أثارت كثير من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول وباء كورونا كثيراً من الانتقادات، ليس فقط داخل أوساط الإعلام المحلي الذي لا يحب ساكن البيت الأبيض المثير للجدل، ولكن أيضاً حول العالم، لكن الوباء القاتل في الولايات المتحدة كشف عن كثير من الممارسات التي لا يوجد لها مثيل رغم أن الوباء أصاب جميع دول العالم تقريباً، فما هو الوجه الآخر لكورونا الأمريكي؟
حفلات "أحضِر كورونا معك"
أصيب مسؤولو الصحة في مقاطعة والا والا في العاصمة واشنطن بصدمة حقيقية، عندما اطَّلعوا على تقارير تشير إلى ارتفاع كبير في "حفلات كوفيد-19″، وهي تجمعات تقام خصيصاً بغرض التعرض للعدوى بفيروس كورونا، يتم فيها اختلاط الضيوف الأصحاء غير المصابين مع أشخاص مصابين بعدوى الوباء، على أمل تسريع عملية الإصابة بالعدوى وتكوين أجسام مضادة في أجسامهم من خلال التعافي من الفيروس.
هذه التقارير ليست شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل جاءت في بيان صادر عن مسؤولي المقاطعة، الإثنين 4 مايو/أيار، جاء فيه: "تلقى مسؤولو الصحة في المقاطعة تقارير عن إقامة حفلات كوفيد-19، حيث يختلط أشخاص غير مصابين بالعدوى مع شخص مصاب، في محاولة لأن تصيبهم العدوى"، حسب البيان الذي نقلته غالبية الصحف ووكالات الأنباء الأمريكية والبريطانية.
والقصة هنا تسبب قلقاً حقيقياً لدى مسؤولي الصحة الأمريكيين، لأن المفهوم نفسه ليس جديداً، فقد ظهر أيضاً مع الفيروس المسبب للجدري قبل أن يتم التوصل للقاح له، حيث كان البعض يقيمون "حفلات الجدري" طلباً للعدوى السريعة، ومن ثم تكوين أجسام مضادة واكتساب المناعة، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها عن القصة، الأربعاء 6 مايو/أيار.
شهدت مقاطعة والا والا جنوب واشنطن ارتفاعاً ملحوظاً في حالات العدوى بالوباء القاتل في الأسابيع الأخيرة، ويعاني مسؤولو الصحة بها لاحتواء بؤرة تفشٍّ في مصنع لمنتجات اللحوم في المنطقة، وقالت ميغان دي بولت مديرة صحة المجتمع بالمقاطعة لنيويورك تايمز إن السيطرة على التفشي في المقاطعة لا تزال أمراً بعيداً عن المتناول حالياً، ويخشى المسؤولون من أن أعداداً متزايدة من المواطنين يشاركون طواعية في أنشطة اجتماعية ضارة.
"نعرف أن الناس قد أرهقتها العزلة والحجر الصحي، ونحن أيضاً نريد أن نعيد فتح البلاد مثلهم. نريد أن نتمكن من الخروج والذهاب للمطاعم ورؤية الأصدقاء وأفراد الأسرة، لذلك نريد من الجميع التحلي بالصبر واليقظة فترة أطول"، بحسب ميغان، التي من الواضح أنها لا تشارك ترامب رؤيته للأمور.
قصة "حفلات عدوى الجدري" ليست تصرفاً فردياً كما قد يتبادر للذهن، فالمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها نشرت تحذيراً منها لا يزال موجوداً حتى اليوم، يقول: "في الماضي كان بعض أولياء الأمور يعرضون أطفالهم للعدوى بالجدري بشكل متعمد، على أمل أن يحظى الأطفال بالمناعة ضد المرض، لكننا ننصح بشدة بالابتعاد تماماً عن هذه التصرفات، لأن المرض خطير ويمكن أن يؤدي للوفاة. الأمر لا يستحق المخاطرة وأفضل وسيلة لحماية الرضع والأطفال هو التطعيم ضد الجدري". العبارة الأخيرة تشير بالطبع أن "حفلات الجدري" استمرت حتى بعد التوصل للقاح.
طلب منها ارتداء الكمامة فقتله والدها
الأمريكيون -شأنهم شأن غالبية دول العالم باستثناء شرق وجنوب آسيا- غير معتادين على ارتداء قناع الوجه أو الكمامة، لكن أن يقوم مواطن بإطلاق الرصاص على موظف أمن يؤدي عمله بسبب ارتداء الكمامة هو أمر لم يحدث إلا في الولايات المتحدة، على الأقل حتى الآن.
الجريمة وقعت في إحدى مقاطعات ولاية ميشيغان، حين طلب حارس أمن يدعى كالفين مونرلين من ابنة مواطنة تدعى شارميل تيغ ارتداء الكمامة قبل الدخول لأحد المحلات، تطبيقاً للقرار الذي أصدره حاكم المقاطعة، وحدثت مشادة بعد رفض الأم وابنتها ارتداء الكمامة وانصرفتا، وبعد فترة قصيرة وصل إلى المكان الزوج لاري تيج وابنه رومونيا بيشوب وأطلقا الرصاص على حارس الأمن وقتلاه.
وبحسب بيان المدعي العام في الولاية، تم توجيه اتهامات بالقتل العمد ضد الزوجة التي تم القبض عليها، وزوجها وابنها لا يزالان هاربين، ووقعت الجريمة الجمعة 1 مايو/أيار، وفي اليوم نفسه قام حاكم الولاية بإلغاء القرار الذي يُلزم مواطني ميشيغان بارتداء الكمامة، بعد أن تلقت إدارات الشرطة تهديدات من مواطنين غاضبين يرفضون القرار.
وعلّق الدكتور ديفيد أرونوف أستاذ الطب ومدير قسم الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت على رفض الأمريكيين ارتداء الكمامة، بقوله لشبكة CNN، إن البعض ينظر للأمر على أنه اعتداء على حرياتهم الشخصية، والبعض الآخر يراها دليلاً على الضعف أو اعترافاً بالخوف من الوباء.
الأمريكيون يعتبرون أن حرياتهم أمر مقدس، والبعض منهم يعتبر أي تدخل في كيفية تعامله مع سلامته الشخصية أمراً مرفوضاً، كما أن عدم ارتداء الرئيس أو نائبه -رئيس خلية أزمة التعامل مع الوباء- يرسل رسالةً ملتبسة بشأن مدى ضرورة ارتدائها للوقاية من الوباء، بحسب أرونوف.
الحرية أهم من الكمامة
ستيفين تايلور، مؤلف كتاب "سيكولوجية الأوبئة" يقول إن الناس تتمرد بشكل طبيعي عندما يملي عليهم أحد كيف يجب أن يتصرفوا، ويختلف رد الفعل من شخص لآخر، فالبعض يشعر بالضيق، والبعض يتبرم ويعترض بينما يكون رد بعض الناس عنيفاً، وعقد تايلور مقارنة بين ارتداء الكمامة ومنع التدخين في المطاعم أو المدارس: "هناك قوانين بشأن منع التدخين في المطاعم والمقاهي، لأنه يمكن أن يكون ضاراً بصحة الآخرين، والآن نواجه موقفاً خطيراً، حيث إن الشخص الذي قد يكون حاملاً لعدوى الوباء والرزاز الذي يخرج من فمه يمكنه أن يكون قاتلاً للآخرين".
ورغم ذلك فإن المعارضين لفرض ارتداء الكمامة يرون ذلك اعتداءً مباشراً على حريتهم الشخصية، ففي ميشيغان شارك أكثر من 700 شخص في مظاهرة مؤخراً أمام مقر برلمان الولاية للاعتراض على البقاء في المنازل وإجراءات الإغلاق وحتمية ارتداء الكمامات في المتاجر وأماكن العمل.
وشهدت ميشيغان أيضاً قيام أحد المواطنين بتنظيف أنفه في قميص أحد العاملين في متجر، بعد أن طلب منه الموظف ارتداء الكمامة داخل المتجر، وفي مدينة ستيلووتر بولاية أوكلاهوما، وبعد يوم واحد أيضاً من إصداره، اضطرت المقاطعة للإلغاء إعلان إلزام المواطنين بارتداء الكمامات بعد تهديدات المواطنين باستخدام العنف ضد من يطلب منهم التنفيذ.
الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم تأثراً بالوباء القاتل، حيث أصاب حتى اليوم الخميس 7 مايو/أيار أكثر من مليون و272 ألف أمريكي، وأودى بحياة ما يقرب من 76 ألفاً، ولا يزال انتشار العدوى مستمراً بوتيرة عالية، متوسطها أكثر من 15 ألف شخص يومياً والوفيات أكثر من ألفين، ورغم ذلك تتزايد الدعوات لرفع دعوات الإغلاق استجابة لما يريده ترامب.