يبدو أن العلاقة بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر وشركة فاغنر الروسية تشوبها خلافات في الآونة الأخيرة، خصوصاً مع الهزائم المتتالية التي تلقاها حفتر في غرب ليبيا.
وتقلصت مشاركة مقاتلي فاغنر بشكل واضح في العمليات القتالية داخل ليبيا منذ لقاء الرئيس التركي بالرئيس الروسي ودعوتهما إلى وقف إطلاق النار في ليبيا بداية العام الجاري.
وكان تقرير للأمم المتحدة كشف عن مشاركة عناصر روسية في معاونة خليفة حفتر بالدعم الفني، والانخراط المباشر في العمليات القتالية وحملات معقدة على الشبكات الاجتماعية. ورغم ذلك، أشار التقرير إلى توتر في العلاقات بين حفتر وفاغنر، حيث قيّد تحركات فاغنر والمعلومات المتاحة لها وأبعدها عن اتخاذ القرارات.
واستطاع "عربي بوست" التوصل إلى تفاصيل حول طبيعة الخلافات التي تلفّ العلاقة بين حفتر وشركة فاغنر الروسية.
تفاصيل الخلافات بين حفتر وفاغنر
كشف مصدر عسكري تابع لخليفة حفتر عن وجود خلافات مالية وعسكرية بين حفتر ومجموعة شركة فاغنر الروسية.
المصدر قال لـ"عربي بوست" إن حفتر مدين لشركة فاغنر بأكثر من 150 مليون دولار منذ انتهاء عقدها أواخر العام الماضي، موضحاً أن سبب تأخر الدفع لم يكن لنقص الأموال بل لعدم تنفيذ بنود العقد الموقع بين فاغنر والقيادة العامة.
وأوضح المصدر أن عمل مقاتلي فاغنر اختصر الآن على تقديم الدعم الفني والتدريب وإصلاح المركبات العسكرية، والمشاركة في العمليات المحدودة كالعمل على قاذفات المدفعية الموجهة والقناصين، وتقديم المشورة بشأن مواجهة المراقبة الإلكترونية، إذ يمتلك مقاتلو فاغنر أجهزة تشويش ورصد متطورة لا يمتلكها مقاتلو خليفة حفتر.
يأتي هذا بعد انسحاب مقاتلي فاغنر من محاور القتال الرئيسية حول العاصمة طرابلس في يناير/كانون الثاني 2020، بعد نفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجود مقاتلين روس بشكل رسمي في ليبيا.
وساهم انسحاب أكثر من 500 فرد من مرتزقة فاغنر في تراجع قوات حفتر بشكل واضح عن القتال في محاور طرابلس.
قلة كفاءة المقاتلين الجُدد
وبحسب المصادر، توجد خلافات ميدانية بين قادة ميليشيات حفتر ومقاتلي فاغنر خصوصاً بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الجيش الوطني التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، ضد ميليشيات حفتر، التي خسر فيها الأخير أماكن استراتيجية غرب ليبيا دون مشاركة فاغنر في صد تلك الهجمات.
وأوضح المصدر أن فاغنر اعتمدت في الآونة الأخيرة على جلب مقاتلين غير محترفين من سوريا وبيلاروسيا وصربيا. هذا الأمر جاء بعد الاتفاق التركي الروسي ونفي بوتين وجود مقاتلين روس، وهو ما بدا خياراً بديلاً من الشركة لاستمرار دعم حفتر.
لكن القادة الميدانيين التابعين لحفتر يشتكون من قلة كفاءة هؤلاء المقاتلين، وهو ما انعكس على الأرض في الهزائم الأخيرة التي تكبدتها قواتهم.
كذلك اشتكى القادة الميدانيون من تراجع الدعم الذي كانت تقدمه هذه القوات، وعدم استخدام التكنولوجيا ضد الطائرات المسيرة التابعة لحكومة الوفاق، وهو ما يسمح للأخيرة بتسيد سماء المعركة.
التوزيع الحالي لمرتزقة فاغنر في ليبيا
وأضاف المصدر أن نخبة من مقاتلي فاغنر تقدر بأكثر من 100 مقاتل روسي بينهم قناصون وتخصصات قتالية أخرى موجدون الآن في غرفة العمليات العسكرية بمدينة ترهونة ومنطقة قصر بن غشير، شاركوا في عمليات غرب مدينة طرابلس.
وأكد المصدر تمركز مجموعات أخرى من فاغنر في مينائي طبرق ودرنة، تقوم بمساعدة حفتر في إمداده بالمدفعية والطائرات بدون طيار، إضافة إلى الدعم اللوجستي.
الإعلام الروسي يكشف أعداد قتلى المرتزقة الروس في ليبيا
ورغم نفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2020 مشاركة مجموعة فاغنر في دعم حفتر في القتال الدائر في ليبيا، غير أن صحيفة ميدوزا الروسية، أكدت أن روسيا تقدم دعماً كبيراً لخليفة حفتر رغم عدم مشاركتها رسمياً في الحرب، وذلك مقابل الوعود بعقود النفط والسكك الحديدية والطرق السريعة وعدم السماح بتمرير قرار في مجلس الأمن.
وخلال تحقيق للصحيفة مع 4 مرتزقة وشخص مقرب من شركة فاغنر التي تجلب المرتزقة لحفتر، قالوا إن أعداد القتلى الروس في ليبيا قد يصل إلى 35 شخصاً وتعود أصولهم إلى إقليم كراسنودار ومقاطعتي سفيردلوفسك ومورمانسك.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذوي المقاتلين لم يتلقوا أي خطابات رسمية من وزارة الدفاع الروسية أو أي جهات أخرى ولا أي معلومات من شركة فاغنر والذين يتولون في أغلب الأحيان إيصال شهادات الوفاة والأوسمة لذوي القتلى.
وكشف أحد المرتزقة المشاركين بالقتال الدائر جنوب طرابلس للصحيفة أن وضع المرتزقة الروس في الأراضي التي تحت سيطرة قوات حفتر صعباً للغاية، معلقاً "ليبيا ليست سوريا".
وأضاف المرتزق أنهم تركوا وحدهم من دون أي مساعدة من وزارة الدفاع الروسية كما حدث بسوريا، كاشفاً عن خلافات مع قوات حفتر.
ويرى مراقبون أن روسيا لن تتدخل رسمياً في ليبيا، لعدم المخاطرة بمصالحها مع شركائها الاستراتيجيين كتركيا التي تدعم حكومة الوفاق في الوقت الذي تتدخل فيه روسيا لصالح خليفة حفتر، رغم علاقاتها مع كلا طرفي الصراع في ليبيا.
علاقة محتملة بين روس اعتقلوا في طرابلس ومجموعة فاغنر
لم يكن التواجد الروسي الداعم لحفتر جديداً، فقد اتهم فيما سبق وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق -معترف بها دولياً- فتحي باشاغا، مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية التي تقاتل في صفوف ميليشيات خليفة حفتر، باستخدام غاز الأعصاب المحظور دولياً ضد القوات الحكومية جنوبي العاصمة طرابلس.
اتهام سبقه تصريح لباشاغا نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" كشف فيه عن علاقة محتملة، بين المواطنين الروس الذين اعتُقلوا في طرابلس خلال يوليو/تموز 2019، بتُهمة التجسس، ومجموعة فاغنر الروسية.
وقال باشاغا إن المواطنين الروس اعتقلوا للاشتباه في محاولتهم التأثير على الانتخابات البلدية المقررة حينها، وجمع معلومات لصالح قوات حفتر، مؤكداً اعتراف المُعتقلين الروس بما نسب إليهم من تهم.
وتحدثت الصحيفة نقلاً عن مسؤول غربي، رفض الكشف عن اسمه، عن ضغط روسي على حفتر من أجل التدخل لتحرير الرجلين، اللذين قال المسؤول إنهما "جزء من جهد أوسع" لموسكو لتأكيد نفوذها في ليبيا.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أقرت باعتقال اثنين من مواطنيها في طرابلس خلال يوليو/تموز 2019، وقالت إنهما تورّطا في محاولة الترتيب لعقد اجتماع مع سيف القذافي، المطلوب للعدالة الدولية، فيما وجّه وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا اتهامات لروسيا، بمحاولة إعادة رموز النظام السابق إلى الواجهة، وتمكينهم من تولي الحكم في البلاد.