يتصاعد الصراع في سوق النفط العالمي بين كبرى الدول المنتجة، يوماً بعد يوم، في ظل تراجع الطلب العالمي على الخام، وهبوط أسعاره بالتزامن مع تفشي جائحة كورونا. حيث دفع الانخفاض السريع في الاستهلاك العالمي للنفط، والإمدادات الزائدة في السوق، إلى تراجع الأسعار لأدنى مستوياتها منذ 1999، الشهر الماضي.
يأتي ذلك، في وقت تصاعدت فيه الخلافات بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم وهم: الولايات المتحدة وروسيا والسعودية. ومع أن الخلافات هدأت مؤخراً إلا أنها أظهرت تباعد وجهات النظر في سوق الطاقة، في حين ما تزال بعض الدول المنتجة للنفط غير قادرة على الإيفاء تماماً بالتزامات اتفاق أوبك.
وبينما تبرز كل من آسيا وأوروبا كأكبر أسواق النفط بالنسبة للسعودية وروسيا، تنافست الدولتان على بيع النفط الخام بأسعار منخفضة للدول المستهلكة. وفي 2018، تمكنت الولايات المتحدة من زيادة إنتاجها لمادة النفط الخام لمتوسط 13 مليون برميل يومياً، وتجاوز إنتاج السعودية وروسيا، كما عمدت واشنطن إلى تخصيص معظم النفط المنتج للاستهلاك المحلي.
النفط الرخيص سلاح السعودية لكسب أسواق جديدة
تجد السعودية في ارتفاع تكاليف إنتاج النفط الصخري فرصة لبيع النفط المخفض للجهات المستوردة في الولايات المتحدة، اعتباراً من الشهر الماضي، في حين أن حرب الأسعار بين الرياض وموسكو الشهر الماضي أضرت بمصالح الولايات المتحدة.
تكبد منتجو النفط الأمريكيون خسائر بمليارات الدولارات خلال الشهر الماضي، حيث انخفضت عقود النفط الأمريكي غرب تكساس (WTI) تسليم مايو/أيار إلى ما دون الصفر (-40 دولاراً).
بدورها، أعلنت شركة "إكسون موبيل"، أكبر منتج للنفط في الولايات المتحدة، عزمها خفض قيمة استثماراتها في مجال إنتاج النفط بمقدار 10 مليارات دولار هذا العام، وشركة "شيفرون" بمقدار 3.3 مليار دولار.
ودعا أعضاء مجلس الشيوخ، الممثلين لأكبر 13 ولاية منتجة للنفط في الولايات المتحدة، حكومة الرياض إلى إنهاء حرب الأسعار التي أضرت بمنتجي النفط الأمريكيين، مطالبين إدارة بلادهم بتعديل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وصرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوائل أبريل/نيسان الماضي، بأنه إذا لم توقف منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية الإنتاج، فإن الكونغرس لن يعارض أي قرار يتعلق بانسحاب القوات الأمريكية من السعودية.
الشهر الماضي، خرج اجتماع افتراضي دام 6 ساعات، بإعلان تحالف (أوبك+) عن أكبر خفض تاريخي في إنتاج النفط الخام، أملاً في إعادة الاستقرار لأسواق وأسعار الخام حول العالم، ودخل حيز التنفيذ مطلع مايو/أيار الجاري.
قالت (أوبك) في بيانها الختامي للاجتماع، إن الاتفاق يقضي بتنفيذ (أوبك+) خفضاً في إنتاج الخام بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو/أيار الجاري حتى نهاية يونيو/حزيران 2020.
وبحسب الاتفاق، فإن خفض الإنتاج سيتراجع إلى 8 ملايين برميل يومياً، اعتباراً من يوليو/تموز حتى نهاية 2020، يتبعه خفض بمقدار 6 ملايين برميل يومياً مطلع 2021 حتى نهاية أبريل/نيسان 2022.
كما أعلنت شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، في أبريل الماضي أنها ستبيع النفط الخام إلى مصافي آسيا بسعر 5 دولارات للبرميل الواحد مقابل سعر السوق.
مضاربات على الحصص قد تشعل نيران الأزمة مجدداً
علاوةً على ذلك، أعلنت دول أخرى منتجة للنفط، مثل العراق والكويت والإمارات، عزمها إجراء تخفيضات مماثلة للعملاء في آسيا، كما بدأت السعودية في تصدير النفط بسعر أقل من سعر السوق إلى مصافي الدول الأوروبية، حيث تمتلك روسيا عدداً من العملاء في تلك المنطقة.
كما عرض السعوديون على عملائهم في أوروبا وآسيا تأخير إجراءات الدفع لمدة 90 يوماً، للحصول على حصة من السوق التي تمتلك فيها روسيا نفوذاً مهماً، وهو ما يعني أن نار الخلافات لم تهدأ بعد بين الكبار، وربما تشتغل مجدداً وبشكل أكبر حدّة.
وبالنسبة لروسيا، فإنها تمتلك شبكة واسعة من خطوط الأنابيب بتكلفة نقل أرخص بكثير لبلدان أوروبا وآسيا، وهذه تعتبر ميزة مهمة تقوي أسهم موسكو في الأسواق الآسيوية والأوروبية.
من ناحية أخرى، فإن بعض البلدان في آسيا وأوروبا تلتزم بعقود استيراد طويلة الأجل مع روسيا، التي تعود ملكية أنابيب النفط فيها للحكومة، والتي تمتلك قدرة على تقديم حسومات مغرية للعملاء، والالتزام بمواعيد التسليم.
وعلى الرغم من تعليق الخلافات بالتوصل لاتفاق خفض الإنتاج بين تحالف (أوبك+)، فإن جائحة كورونا وتوجه الولايات المتحدة لتحقيق اكتفائها الذاتي من النفط، يمهد لعودة الخلافات على نحو أوسع بين الرياض وحلفائها العرب، وبين موسكو.
الأزمة لم تنتهِ بعد.. البعض يواجه مشاكل بخفض الإنتاج
ففي العراق، يواجه ثاني أكبر منتج في أوبك مصاعب في تنفيذ تخفيضات قياسية تعهد بها في إنتاج النفط، إذ قال تجار ومصادر في القطاع لرويترز، إن العراق لم يُخطر بعد المشترين المنتظمين للنفط منه بخفض صادراته، ما يشير إلى أنه يواجه صعوبات في التطبيق الكامل لاتفاق "أوبك" مع روسيا ومنتجين آخرين بشأن خفض قياسي للإمدادات.
ومن شأن التزام أقل من كامل للعراق، وكذلك من جانب منتجين أصغر مثل نيجيريا وأنغولا وغيرها، إلحاق الضرر بجهود مجموعة "أوبك+" لخفض الإنتاج 9.7 مليون برميل يومياً اعتباراً من أول مايو/أيار، بما يعادل نحو 10% من الطلب العالمي، قبل أن تؤدي أزمة فيروس كورونا إلى انخفاض الاستهلاك والأسعار.
وتقول أمريتا سين، المحللة في شركة إنرجي أسبكتس، لرويترز إن التحدي الذي تواجهه العديد من بلدان أوبك+ هو حجم الإنتاج الذي يطالبون شركات النفط العالمية بتخفيضه.
وأضافت: "بعيداً عن الإغلاقات اللوجستية فإن بعض التخفيضات المطلوبة من العراق ونيجيريا وغيرهما لن تحدث ببساطة حيث التزموا بالكاد بالتخفيضات السابقة".
وتدير الشركات المنتجة في حقول النفط الجنوبية بالعراق عقود خدمات تدر عليها رسوماً محددة بالدولار نظير إنتاجها، كما تتلقى تعويضات عن شحنات الخام. وهذا النوع من العقود يحمي شركات النفط من الانخفاضات الحادة في أسعار النفط. لكنه يعني أيضاً أنه مع تطبيق تخفيضات أوبك ينتهي الأمر بالعراق لامتلاك خام أقل يسوقه بنفسه.
وقال مصدر بواحدة من الشركات الأربع: "أبلغ معظم المشغلين العراق بأنه يسعدهم خفض الإنتاج لكنهم يريدون سداد رسومهم كاملة، الأمر متأزم".
وتظهر جداول التصدير الحالية في نيجيريا وأنجولا أنهما لا تخفضان الإنتاج حالياً بالقدر المطلوب بموجب اتفاق أوبك+ لكنهما ستتجاوزان ما قامتا به بموجب اتفاق أوبك+ السابق والمنتهي في 31 مارس/آذار.