دعت قيادات طبية إلى فرض حظر كامل في مصر مع تزايد عدد الإصابات من فيروس كورونا في الأيام الأخيرة، في موقف مناقض للتوجهات الحكومية لتخفيف الإجراءات الاحترازية، والمضي قدماً نحو عودة الحياة الطبيعية بعد عيد الفطر.
وكان لافتاً أن هذه الدعوات جاءت من قبل أعلى سلطة طبية غير حكومية في مصر وهي نقيب الأطباء ونقيبة أطباء القاهرة.
إذ تقدم نقيب الأطباء حسين خيري مع نقيبة أطباء القاهرة، شيرين غالب، بطلب إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ومجلس النواب، لفرض حظر شامل لمدة أسبوعين بسبب استهتار المواطنين فى التعامل مع فيروس كورونا.
حظر كامل في مصر خوفاً مما سيحدث في العيد
ودعا نقيب أطباء مصر، حسين خيري، في الخطاب الذي يعود تاريخه إلى 4 مايو/أيار الماضي، ولكن نشر مؤخراً، مجلس الوزراء، إلى تطبيق الحظر الشامل حتى نهاية شهر رمضان لكسر ذروة انتشار الفيروس، قائلاً: "بالطبع لديكم (الحكومة) منظور أکثر شمولاً، واعتبارات أخرى كثيرة، قد تكون غير واضحة لنا، ونعلم أن موضوع الحظر الجزئي بالشكل المطبق في الوقت الراهن قد أخذ مشاورات كثيرة للوصول إلى شكله الحالي".
وقال: "كما في الحروب تدور حول سياسة (Hit and Run)، بمعنى أن يتم توجيه ضربة سريعة قاضية مرة واحدة للفيروس، مع سرعة العودة كل لمكانه"، متابعاً "نرجو اتخاذ ما ترونه مناسباً بشأن تطبيق الحظر الشامل لمدة أسبوعين، أو ما تبقى من أيام في شهر رمضان، بحيث يلتزم جميع المواطنين بالحظر الكلي، آخذين في الاعتبار أن الشهر الكريم أقل إنتاجية بطبيعة الحال، ويمثل فترة عدم عمل بالنسبة لعمال اليومية".
وقال "خيري" في حوار مع موقع "مصراوي" حول مقترحه إن هذه الفترة تمثل فترة عدم عمل متواصل لعمال اليومية، وأقل إنتاجية، وبالتالي نتوقع أن يؤدي الحظر الكامل إلى انحسار الوباء خلال فترة قصيرة، ومنع انتشاره بالنظر إلى زيادة أعداد الإصابات مؤخراً.
كيف يمكن توفير الطعام للمصريين إذا تم فرض حظر كامل؟
وقالت نقيبة أطباء القاهرة في حديث لصحيفة "الشروق" نشر أمس السبت 9 مايو/آيار 2020 إن هناك تزايداً مستمراً في أعداد المصابين بالفيروس اليومين الماضيين، ومتوقع زيادة الأعداد الفترة المقبلة خاصة مع قرب عيد الفطر المبارك وإقبال المواطنين على شراء ملابس العيد والتجمعات بشكل كبير.
وأشارت إلى أن الوقت الحالي يعتبر الفرصة الأخيرة لإتمام عملية الغلق الكامل وتقليل انتشار العدوى، بسبب قلة الإنتاج عامة نهاية شهر رمضان، وتوقف معظم العمالة اليومية عن العمل وسفرها لبلادهم استعداداً للعيد، مؤكدة أن توزيع الزكاة في رمضان وعمل الجمعيات الأهلية سيفيد الفقراء في تأمين حصولهم على الطعام "ومفيش حد هيجوع في رمضان"، على حد تعبيرها.
وذكرت أن تنفيذ الحظر الشامل سيعطي الأطقم الطبية والمستشفيات فرصة لالتقاط أنفاسها والراحة لمدة أسبوعين، مشيرة إلى تزايد إصابات الأعداد في الفريق الطبي، وخطورة ذلك على الوضع الصحي.
ولفتت إلى أن عملية الغلق لن تؤثر على الاقتصاد قدر تأثير انتشار المرض الذي سيكلف خزانة الدولة أموالاً كثيرة فى علاج الإصابات الجديدة، وأن نقابة الأطباء لم تتلق رداً على خطابها حتى الآن.
الحكومة تتجاهل الرد، ولكنها تترك الإعلام يبرز الدعوات
وجاءت هذه الدعوات مخالفة لتوجهات أظهرتها الدولة بتخفيف الإجراءات الاحترازية، بدءاً من تقليل مدة حظر التجول اليومية بمقدار ساعة ليبدأ من الساعة التاسعة بدلاً من الثامنة والسماح بفتح المحلات جميعها يومي الجمعة والسبت، بعدما كان يتم إغلاقها في خلال المرحلة الأولى للحظر، كما أعلن رئيس الوزراء عن خطط الحكومة التفصيلية لإعادة السياحة الداخلية بما فيها فتح الفنادق مع وضع إجراءات ومحاذير للوقاية ومنع الازدحام.
كما أن هناك مؤشرات على أن الحكومة تسعى لتعميم الكمامات على المواطنين تمهيداً لإعادة تشغيل الاقتصاد بالكامل مع محاولة تعزيز الإجراءات الصحية للوقاية بدلاً الإغلاق.
وتأتي دعوة النقيبين بالحظر الكامل بعدما شهدت البلاد ارتفاعاً في عدد حالات الإصابة خاصة أمس السبت 10 مايو/أيار 2020، حيث بلغت 488 حالة إصابة، وأول أمس الجمعة الذي سجلت فيه 495 إصابة مقارنة ب393 اليوم السابق له أي الخميس 8 مايو/أيار، بزيادة أكثر من مائة حالة في يوم واحد.
وتجاهلت الحكومة الرد على طلب النقيبين حتى مثول التقرير للنشر.
ولكن لا يعرف هل هذه الدعوات هي مبادرات فردية من قبل أصحابها أم لا؟
ولكن التغطية الإعلامية المتوسطة، لهذه الدعوات تجعل من المحتمل أنها طرحت بموافقة السلطة، كنوع من التمهيد أو جس النبض، إذ يصعب التخيل في مصر بعد 30 يونيو/حزيران 2013 أن صحيفة كالشروق أو موقع كمصراوي، ينشران موضوعات في قضية حساسة مثل فرض حظر تجول شامل بدون موافقة الجهات الأمنية.
بصفة شخصية
وقال أمين عام نقابة الأطباء، إيهاب الطاهر، إن الخطاب الذي أرسله النقيب العام حسين خيري، ونقيب أطباء القاهرة، شيرين غالب، إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، يطالبون خلاله بفرض حظر شامل لمدة أسبوعين، لمواجهة فيروس كورونا، هو خطاب شخصي وليس لمجلس النقابة علاقة به.
وأوضح الطاهر في تصريحات لـ"الشروق"، أنه كلما زادت الإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، كانت الأمور أفضل بالنسبة للسيطرة على المرض، لافتاً إلى أن هناك عمالاً مياومين على سبيل المثال يحتاجون للعمل من أجل الإنفاق على أسرهم.
وتابع: "الدولة منحت العمالة اليومية 500 جنيه كمساهمة لهم، لكنها لن تكفي مصاريف المعيشة، وفرض حظر كلي سيكون فيه مشكلة أمام هؤلاء".
وأضاف: "إذا كانت الدولة لديها القدرة المالية على تعويض العمالة اليومية عن أعمالهم، سيكون الحظر الكلي أفضل، لكن إذا لم يكن لديها القدرة على ذلك لا يمكن عمل حظر كلي.
مزيج من الحلين
وفي كل الأحوال تبدو مصر أمام خيارات صعبة كغيرها من الدول، فاستمرار الإجراءات الاحترازية على الرغم من عدم صرامتها يضر بالاقتصاد، وخاصة العمالة غير الرسمية التي تمثل نسبة كبيرة من العمالة في مصر، في المقابل فإن تخفيف الإجراءات كما تلوح الحكومة، خاصة مع قدوم الأعياد يمكن أن يؤدي إلى خروج المرض عن السيطرة.
قد يكون الحل الأفضل للحكومة المصرية هو مزيح من الحلين، وهو استكمال الحل الذي ألمح إليه نقيب الأطباء ونقيبة أطباء القاهرة؛ أي فرض إغلاق كامل أو شبه كامل خلال نهاية رمضان ومنح أغلب العاملين إجازة العيد لمدة أسبوعين، ثم يعقب ذلك فتح شبه كامل كما كانت تطمح الحكومة المصرية.
ميزة هذه الحل إن هذه الفترة تتم بقلة النشاط الإنتاجي، وسيكون المتضرر النشاط الاستهلاكي فقط (وهو ضخم خلال هذه الفترة) كما أن تقييد التحرك لمدة أسبوعين من شأنه تقليل تفشي المرض، وإتاحة الفرصة لظهور الحالات الخفية.
ولكن المشكلة أن مصر ليس لها سابق تجربة في فرض حظر كامل، وتنظيم الاستثناءات من هذا الحظر عملية معقدة وقد ترتكب البيروقراطية المصرية حماقات خلالها.
إذ يفترض أن هذا الحظر يعني إما توصيل المواد الضرورية للبيوت أو السماح للناس بالنزول فقط من منازلهم للحصول على احتياجاتهم الأساسية.
وتحديد مفهوم الاحتياجات الأساسية ومن له الحق في النزول من المنزل لجلبها ومن أين يجلبها (من محلات قريبة للمنزل أم بعيدة)، هي مسألة معقدة يمكن أن تؤدي لمشكلات، ناهيك عن أن هناك ملايين العمالة المصرية المغتربة من الأقاليم في القاهرة، وبالتالي فإن إجبارها على البقاء في الغربة لمدة أسبوعين سيكون مشكلة ولو عادت فجأة لمواطنها ستكون مشكلة أخرى.
كما أن فرض هذا الحظر الشامل بعد عدة أيام من صدور القرار قد يؤدي لموجة نزوح كبيرة من القاهرة إلى الأقاليم والمصايف، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي وقد يفاقم من تفشي الفيروس أسوأ من عطلة العيد، وإذا تم فرض الحظر فجأة قد يؤدي ذلك إلى وجود ملايين العالقين من المغتربين المؤقتين أو ما يمكن أن نسميهم المغتربين الأسبوعيين، الذين يعملون في القاهرة والمدن الكبرى طوال الأسبوع ويعودون لمواطنهم في الأقاليم نهاية الأسبوع.