باتت إسرائيل التي تمتلك قوة سيبرانية ضخمة في الشرق الأوسط تستخدم التكنولوجيا لمراقبة مواطنيها بشكل واسع خلال أزمة كورونا، حيث يمكن لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت"، الوصول إلى بيانات ومواقع الملايين من مستخدمي الهواتف المحمولة لتتبع أولئك الذين كانوا على مقربة من المرضى المؤكدين، حيث تعزو إسرائيل استخدامها لهذه الأنظمة إلى الحد من معدلات الإصابة بكورونا.
يقول الإسرائيلي هيرش كوتكوفسكي لموقع BBC البريطاني، إنه صدم، عندما وصلته رسالة من الحكومة الإسرائيلية تخبره بأنه كان بجوار شخص مصاب بكورونا، ويجب أن يحجر على نفسه. يقول هيرش، إنه أطاع الأمر الحكومي الذي جاءه في أواخر مارس/آذار، وألغى أعماله وحجر على نفسه بعيداً عن زوجته وأربعة أطفال، على الرغم من أنه لم يكن لديه أي أعراض.
وكوتكوفسكي هو واحد من آلاف الإسرائيليين الذين تم تنبيههم من خلال رسائل مماثلة خلال أزمة كورونا، حيث تم تفويض جهاز الشين بيت، لاستخدام أنظمة تجسس سرية لتتبع تحركات المواطنين.
الإسرائيليون تحت تكنولوجيا "مراقبة الإرهاب"
في مارس/آذار الماضي، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أعلن أن "الحكومة ستبدأ في استخدام الوسائل الرقمية التي كانت تستخدمها من أجل مكافحة الإرهاب، لمراقبة المشتبه بهم لتحديد من اتصلوا بحاملي فيروس كورونا.
لكن التوسع غير المسبوق في المراقبة والتتبع، دفع إسرائيليين لانتقاد الحكومة في تعقب المواطنين عبر تطبيقات هاتفية، وهو ما يعني تدخلاً أكبر للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في حياة هؤلاء الأشخاص. ويرفض إسرائيليون استخدام جهاز الشين بيت كأداة في تنفيذ الصحة العامة، معتبرين أن مهمته كانت منع "الهجمات ضد الإسرائيليين ومراقبة الفلسطينيين بشكل روتيني في الأراضي المحتلة".
يقول أريك براببينج المسؤول السابق للوحدة الإلكترونية للتجسس في جهاز الشاباك، لموقع BBC، إن تكنولوجيا "مكافحة الإرهاب" تلاحق اليوم الإسرائيليين المعرضين لـ Covid-19، بنفس النظام والأساليب التي كانت تستخدمها مع الفلسطينيين سابقاً، "فنحن يمكننا أن نعلم مكان أي شخص ومتى كان في المكان الفلاني وفي أي ساعة تحديداً".
وبحسب براببينج فإن بيانات الموقع الجغرافي للمستخدمين دقيقة بما فيه الكفاية لتتبعهم، مضيفاً أن أداة التتبع المستخدمة "حساسة جداً جداً". لكن براببينج استبعد في الوقت نفسه أن يتم تسجيل الدخول إلى الكاميرات الأمنية لتتبع المرضى، باعتبار أن ذلك مخالف للقانون.
وتعتقد الوكالة الشين بيت، أن نظامها عثر على ما يقرب من 4000 شخص ثبتت إصابتهم في إسرائيل، في حين أثيرت مخاوف بشأن ما إذا كانت هذه الأنظمة تتبع الكثير من الناس، بما في ذلك أولئك الذين يمرون ببساطة بمريض في الشارع، فيما تقول الحكومة إن حوالي 79 ألف إسرائيلي تم إرسال رسائل إليهم بناءً على بيانات أجهزة الاستخبارات.
تحذير من أخطاء وانتهاكات
من جانبها، تقول الجمعية الإسرائيلية لأطباء الصحة العامة بأن برامج التجسس تثير "احتمالات حقيقية لأخطاء مختلفة" حيث إن "الاتصال الوثيق" بين مريض ما وشخص عادي، يعني مسافة أقل من 2 متر، لأكثر من 15 دقيقة. لكن المسؤول السابق في الشاباك براببينج، يقول إن الأنظمة المستخدمة للتتبع تستطيع بالفعل قياس مدة الاتصال بين مريض كورونا وشخص آخر غير مصاب.
ويعتقد البعض الآخر أن برامج المراقبة الجماعية التي تستخدم للتعامل مع الوباء يساء استخدامها، يقول جون سكوت رايلتون، محلل الأمن السيبراني: "ما يخيف هو أن معيار استخدام هذه الأنظمة يتغير فجأة، على الأقل في الوقت الحالي". مضيفاً أن "عملاء الاستخبارات الذين كانوا سابقاً يفعلون هذه الأشياء بهدوء، أصبحوا اليوم يقولون فجأة: "انتبه، نحن نراقبك هنا".
ومنذ مارس/آذار الماضي، فرضت الشرطة في إسرائيل أوامر عزل تستند جزئياً إلى بيانات المراقبة، حيث تم إجراء أكثر من 110.000 فحص للتأكد من وجود الأشخاص في منازلهم. كما استخدمت الشرطة طائرات بدون طيار للتحقق من الحجر الصحي لبعض المصابين بالفيروس، عبر نوافذهم. في حين تقول الشرطة الإسرائيلية إن هذه الإجراءات جعلت إسرائيل في "وضع جيد نسبياً" في مواجهة الفيروس.
في السياق، تشرف لجنة تابعة للكنيست على أنظمة التجسس هذه وتصرح باستمرار استخدامه، فيما تقول وزارة الصحة الإسرائيلية إنها تواصل استخدام البيانات لتتبع المرضى. ويقول جهاز الشين بيت، إن بيانات الأفراد لن تُستخدم إلا لتوفير الإرشادات لإنقاذ الأرواح، وسيتم حذفها بعد 60 يوماً من رفع حالة طوارئ كورونا في البلاد.
أخطر شركات التجسس تعرض خدماتها أيضاً
من جانبها، تسوق إحدى أبرز الشركات الإسرائيلية المثيرة للجدل في مجال الأمن الإلكتروني ومراقبة الاتصالات، برنامجاً يمكنه رصد أماكن انتشار فيروس كورونا، من خلال جمع بيانات مستخدمي الهواتف المحمولة. وتقول مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية إنها تباشر محادثات مع حكومات حول العالم، وتزعم أن بعضها يختبر البرنامج الجديد بالفعل.
وتواجه الشركة المتخصصة في صناعة برامج المراقبة اتهامات ودعاوى قضائية من منصة واتساب، التي تقول إن الشركة الإسرائيلية استغلت المنصة لإرسال برمجيات ضارة إلى هواتف نشطاء في حقوق الإنسان وصحفيين.
كما تواجه الشركة أيضاً دعوى قضائية تزعم أنها زودت الحكومة السعودية ببرنامج يُقال إنها استخدمته للتجسس على الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قبل مقتله في قنصلية بلاده في تركيا.
لكن الشركة ردت على ذلك العام الماضي، وقالت إن منتجاتها "مرخصة بهدف إمداد الحكومات ووكالات إنفاذ القانون بالقدرة على مكافحة الإرهاب والجريمة بشكل قانوني". فيما تعمل الشركة حالياً على ترويج منتجاتها بوصفها "وسيلة للمساعدة على فهم أفضل لكيفية انتشار فيروس كورونا المستجد".
تقول الشركة إنها تستطيع "منح الحكومات القدرة على فهم الوضع الذي تواجهه واتخاذ قرارات مستنيرة حول الوباء". وتزعم الشركة المثيرة للجدل، أن موظفيها لن يطلعوا على أي بيانات يتم جمعها، لكن برامجها ستعمل بشكل أفضل إذا طلبت الحكومة من مشغلي خدمة الهواتف المحمولة لديها توفير سجلات كل مشترك داخل البلاد
ويمكن بعد ذلك تعقب من يتم التأكد من إصابتهم بالفيروس، وكذلك الأشخاص الذين قابلوهم والأماكن التي زاروها، حتى قبل ظهور الأعراض عليهم، ويتم تحديد ذلك على خريطة.
لكن خبراء مختصين يحذرون من التعامل مع هذه الشركة، ومن بينهم جون سكوت رايلتون، من مؤسسة "زيتزين لاب" المعنية بحماية الخصوصية ومقرها تورونتو بكندا، إذ يقول إن الحكومات ستبدو غبية إذا استخدمت مثل هذا النظام. وأضاف: "آخر شيء نحتاجه هو شركة سرية تدعي المساعدة في مواجهة الوباء بينما ترفض تحديد هوية عملائها".
ومنذ مدة، أجرت مؤسسة "زيتزين لاب" في كندا، فحصاً لبرنامج Pegasus – الذي أنتجته نفس الشركة الإسرائيلية – وتوصلت إلى أدلة تفيد أنه كان يُرسل بشكل سري إلى هواتف الصحفيين والمعارضين في عدة دول، من المكسيك إلى دول في الشرق الأوسط من بينها دول خليجية.
وقال رايلتون: "لقد أظهرت شركة "إن إس أو" أنها قادرة بشكل فريد على الإضرار بثقة الجمهور". وأضاف: "لا يمكنني التفكير في اسم شركة أفضل من هذه لإثارة توتر وقلق المواطنين من جهود التتبع الحكومية".
وكان هناك جدل في إسرائيل حول مشروع منفصل يمكن أن يؤدي إلى تعاون وزارة الدفاع مع الشركة لتقييم احتمالية نشر المواطنين لفيروس كورونا. واقترح وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بنيت، منح الشركة إمكانية الوصول إلى البيانات الحساسة جداً للمواطنين، والتي جمعها جهاز الأمن الإسرائيلي شين بيت. لكن مشرعين إسرائيليين هاجموا الخطة، وحذروا من أن تسليم البيانات إلى شركة خاصة يثير مخاوف خطيرة.