بينما العالم منشغل بمواجهة جائحة كورونا، فإن الصراع الإسرائيلي الإيراني مستمر في ظل خطر كورونا، بل إن الطرفين لجآ إلى أساليب غير مسبوقة تشير إلى تطور خطير في الحرب الباردة بينهما.
فرغم أزمة كورونا استمرت إيران في احتلال الأولوية بالأجندة الإسرائيلية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haartez الإسرائيلية.
واشتدت مخاوف إسرائيلية من محاولات إيران لتخفيف العقوبات الاقتصادية الواقعة عليها، في ضوء الأزمة الإغاثية الكبرى التي تسبب فيها فيروس كورونا في البلاد.
نتيجةً لذلك، زادت التوترات الإيرانية الإسرائيلية حدة خلف كواليس الساحة الدولية، إضافةً إلى المواجهة المفتوحة في سوريا التي عادت إلى صدارة عناوين الأخبار بعد ضربة جوية بالقرب من حلب منسوبة إلى القوات الجوية والإسرائيلية.
ولكن بينما تمثل سوريا الساحة الأكثر سخونة الصراع الإسرائيلي الإيراني، فإن جبهات هادئة ولكنها أكثر خطورة قائمة بين الطرفين، كما أن هذه الجبهات باتت تشهد استخدام أدوات غير عسكرية لكنها قد تكون أسوأ من السلاح وهي أدوات بعضها يمكن أن يوصف بـ"القذر".
هجمات على أنظمة المياه والصرف الإسرائيلية
تُشير التقارير إلى أن إيران استعملت خوادم أمريكية في هجمات سيبرانية على أنظمة المياه والصرف الإسرائيلية، وأن مخترقين إيرانيين هاجموا في الوقت نفسه شركة أمريكية تطور لقاحاً لفيروس كورونا.
فقد ذكرت تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن مرافق المياه الإسرائيلية تعرضت لهجمات إلكترونية، لكن لم تدل السلطات الإسرائيلية ببيان حول الأمر.
بينما قال مسؤول في وزارة الطاقة الأمريكية إنه لم يتضح ما إذا كان الهجوم ناجحاً أم لا، ولم يذكر تفاصيل عن الهجوم.
لكنه استدرك قائلاً: "إن واشنطن لديها القدرة على حماية نفسها وحلفائها من الهجمات".
محاصرة حزب الله خارج لبنان
شملت الحملة الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران حظر جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية، وبالأخص جناحها السياسي.
وكانت النتيجة إعلان الداخلية الألمانية مؤخراً حظر حزب الله اللبناني وصنفته منظمة إرهابية، ونفذت عدة مداهمات ضد مشتبه بكونهم أعضاءً في الحزب بمناطق متفرقة من البلاد. وكانت برلين تدافع لسنوات عن سياستها بالتمييز بين الجناح السياسي للحزب وجناحه العسكري، قائلة إن ذلك سيضر بالعلاقات مع بيروت وحكومتها، مشيرة إلى أن للحزب دوراً اجتماعياً في لبنان.
وبهذا القرار تلتحق ألمانيا بكل من هولندا وبريطانيا وكندا بحظر حزب الله بصفة شاملة على أراضيها، وهو ما كانت تدعو الولايات المتحدة وإسرائيل برلين لإقراره.
إسرائيل تحاول خنق إيران بحبل كورونا
تركز الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية ضد إيران على تنفيذ حملة ضغطٍ في أنحاء العالم وفي المؤسسات الدولية ضد أي تخفيفٍ للعقوبات كلفتة إنسانية في ظل أزمة كورونا.
الرسالة الأساسية التي توصلها إسرائيل عبر هذه القنوات هي الحاجة إلى الإبقاء على سياسة أقصى مستويات الضغط على إيران في خضم أزمة فيروس كورونا. وفي حالة تقديم أي مساعدات إنسانية لإيران يجب ضمان استعمالها بالفعل في التعامل مع الجائحة.
وتحتل إيران مركزاً عالمياً متقدماً من حيث عدد الوفيات بالفيروس، إذ يزيد إجمالي عدد الوفيات المُعلن رسمياً، اعتباراً من الخميس 7 مايو/أيار، على 6400 وفاة من بين أكثر من 100 ألف حالة مؤكدة. وتظن أجهزة استخباراتية غربية، من بينها الموساد الإسرائيلي، أن العدد يفوق ذلك بكثير، وتُرجِع الفارق بين عدد الوفيات الرسمي والمعلن إلى أخطاء في حساب الأعداد وأيضاً إلى التستُّر المتعمد.
كما أن الضرر الاقتصادي الواقع على إيران بسبب الجائحة كبير. فالاقتصاد الإيراني كان يقف بالفعل على أرضٍ مهتزة، نتيجة للعقوباتٍ الأمريكية وانخفاض أسعار النفط. لكن حين ضرب الجائحة إيران، تأثرت بشدة تلك القطاعات التي كانت قد نجحت في البقاء في ظل تلك الظروف.
وقد انتشرت الجائحة في إيران مع احتفال البلد بمطلع العام الفارسي الجديد، أو يوم النوروز، وقد تضرر الكثير من الأعمال التجارية بفعل الحظر الذي فرضته إيران في تلك العطلة.
مُطالبات إيرانية بتخفيف العقوبات
تأثرت إيران بإغلاق الحدود بهدف الحد من انتشار الفيروس، وتأثرت معها اقتصادات دولٍ عديدة أخرى. لكن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن إيران تضررت أكثر بسبب إغلاق قنوات التهريب السرية المصممة للالتفاف على العقوبات.
ومع أن النظام الإيراني أعلن توفير مجموعة من الإعانات للمواطنين، يبدو أن أعداد العاطلين عن العمل والمُشهرين أفلاسهم تتضاعف باستمرار.
نتيجة لذلك، تضغط إيران بشدة في سبيل رفع العقوبات لأسباب إنسانية. وتصف إسرائيل الجهود الإيرانية بأنها "حملة دبلوماسية شرسة" لها هدفان: الحصول على الأرصدة الإيرانية المجمدة والمساعدات الدولية، وتقويض شرعية العقوبات من الأصل.
وتعمل إيران في الأشهر الأخيرة في الأمم المتحدة، خاصةً عن طريق روسيا والصين، على تقديم مقترحات إعلانات وقراراتٍ تُعارض فرض العقوبات، لكنَّها لم تكلل بنجاحٍ يُذكر بسبب معارضة الولايات المتحدة.
حملة دبلوماسية مضادة.. هكذا أوقفت إسرائيل فك أرصدة طهران المالية
تضغط إيران في ظل الجائحة على عددٍ من الدول لتفك أصولها المجمدة فيها نتيجةً للعقوبات الدولية.
لكن الدبلوماسيين الإسرائيليين في تلك الدول يبعثون للحكومات برسالة أن إيران تستغل أزمة الفيروس في رفع العقوبات المفروضة عليها. ويدفع الدبلوماسيون بأن هذه الأرصدة ينبغي استخدامها فقط في شراء المعدات الإغاثية، وتحت إشرافٍ دولي.
وقد راقبت إسرائيل عن كثب محاولات إيران رفع الحظر عن أرصدتها في لوكسمبورغ. وبدا أن الجهود الإسرائيلية نجحت مبدئياً في إيقاف تحويل الأرصدة، غير أن إيران نجحت في استئناف القرار.
وقد طلبت إيران أيضاً مساعدة من عددٍ من المؤسسات المالية الدولية. إذ طلبت اقتراض 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و200 مليون دولار من البنك الدولي. ومنعت الولايات المتحدة النظر في طلب صندوق النقد، بينما قلصت قرض البنك الدولي إلى 50 مليون دولار، يقتصر استخدامها على شراء المعدات الطبية والأدوية.
وتستمر إدارة ترامب وبومبيو، إلى جانب إسرائيل، في تزعم موقفٍ عدائي من إيران في خضم الجائحة، غير أن الاتحاد الأوروبي وافق بالفعل على مساعدات إغاثية لإيران بقيمة 20 مليون يورو (21.6 مليون دولار)، وسددت دفعة أولى من المساعدة باستعمال INSTEX، الآلية الأوروبية لتجاوز العقوبات الأمريكية.
حكومة نتنياهو في مواجهة بايدن
ويُنادي المزيد والمزيد من الديمقراطيين في الولايات المتحدة بتوفير المُساعدات للمواطنين الإيرانيين في ظل هذه الظروف الصعبة، ويدعم المرشح الرئاسي المحتمل عن الحزب الديمقراطي، جو بايدن، عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية، في خلافٍ يضع حكومة نتنياهو مجدداً في مواجهة مباشرة مع الحزب الديمقراطي، ويجعل من مصلحة الحكومة الإسرائيلية الواضحة ضمان إعادة انتخاب ترامب. ولطالما سعت إسرائيل في الماضي إلى تعزيز الدعم للحكومة من الحزبين الأمريكيين الرئيسيين، باعتباره من أصولها الإستراتيجية.
وعلى إثر انتقادات داخلية في الولايات المتحدة قال بومبيو إن بلاده لا تُعارض الدعم الإغاثي المباشر لإيران، الذي تسمح به شروط العقوبات بالفعل، لكنها تعارض فك تجميد الأرصدة بما قد يقلل من الضغوط الواقعة على النظام الإيراني. وردت إيران بأنها ليست مهتمة بالدعم الأمريكي.
هل تسبب العقوبات في أزمة إنسانية لإيران في ظل الجائحة؟
تحاول إسرائيل الترويج إلى أن العقوبات لا تسبب أضراراً إنسانية للشعب الإيراني من أجل إقناع الرأي العام الغربي، ولاسيما الأمريكي بالإبقاء عليها.
وفي هذا الإطار، يقول د. راس زيمت، الزميل الباحث والمتخصص في الشأن الإيراني بمعهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب: "إن إيران تستعمل الأزمة بكل تأكيد لتخفيف العقوبات عليها، لكن السؤال هو ما إذا كانت العقوبات ستتسبب في أزمة إنسانية. والإجابة ليست مباشرة، فلا شك أن إيران تواجه صعوبات في الحصول على المعدات الطبية -مع أنها معفاة من العقوبات- لأن البنوك والشركات تصعب المهمة على إيران خوفاً من إثارة غضب الأمريكيين.
ولا شك أيضاً أن الأزمة الاقتصادية، الناتجة مباشرة عن العقوبات أيضاً، تزيد من الأثر الحاد على النظام الطبي في إيران. ومن ناحية أخرى، يصح القول إن الإيرانيين ينتهجون سلوكاً مختلفاً قد يمكنهم من التغلب على مشاكلهم، حتى مع استمرار العقوبات"، حسب قول الخبير الإسرائيلي.
حقيقة المزاعم الإسرائيلية بانسحاب إيران من سوريا
وبالإضافة إلى جهودها لمنع تخفيف العقوبات، تستمر إسرائيل أيضاً في مهمتها الدبلوماسية لعرقلة التوغل الإيراني في سوريا وعمليات نقل الأسلحة.
وفي حين سارع مسؤولون كبار بقوات الدفاع الإسرائيلية إلى إذاعة أنباء انسحاب إيراني من سوريا
قالت مصادر إسرائيلية إن الأنشطة الإسرائيلية المضادة لإيران في سوريا ما زالت تجري "على قدمٍ وساق" أثناء الجائحة.
ويتناقض هذا مع تصريحات مصادر وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تتباهى بانسحاب الإيرانيين.
الملف النووي هم تل أبيب الأكبر
وتتواصل جهود تل أبيب ضد اختراق إيران للاتفاقية النووية الدولية، وفقاً لما صرح به دبلوماسيون إسرائيليون رفيعون لصحيفة Haartez في الأسابيع الماضية.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنه لم يتم رصد أي توقف أو إبطاء أو تغير في عزم إيران على امتلاك قدراتٍ نووية.
وما تظن إسرائيل أنه قد توقف فعلاً بسبب الجائحة هو الآلية الأوروبية لحل النزاعات التي استهدفت الحفاظ على الاتفاقية النووية مع إيران.
المعركة الأخطر في الصراع الإسرائيلي الإيراني
المعركة الرئيسية في الصراع الإسرائيلي الإيراني هي تلك المتعلقة بتمديد حظر تصدير الأسلحة لإيران قبل موعد انتهائه في أكتوبر/تشرين الأول.
وتضمن اتفاق إيران مع القوى العالمية أن تقبل بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول. وتقول الولايات المتحدة، التي خرجت من الصفقة في 2018، إنها تريد تمديد الحظر.
تتجه الأنظار الآن إلى حملة دبلوماسية رئيسية مرتقبة في أكتوبر/تشرين الأول القادم، الموعد المقرر لرفع حظر التسليح الدولي المفروض على إيران من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما سيمكن إيران من شراء أسلحة تقليدية متقدمة من روسيا والصين.
وقد تبادلت إيران والولايات المتحدة التهديدات بهذا الصدد، لكن تنتشر مخاوف في إسرائيل من أن التركيز العالمي على فيروس كورونا سيؤذي قدرتها على لفت الانتباه إلى إيران. وهناك مخاوف أيضاً من أن الولايات المتحدة لن يمكنها المشاركة في إعادة فرض حظر التسليح على إيران بما أنها قد انسحبت من الاتفاقية كلها.
ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى إسرائيل بعد غد الأربعاء 13 مايو/أيار، ليُناقش مسألة إيران من بين قضايا أخرى مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبيني غانتس الذي سيحل محل نتنياهو لاحقاً في رئاسة الحكومة وفقاً لشروط صفقة تحالفهما.
ومن المتوقع أن يكون موضوع حظر الأسلحة التقليدية من القضايا الرئيسية التي تكون محوراً للنقاش بين الطرفين.
وقد أدت هذه المسألة إلى خروج تصريح نادر من الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يوصف بالمعتدل تجاه الولايات المتحدة.
إذ هدد روحاني مؤخراً "برد ساحق" إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في خطط تمديد حظر على التجارة الايرانية بالأسلحة التقليدية التي يفترض أن ترفعها الأمم المتحدة في وقت لاحق هذا العام.