خلال الأيام الماضية تداولت حسابات سعودية على منصات التواصل الاجتماعي إضافة إلى صحف وقنوات لها علاقة بالمملكة أخباراً حول محاولة انقلاب عسكري تدور رحاها في قطر، دون وجود دليل على هذه المزاعم أو وجود منصة إعلامية تتحدث عن هذا الانقلاب المزعوم غير تلك التي لها علاقة بالرياض.
هذه المزاعم ليست الأولى منذ الحصار الذي قادته السعودية وثلاث دول عربية أخرى وهي مصر والإمارات والبحرين ضد قطر قبل 3 أعوام، ما استرعى انتباه الصحف العالمية ووصفت ما تمارسه دول الخليج المحاصرة للدوحة بأنه حملة من التضليل الإعلامي بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
مرّت ثلاثة رمضانات منذ أطلقت السعودية والبحرين ومصر والإمارات حصارها ضد قطر في 5 يونيو/حزيران 2017، حينما أثار القرار مخاوف من تصعيد جديد للتوترات في منطقة الخليج، لكن هذه المرة بين عديد من أقرب شركاء الولايات المتحدة في حفظ الأمن الإقليمي للمنطقة.
كيف بدأت الأزمة؟
تحدى الانقسام القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي كل محاولات الكويت والولايات المتحدة المتقطعة للتوصل إلى حل وجنح إلى وجهة النظر المحبّذة للاستمرار. وبلغ الأمر بسفير السعودية لدى المملكة المتحدة، الأمير خالد بن بندر آل سعود، حدَّ مقارنته تشبيهاً مع المواجهة التي استمرت لعقود بين الولايات المتحدة وكوبا، وذلك في تصريحات أدلى بها في لندن خلال أكتوبر/تشرين الأول 2019.
بدأت الأزمة عام 2017 باختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) ونشر قصة إخبارية مزيفة حول تصريحات محرّضة زُعم أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قالها في حفل تخرج عسكري. والحال أن الاختراق حدث على خلفية تواصل إماراتي وسعودي مع شخصيات رئيسية في إدارة ترامب خلال الأشهر الأولى من توليه منصبه، وتشويش فوضوي للحدود ما بين الأخبار الحقيقية والمزيفة يعد أصدق تعبير عنه عبارة "الحقائق البديلة" التي استخدمتها مستشارة ترامب كيليان كونواي لتبرير تصريحات كاذبة لمتحدث آخر للبيت الأبيض.
شهدت الأيام الأخيرة محاولات جديدة لإنشاء مجموعة من "الحقائق البديلة" في هيئة شائعات ومقاطع فيديو غير موثوق مصدرها على تويتر تدّعي أن ثمة محاولة انقلاب جارية في العاصمة القطرية الدوحة. ففي مقال نشرته صحيفة "سعودي جازيت" Saudi Gazette السعودية الناطقة بالإنجليزية في 3 مايو/أيار، وتضمن مقابلة مع الشيخ خليفة بن مبارك آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، طلب الشيخ من الأمير التنحي وادعى ادعاءً يتعذّر تصديقه ويفتقر إلى أي دليل أن "إيران وتركيا تسيطران على قطر".
انقلاب ولكن على تويتر!
بعدها بساعات، وفي وقت مبكر من صباح 4 مايو/أيار، انطلق وسم (هاشتاغ) "انقلاب في قطر" لينتشر على موقع تويتر، مُرفقاً بمقاطع فيديو تُظهر على ما يبدو إطلاق أعيرة نارية، إلى جانب سيل من التغريدات المنظمة تزعم أن كبار أفراد الأسرة الحاكمة القطرية قد تحركوا لإزاحة الأمير تميم عن السلطة. بعد ذلك، كشف تحليل أجراه مارك أوين جونز، أستاذ الإنسانيات الرقمية المستقر في الدوحة، عن أن مقاطع الفيديو تلك قد خضعت للتزييف، وتتبع نمطاً من التضخيم والترويج عمدت إلى استخدامه حسابات معروفة على موقع تويتر من السعودية.
هناك أوجه تشابه وكذلك اختلافات بين هذه الجولة الأخيرة من المعلومات المضللة، وجولة عام 2017. أحد أوجه التشابه يتمثل في التوقيت، إذ وافق يوم 3 مايو/أيار العاشر من رمضان في عام 2020، أي في الموعد ذاته الذي أُطلق فيه الحصار منذ ثلاث سنوات في اليوم العاشر من شهر رمضان، عام 2017. وأيضاً ظهور شيخ قطري (خليفة بن مبارك آل ثاني) الذي يبدو أنه لا سجل له في العمل العام، تماماً مثلما أجرت صحيفة The National الإماراتية الناطقة بالإنجليزية وتصدر من أبوظبي مقابلةً مع "شخصية معارضة بارزة"، هي الشيخ سعود بن ناصر آل ثاني، في يونيو/حزيران 2017، غير أن ما تبين حينها أيضاً أنه ليس ثمة من الأصل سجلٌ يشير إلى وجود زعيم معارض يُدعى سعود بن ناصر آل ثاني.
الحملة هذه المرة من السعودية
أمَّا الفرق بين حملتي 2017 و2020، فهو أن الحملة الأخيرة يبدو أنها مدفوعة من السعودية لا من الإمارات التي كانت هي المتورط في اختراق وكالة الأنباء القطرية في مايو/أيار 2017، والتي كان زعيمها الفعلي ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي ينظر إليه على أنه مهندس حملة حصار قطر. بالإضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن مقال Saudi Gazette الذي كان بالإنجليزية، فإن حقيقة أن غالبية المعلومات المضللة التي انتشرت على موقع تويتر حول الانقلاب المفترض في قطر كانت باللغة العربية تشي بأنها ربما كانت على الأغلب موجهة للجمهور المحلي داخل السعودية، لا الرأي العام الدولي.
ومن ثم، قد يعكس التصعيد الأخير في الخلاف الذي طال أمده جهودَ وسائل الإعلام السعودية لصرف الأنظار عنها بعد سلسلة من الأخبار السلبية المتداولة عن المملكة، من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا إلى تجدد التوترات داخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن إلى وفاة الحقوقي السعودي عبدالله الحامد في معتقله، بعد أن أدت به دعوته الرائدة في مجال الحقوق المدنية والسياسية وحقوق الإنسان في المملكة إلى قضاء عدد كبير من السنوات الـ27 الماضية في السجن.
وفي حين أن الأسباب الدقيقة لتوقيت ودوافع هذه الحملة الأخيرة من المعلومات المضلة قد لا تتضح أبداً، فإن التصعيد الأخير يطرح دليلاً إضافياً على أن حصار قطر لا يزال عصيّاً على الحل، رغم التحدي المشترك الذي تواجهه جميع دول المنطقة حيال جائحة كورونا. فقد فشلت بوادر تحسين العلاقات بين السعودية وقطر في أواخر عام 2019 في تحقيق المصالحة، وأعلن وزير الخارجية القطري أن المحادثات الثنائية قد انهارت في يناير/كانون الأول.
معارك "تافهة"
وحتى مع انتشار وباء كورونا في مارس/آذار، استمرت أعمال تسجيل النقاط التافهة التي اتسمت بها كثير من إجراءات الحصار منذ عام 2017، إذ اتهمت البحرين قطر بالتدخل في شؤونها الداخلية بعد أن تقطعت السبل بنحو 31 مواطناً بحرينياً استضافتهم قطر بعد أن كانوا قد سافروا من إيران إلى الدوحة على متن الخطوط الجوية القطرية، وهو عمل اعتبره وزير خارجية البحرين "مستهجناً ويتطلب استجابة دولية واضحة". وفي مارس/آذار أيضاً، زعمت كاتبة صحفية معروفة مقيمة في الإمارات أن قطر دفعت "مليارات لزراعة هذا الفيروس المخيف في الصين، بهدف ضرب عام 2020″، ومن ثم الإضرار برئاسة السعودية لمجموعة العشرين واستضافة دبي لمعرض إكسبو الدولي، الذي أُعيد جدولته ليصبح في عام 2021.
هذا ولا تزال معركة التنافس على ترويج الروايات الكاذبة بشأن قطر على حالها مع اقتراب الحصار من عامه الرابع. ويبين اللجوء مرة أخرى إلى نشر الأخبار المزيفة كيف أنه لم يتغير شيء يذكر منذ عام 2017، وكيف أن التكتيكات ذاتها التي استخدمت آنذاك أُزيل التراب عنها ثم أُعيدت صياغتها لتستخدم مرة أخرى.
قد تحدث محاولات أخرى (لإعادة) صياغة الروايات، هذه المرة في واشنطن العاصمة، مع احتدام حرارة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، أو إذا حاولت حكومات الخليج صرف الانتباه عن أزمة كورونا بواسطة إلقاء اللوم على الآخرين في علّاتها. في هذه الأثناء، يستمر الانقسام في تعقيد المصالح الأمريكية فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية، وربما يكون أفضل مثال على ذلك هو استعداد محمد بن زايد لمناقشة تداعيات انتشار فيروس كورونا والتعبير عن "التضامن الإنساني في أوقات المحن"، لكن مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، لا مع دولة شريكة له في عضوية مجلس التعاون الخليجي والتحالف مع الولايات المتحدة.