يبدو تحالف الصين وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة أمراً مرجحاً في وقت تتصاعد فيه نُذُر الحرب الباردة بين واشنطن وبكين، ولكن تبدو موسكو في موقف حرج يتعلق بمكانتها في هذه الحرب.
فروسيا لن تكون سعيدة بأن تكون مجرد تابع للصين، وقد تُفضِّل موسكو دور الوسيط في هذه الحرب، ولكن هل أمامها خيار بألا تتورط في هذه الحرب وتُحسّن علاقتها مع الغرب مع الحفاظ على روابطها بالصين؟
تقرير لمجلة The Diplomat الأمريكية عرض لتاريخ العلاقات الروسية الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ولماذا اتّجهت العلاقات الأمريكية الروسية نحو الخصومة، والتنافس بعد أن كانت قد تحولت إلى التعاون بعد نهاية الحرب الباردة.
لماذا فشلت محاولة التفاهم الأمريكية مع روسيا الديمقراطية؟
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، سعت روسيا والولايات المتحدة إلى تغيير طبيعة علاقاتهما عدة مرات، ولكن محاولاتهما باءت بالفشل، إذ إن محادثات إدارة كلينتون مع روسيا الديمقراطية الجديدة تعطّلت بسبب توسع الناتو شرقاً والتدخل العسكري في كوسوفو.
ورغم أن فلاديمير بوتين عرض المساعدة في حرب جورج بوش الابن على الإرهاب، فإن حرب العراق و"الثورات الملونة" التي شهدتها البلدان التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وحرب جورجيا أدّت إلى توتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة مجدداً. ولم تستمر محاولات باراك أوباما لتغيير طبيعة العلاقات مع روسيا طويلاً، حيث تحوّلت الأزمات التي تشهدها ليبيا وأوكرانيا وسوريا إلى مواجهة جيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة.
لسنا مهزومين بل شركاء متساوين
توضح هذه الإخفاقات المتكررة المواجهة النظامية بين البلدين؛ إذ إن فهم روسيا والولايات المتحدة للنظام العالمي بعد الحرب الباردة مختلف، ففي حين أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العظمى الوحيدة، تعتبر روسيا نفسها شريكاً مساوياً للغرب وليس خاسراً في الحرب الباردة.
ورغم رغبة الرئيس دونالد ترامب الشديدة في تحسين العلاقات مع بوتين، تدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بسبب العقوبات والخلافات الدبلوماسية. ووقف الكونغرس الأمريكي وقفة حازمة في وجه روسيا، وقوّض جهود ترامب لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
ولا تزال فرص تحسن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ضعيفة؛ إذ إن تقارب موسكو الأخير مع واشنطن له هدف محدود يتمثل في تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية START الجديدة، التي تخدم المصالح الأمريكية والروسية، إلا أن إدارة ترامب أصرّت على مشاركة الصين في اتفاق ثلاثي للحدِّ من الأسلحة.
وروسيا أصبحت أكثر احتياجاً للصين بعد أزمة كورونا
في الوقت نفسه، تسبّبت أزمة كوفيد-19 في خلافات بين الصين وروسيا، ولكن من المستبعد أن تقوّض شراكتهما.
إذ إن الاقتصاد الصيني تأثر بدرجة أقل نسبياً وتدعمه حزمة تحفيز هائلة، ولذا سيصبح محركاً رئيسياً للانتعاش الاقتصادي لروسيا بعد الأزمة.
والاقتصادان الروسي والصيني متكاملان، كما ارتفعت نسبة التجارة بين البلدين بنسبة 3.4% في الربع الأول من هذا العام، بفضل أزمة أسعار النفط.
وها هي تقع أسيرة التكنولوجيا الصينية، التي تحلّ محل شركاتها
ورغم أن روسيا تسعى إلى الاستعاضة عن واردات التكنولوجيا، في ظل تقييد حصولها على التكنولوجيا الغربية، زادت الحكومة وارداتها من معدات التكنولوجيا المتقدمة من دول ليست غربية.
وحلّت المنتجات الصينية تحديداً، الأكثر موثوقية والأفضل سعراً، محلَّ كل من الإنتاج الروسي الصنع وشركات التكنولوجيا الغربية. ونتيجة لذلك، وقّعت شركة MTS الروسية اتفاقية مع هواوي لبناء شبكتها للجيل الخامس. وسيعزز دعم روسيا لنظام مراقبة شامل وتقنية التعرف على الوجه أيضاً تعاونها مع شركة Hikvision الصينية.
والأهم من ذلك أن الشراكة الروسية الصينية مدفوعة بعوامل نظامية، وتحديداً مقاومتها للهيمنة الأمريكية. إذ تُعارض كلٌّ من الصين وروسيا النظام العالمي المتمركز حول الغرب. وزادت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا وسعيها لحرب تجارية مع الصين من تقارب الدولتين. ونظراً لأن جائحة كوفيد-19 أبرزت الطبيعة البراغماتية للعلاقات الروسية الصينية، يأمل بوتين وشي في أن تساعد المكالمات الهاتفية بينهما على تقليل التوترات على الأرض.
عداء صيني أمريكي، ما شكل العلاقة بين واشنطن وموسكو؟
وفي ظل بوادر نشوء نظام عالمي جديد ثنائي القطب بعد زوال فيروس كورونا، يكون قطباه هما روسيا وأمريكا من المرجح أن تتعاون روسيا مع الصين ضد الولايات المتحدة، خاصة بعد تصاعُد التوترات بين الولايات المتحدة والصين منذ بدء تفشي فيروس كورونا، واعتبار واشنطن الصين أكبر منافسيها.
لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن تغير روسيا سياستها الخارجية جذرياً تجاه الولايات المتحدة، حيث لا يمكن حلّ الاختلاف العميق بينهما. ولا تملك واشنطن أيضاً الكثير لتقدمه، ويمكن إبعاد روسيا عن الصين. وستظل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا متوترة، إن لم تكن جامدة.
تحالف الصين وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة.. فهل تصبح موسكو تابعاً ثانوياً أم وسيطاً؟
من المرجح جداً أن تنضم روسيا إلى الكتلة الصينية في الحرب الباردة الجديدة. ويؤكد خبراء روس أن الصين بحاجة إلى روسيا في التعامل مع القضايا الدولية، وستأخذ المصالح الروسية في اعتبارها.
إلا أن روسيا، نظراً لاعتمادها المتزايد على الصين، ستشارك بدور ثانوي غير مباشر في كتلة تتزعمها الصين.
ويوجد سيناريو ثالث تؤدي فيه روسيا دور الموازِن لمنع أي هيمنة عالمية.
وإذا كان بوتين يرنو إلى استعادة مكانة روسيا وأن تكون قوة عالمية مستقلة مجدداً، فيجب على موسكو تكثيف جهودها الدبلوماسية لتطوير العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان والهند.