريب.
حزب الله ليس المسؤول الوحيد
في مقابل ذلك يرفض المحلل السياسي ربيع دندشلي تحميل فريق سياسي بعينه مسؤولية تهريب البضائع إلى سوريا، ويرى أن عصابات ومافيات هي التي تستغل نفوذها السياسي للقيام بأعمال التهريب.
محطات المحروقات والموزعون، يعمد بعضهم إلى التفنّن بأساليب الاحتيال لتحقيق مكاسب مالية.
فالبعض يحتكر المازوت منذ أكثر من شهر، لا سيما في محافظة البقاع والتي تقع تحت سيطرة حزب الله، حيث ترفض غالبية المحطات بيع المواطنين كميات وافرة من المازوت.
في حين تقوم المحطات بتخزين المادة في خزاناتها، بانتظار عودة الأسعار إلى الارتفاع، لتحقيق أرباح إضافية.
أضف إلى ذلك أن الغالبية الساحقة من المحطات تبيع صفيحة المازوت بأسعار مرتفعة، تصل إلى 13 ألف ليرة للصفيحة، خلافاً لجدول الأسعار المحدّد من قبل وزارة الطاقة.
ويشدد دندشلي في حديثه لـ "عربي بوست" أن حزب الله يتحمل مسؤولية المعابر غير الشرعية بسبب نشاطه العسكري، لكنه في الوقت نفسه ليس المسؤول المباشر عن عمليات التهريب في ظل حكومة محسوبة عليه وبيئة محسوبة عليه ستتضرر من تدمير الاقتصاد المحلي.
ويرى دندشلي أن ملف التهريب مرتبط بمعظم القوى السياسية التي تستفيد من رجال الأعمال العاملين على خط التهريب، لأنها تمثل عصباً رئيساً في الحالة اللبنانية، على حساب الخزينة اللبنانية الداعم الرئيسي لاستيراد المحروقات والطحين.
ويؤكد دندشلي أن أزمة التهريب ليست وليدة اليوم، لكنها تتعاظم بسبب الواقع المنهار مالياً.
ويرى دندشلي أن ضبط الحدود ليس مسؤولية حزب الله بقدر ما هو مسؤولية الدولة اللبنانية التي لا تفرض وجودها على الحدود ولا تمنع التهريب.