"الرئيس هو أكبر خطر على البلاد"، تحذير أطلقته واحدة من أشهر المجلات الطبية العالمية بشأن إدارة الرئيس البرازيلي لأزمة تفشي مرض كورونا في بلاده، بعد أن أصبحت البرازيل بؤرة تفشي كورونا الجديدة.
وقالت مجلة لانسيت الطبية البريطانية إن أكبر تهديد لقدرة البرازيل على مكافحة انتشار فيروس كورونا بنجاح ومعالجة أزمة الصحة العامة المتصاعدة هو رئيس البلاد جاير بولسونارو، والذي يوصف أحياناً بأنه صديق لترامب.
وبشكل مفاجئ، صعدت البرازيل إلى المرتبة السادسة عالمياً في عدد الوفيات جراء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، رغم تسجيل أول وفاة يوم 17 أبريل/نيسان الماضي.
وبلغ عدد الإصابات في البرازيل يوم 14 مايو/أيار الجاري 192,081 حالة، بينما بلغ عدد حالات الوفاة 13,276.
ولم تستطع كثير من مقابر البلاد استيعاب الارتفاع الكبير في عدد الجثث، وتفاوت التعامل مع حالات الوفاة بتفاوت الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الولاية أو المدينة المتضررة.
إدارة الرئيس البرازيلي لأزمة تفشي مرض كورونا كارثية
تتضاءل مهازل إدارة ترامب التي تغلب عليها الكوميديا لأزمة كورونا إلى جانب ما يفعله الرئيس البرازيلي، الذي أجاب مرة عن سؤال أحد الصحفيين حول عدد الضحايا قائلاً "لا أعرف، هل تظنني عامل مقبرة".
فتجاهل الرئيس البرازيلي لإجراءات الإغلاق ومخالفتها يثير الارتباك في جميع أنحاء البرازيل، التي أبلغت عن عدد قياسي من وفيات COVID-19، وهي تظهر بسرعة كواحدة من النقاط الساخنة للفيروس التاجي في العالم، حسب مقال افتتاحي لـ"لانسيت".
وبولسونارو، وهو قائد سابق للجيش ورئيس يميني شعبوي أكثر من ترامب، أصبح يعيق مكافحة الفيروس على نحو متزايد بسبب الأزمة السياسية التي خلقها بعد إقالة وزير الصحة لويز هنريك مانديتا مؤخراً، واستقالة وزير العدل سيرجيو مورو.
وقالت المجلة "إن التحدي سياسي في نهاية المطاف، ويتطلب مشاركة مستمرة من المجتمع البرازيلي ككل. مؤكدة أن الرئيس بحاجة إلى تغيير المسار بشكل جذري".
الرئيس يرد على مقال المجلة الطبية الشهيرة بإقامة حفل شواء جماعي
وبعد سؤاله عن تخطي عدد الضحايا المسجل ذلك العدد المسجل في الصين، نهاية الشهر الماضي، ردّ بالقول: "وماذا يعني ذلك؟ ماذا تريدون مني أن أفعل؟"، مضيفاً: "صحيح أن اسمي المسيح، لكنني لا أستطيع فعل المعجزات".
ورفض المكتب الصحفي لبولسونارو التعليق على افتتاحية لانسيت. وقال الرئيس البرازيلي إنه يخطط لاستقبال 30 صديقاً إلى القصر الرئاسي من أجل حفل شواء. في وقت لاحق من اليوم الذي طلب من مكتبه التعليق، وقال مازحاً إنه قد يوجه الدعوة إلى آلاف آخرين، بما في ذلك المؤيدون السياسيون وأعضاء الصحافة.
وأظهر تقرير من إمبريال كوليدج لندن، نُشر يوم الجمعة 8 مايو/أيار 2020، أن "الوباء لم يتم السيطرة عليه بعد، وسيستمر في النمو" في البرازيل، في تناقض صارخ مع ما يحدث في أجزاء من أوروبا وآسيا، حيث نجحت عمليات الإغلاق القسري.
وقال تقرير إمبريال كوليدج: "في حين أن الوباء البرازيلي لا يزال حديث الولادة نسبياً على المستوى الوطني، تشير نتائجنا إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات للحد من انتشار ومنع النظام الصحي الزائد".
لماذا يبدو التباعد الاجتماعي مستحيلاً في البرازيل؟
في افتتاحيتها، أشارت مجلة "لانسيت" إلى التحديات التي تواجهها البرازيل، حيث يعيش حوالي 13 مليون برازيلي في "الأحياء الفقيرة" في مدن الصفيح، حيث يكاد يكون من المستحيل اتباع توصيات النظافة الشخصية والإبعاد الجسدي.
كما أن السكان الأصليين في البلاد أيضًا يقعون تحت "تهديد شديد" حتى قبل تفشي COVID-19، بسبب غض الطرف من قبل الحكومة عن حمايتهم أو حتى تشجيع التعدين غير القانوني وقطع الأشجار في غابات الأمازون المطيرة.
وهؤلاء الحطّابون وعمال المناجم يخاطرون بإحضار COVID-19 إلى السكان البعيدين في الأمازون.
وتأخذ معظم حكومات الولايات والمقاطعات البرازيلية، البالغ عددها 27، تهديد الفيروس بمحمل الجد أكثر من بولسونارو.
فقد مددت حكومة ساو باولو، أكبر ولاية في البرازيل من حيث عدد السكان، يوم الجمعة، أوامر الحجر الإلزامي الذي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيته في 11 مايو/أيار 2020، إلى 31 مايو/أيار.
وسجلت ولاية ساو باولو -مركز الاقتصاد في البلاد- أعلى عدد وفيات وإصابات، إذ شكّلت مشاهد مئات القبور المفتوحة مسبقاً في مقبرة "فيلا فيرموسا" صدمةً للرأي العام.
وقال برونو كوفاس، عمدة ساو باولو، إن الولاية بصدد تجهيز 13 ألف قبر جديد لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الموتى، إضافة لتجهيز ثماني عربات تبريد لحفظ الجثث مؤقتاً، ريثما يتم نقلها للمقابر.
وبلغ عدد الوفيات في ساو باولو أكثر من 4000، في حين تخشى الحكومة المحلية أن يرتفع العدد إلى 10 آلاف مع نهاية الشهر الجاري، وهو ما دفعها لتمديد الحجر الصحي حتى ذلك التاريخ.
يموتون في المنازل، وحرق الجثث هو الحل الوحيد
في مناوس، عاصمة ولاية الأمازون، كان المشهد الأصعب، حيث اضطرت الحكومة المحلية لفتح مقابر جماعية، ورص التوابيت بجوار بعضها، واستخدام الجرافات لإهالة التراب على القبور تحت أنظار عائلاتهم المفجوعة.
ورغم اللجوء إلى هذا الحل، فإن عمدة المدينة أرتور فيرغيليو نيتو دعا بشكل رسمي سكان المدينة لقبول فكرة حرق جثث ضحايا كورونا، نظراً لصعوبة إيجاد حاويات مبردة لحفظ الجثث، ريثما يتم حفر قبور جديدة.
وقال إن ذلك سيُعرّض الأسر والعاملين في قطاع الصحة والدفن لخطر العدوى، خاصة في ظل وجود نقص كبير في المعدات الطبية، وانهيار النظام الصحي في المدينة التي لَطالما غابت عنها الخدمات.
انهيارات مشابهة وامتلاء لأسرّة المستشفيات وغرف الإنعاش تعيشها بعض ولايات الشمال البرازيلي، المعروفة بفقرها كولاية بارا وسيارا، حيث اضطرت 18 مدينة لإعلان الإغلاق الشامل لوقف انتشار الفيروس.
وفي هذه المناطق، ارتفعت نسبة الوفيات في البيوت أكثر من أي وقت مضى، نظراً لعدم قدرة فرق الإسعاف على الاستجابة لجميع النداءات، وآخر التقديرات التي ذكرها عمدة مناوس أن "ثلث الوفيات على الأقل تُسجل في المنزل".
بعد وفاة 10 آلاف شخص.. الرئيس يذهب لامتطاء دراجة مائية في يوم الحداد الوطني
وتصاعدت حدة الجدل بعد تخطي البرازيل 10 آلاف وفاة، ما حدا بمجلس النواب والشيوخ والمحكمة الفيدرالية العليا لإعلان الحداد العام، بينما اختار الرئيس البرازيلي في اليوم ذاته ممارسة هواية ركوب الدراجة المائية في برازيليا غير آبه، لكنه عاد في اليوم التالي وأعلن أسفه.
في الأثناء، دفع إعلان فتح القبور الجماعية في مناوس وساو باولو من قبل حكام محليين -يُصنفون معارضين للرئيس البرازيلي وسياساته- مؤيدي الرئيس للتشكيك بحقيقة الحالة الصعبة للمقابر والنظام الصحي، ونشروا فيديوهات وصوراً قالوا إنها تُظهر توابيت فارغة يقوم هؤلاء الحكام بدفنها لنشر الرعب بين السكان وتأليب الرأي العام على بولسونارو.
ونشر روبيرتو لويز الناشط المؤيد للرئيس على تويتر، الذي يضع على صورة ملفه الشخصي شعار "لا تنشروا الخوف"، فيديو لشخص يفتح تابوتاً فارغاً، وعلق قائلاً "الشرطة تكشف دفن التوابيت الفارغة، لا يوجد حدود لتصرفات الحكام والعمداء خلال الوباء"، مضيفاً "علينا التحقق من كل الوفيات بسبب كورونا".
في المقابل، أكد عدد من صفحات التحقق من الأخبار الكاذبة أن الفيديو يعود لـ2017.
وفي السياق، قالت إلياني لوبيز، وهي مسؤولة في أحد المراكز الصحية الحكومية في ساو باولو، للجزيرة نت "نحن نعمل في الخط الأمامي لمواجهة كورونا، كنا نعمل في مجال الصحة قبل الأزمة وبعدها، والحقيقة تُثبت أن عدد الوفيات أصبح أكبر بكثير، نعيش ذلك بشكل يومي".
وتضيف إلياني التي أصيبت بالفيروس خلال عملها وتعافت منه، أن "التشكيك في أعداد الوفيات وحجم انتشار كورونا في البرازيل سببه دوافع سياسية، للأسف أُقحمت السياسة في مسألة صحية خطيرة كهذه، وهو ما أدى لاستخفاف البعض أيضاً وانتشار الفيروس أكثر".
وأكدت أن انهيار النظام الصحي في بعض المدن والدفن بمقابر جماعية هو نتيجة طبيعية لارتفاع الطلب على المراكز الصحية والمقابر بشكل غير مسبوق".