طريق الحرير متوقف بسبب كورونا، فكيف تعيده الصين للعمل دون أن تُغضب مواطنيها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/05/14 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/14 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
أوقف كورونا مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية/ رويترز

يمثل مشروع طريق الحرير الجديد حجر الزاوية في استراتيجية الرئيس الصيني شي لممارسة بلاده دوراً قيادياً على الساحة الدولية، لكن جائحة كورونا جاءت بما لا تشتهي طموحات بكين وتوقفت مشاريع الطريق حول العالم، فكيف يمكن إعادتها للعمل دون التسبب في إثارة الغضب داخلياً؟

موقع DW الألماني نشر تقريراً بعنوان: "مشروعات طريق الحرير الصيني الجديد معلقة في انتظار التوازن بين التوسع الخارجي والاستقرار الداخلي"، للكاتب فرانك سيرين، مشتغل بالشؤون الصينية وخبير فيها منذ أكثر من 25 عاماً، ألقى الضوء على تداعيات التوقف التام للعمل في مواقع المشروع حول العالم.

الجائحة أوقفت المشروع

كانت جائحة فيروس كورونا بمثابة فرامل كبحت التقدم في مبادرة "الحزام والطريق" (BRI) الصينية، أو المعروفة باسم "طريق الحرير الجديد"، وهو مشروع قدَّمه الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العلن في عام 2013. المشروع عبارة عن بنية تحتية عالمية من الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ المصممة لربط التجارة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

ومع ذلك، فإن أزمة كورونا لم تبطئ الاقتصادات الغربية بدرجة ملحوظة فحسب، بل أصبحت الآن مواقع البناء الخاصة بمبادرة الحزام والطريق في حالة توقف تام أيضاً. إذ لا يمكن تسليم مواد البناء بسبب الاضطرابات التي حلّت بسلاسل التوريد، كما لا يستطيع آلاف العمال الصينيين السفر من وإلى البلدان التي تجري فيها المشروعات حالياً. نتيجة لذلك، بات من المتعذر الوفاء بالعديد من التزامات العقود الخاصة بالإنشاءات، ومن ثم سيتعين إعادة التفاوض بشأن بعضها، وقد يلزم إلغاء بعضها الآخر بسبب نقص التمويل.

إلى أي قدر يمكن مساعدة الشركاء؟

هذه النقطة الأخيرة تنطبق خاصةً على البلدان التي ليس لديها سيولة كافية للنجاة من تلك الأزمة العالمية الحالية، وهو ما يشكل معضلة لبكين، التي لا يمكنها ببساطة التخلي عن الشركاء من جهة لكنها لا تستطيع تحمل ديونها إلى الأبد أيضاً، فالصين تمر بوقت صعب بالفعل فيما يتعلق ببدء تشغيل اقتصادها وإعادة عجلاته إلى الدوران مرة أخرى.

شعار المبادرة الصينية / رويترز

في الشهر الماضي، على سبيل المثال، طلبت إسلام آباد من الصين التساهل معها فيما يتعلق بسداد القروض الباكستانية على المشروعات المشتركة، إذ تعاني باكستان ضائقةً مالية شديدة، و"الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" (CPEC)، الذي تبلغ تكلفته نحو 62 مليار دولار (58 مليار يورو) هو أحد المشروعات الرئيسية في مبادرة الحزام والطريق. كما أن عدة دول إفريقية طرقت بالفعل باب بكين، طالبةً تمديد أو تخفيض دفعات السداد الخاصة بديونها.

واحتراماً للحساسية الصينية، امتنعت معظم البلدان عن التحجج بأن جائحة فيروس كورونا نشأت في الأصل من الصين، مفضلةً بدلاً من ذلك القول إنها وجدت نفسها في هذا الوضع المالي الصعب من دون أي خطأ ارتكبته من جانبها، وذكّرت الدول الصينيين أيضاً بأن مبادرة "حزام واحد طريق واحد" قد أُدخلت في دستور البلاد عام 2017 بوصفها هدفاً وطنياً، وقد كان ذلك ولا يزال ختم الجودة لضمان موثوقية بكين والتزامها تجاه البلدان الشريكة في المبادرة.

على الجانب الآخر، يجب على بكين أن تكون حذرة أيضاً لضمان ألا تصبح التحذيرات التي يطلقها الغرب والتي تصف المشروع بأنه فخ للوقوع في الديون الصينية تحت ستار المساعدات حقيقةً واقعة.

حلول وسط، لكن لا تغييرات جوهرية

يطرح مشروع ميناء هامبانتوتا في سريلانكا، على سبيل المثال، مثالاً بارزاً على كيفية تنفيذ هذا السيناريو، ففي عام 2017، أعلنت سريلانكا أنها لم تعد قادرة على الوفاء بديونها المستحقة للصين، لتقبل بكين في هذه المرحلة مبادلة ديونها مقابل التنازل لها عن حقوق ملكية في الميناء، ووافقت على استئجار القاعدة المهمة استراتيجياً على المحيط الهندي لمدة 99 عاماً قادمة. وعلى الرغم من أن هذه الحوادث لم تتكرر فإن الأضرار التي ألحقتها بصورة المبادرة كانت فادحة.

ولهذا أبدت بكين استعداداً لتقديم تنازلات في العام الماضي، عندما أوقف رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد بناء خط سكك حديدية جديد من أجل إعادة التفاوض على شروط الاتفاقية، وفي نهاية المطاف، انتهى الأمر بماليزيا بدفع 11 مليار دولار أقل مما كان مقرراً سابقاً وبحث الدخول في مشروعات جديدة مع الصينيين.

كما تعمل الصين بجِدٍّ على إرسال إشاراتٍ واضحةً على قوتها وصمودها رغم جائحة فيروس كورونا، ففي منتصف مارس/آذار، أعلن الرئيس شي أنه لن تكون هناك "تغييرات جوهرية" فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق. والواقع أن بكين مضت قدماً بالفعل في توقيع عدد من الاتفاقيات الجديدة مع دول مثل ميانمار ونيجيريا وتركيا، منذ بداية هذا العام، وفي أواخر أبريل/نيسان، أعلنت وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" أنه قد تم للتو استكمال جزء مهم من خط السكك الحديدية عالي السرعة بطول 411 كيلومتراً بين مقاطعة يونان الصينية ولاوس.

من ناحية أخرى، توقّف بناء خط السكك الحديدية عالي السرعة بين جاكرتا وباندونغ في إندونيسيا، بسبب إجراءات الحجر الصحي. والأمور متشابهة في باكستان وسريلانكا وبنغلاديش. ومع ذلك فمن غير المرجح إلى حد كبير أن يُعلن تعليق مشروعات المبادرة أو الامتناع عن المضي فيها، فهناك ببساطة الكثير من المخاطر على بكين.

الرئيس الصيني، شي جين بينغ – رويترز

إذ يتعلق المشروع بأكثر من مجرد إبقاء صناعة الإنشاءات الضخمة في الصين قيد التشغيل، أو حتى فيما يتعلق بأسواق التصدير الجديدة، فالأهم أنه يتعلق بإنشاء شراكات سياسية طويلة المدى تتجاوز تلك التي يقدمها الغرب: إنه يتعلق بجعل غالبية دول العالم تصطف خلف الصين.

التوازن بين التوسع والاستقرار

تتضاعف قيمة المساعدة السياسية المقدمة في أوقات الأزمات، وشي يعرف ذلك، وعلى الرغم من الصعوبة التي قد تبدو عليها الأوضاع الآن فمن المرجح أن يكون لديه موقع تفاوضي أفضل من الغرب، ففي نهاية الأمر تجاوزت الصين وباء كورونا قبل أي دولة أخرى، وقد شرعت بالفعل في مرحلة التعافي الاقتصادي.

كما تتمتع البنوك الحكومية الصينية التي قدمت معظم القروض الأجنبية على مدى السنوات الـ15 الماضية، بما يكفي من النقد المتوفر لديها لتقرر ما إذا كانت ستمنح تمديدات للقروض، أو أسعار فائدة أقل، أو حتى الإعفاء من ديون على أساس كل حالة على حدة، وقد تكون أكبر مشكلة للرئيس الصيني شي هي حاجة المواطنين الصينيين أيضاً إلى المساعدة، وعدم تفهمهم في الوقت نفسه للتدفقات النقدية الضخمة إلى باكستان أو نيجيريا، إذ على الرغم من الرقابة الصارمة الصينية فإن الغضب من تطورات كهذه يمكن أن يتفاقم وينتشر بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأعصاب متوترة في الصين بعد صدمة كورونا، والآن سيكون التحدي الأكبر للرئيس الصيني شي هو إيجاد التوازن الصحيح بين التوسع الأجنبي والاستقرار المحلي.

تحميل المزيد