"كم كان هذا الأمر محبطاً"، بهذه الكلمات وصف شمس ما شعر به عندما عجز عن دفع ثمن ما ابتاعه من محل البقالة يوم الإثنين 4 مايو/أيار. وأوضح بنبرة مكتئبة لصحيفة The Independent البريطانية: "كان عليّ أن أعيد اللحوم وبعض الخضراوات. واضطررت أن أحضر المأكولات المعلبة والأشياء الرخيصة".
دعم مالي زهيد
يعد شمس طالب لجوء في بلدة دارلينغتون الإنجليزية، ويبلغ من العمر 42 عاماً، وما يزال ينتظر قراراً حول طلب اللجوء الذي تقدم به منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وكان قبل الإغلاق يتسوق في أحد الأسواق التجارية الكبرى التي تبعد أميالاً عن منزله، لكنه اضطر في الوقت الحالي أن يبدأ شراء مستلزمات البقالة من محال أقرب وأصغر، حيث تعد المشتريات أغلى ثمناً. وقد ثبتت صعوبة ذلك في ظل مبلغ الدعم الذي يحصل عليه أسبوعياً من وزارة الداخلية البريطانية، والمقدر بـ37 جنيهاً إسترلينياً (46 دولاراً). إذ يقول: "اضطررت للذهاب إلى محال مختلفة كي أعثر على الأرخص. كان عليّ أن ألتقط الأشياء التي تقترب صلاحيتها من الانتهاء. فلا يمكنك الحصول على أشياء طازجة، مثل البصل، بل عليك الحصول على الأطعمة المجمدة".
ادعت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل خلال جلسة استماع برلمانية في الأسبوع الماضي، أن سياسات وتدابير وزارة الداخلية فيما يتعلق بدعم اللجوء خلال الإغلاق، كانت سارية، وأن الوزارة كانت تتأكد "قطعاً" من أن هؤلاء الأشخاص مدعومون. وعندما سُئلت من اللجنة البرلمانية المختارة للشؤون الداخلية عما إذا كانت ستنظر في زيادة دعم اللاجئين بـ20 جنيهاً إسترلينياً (24.89 دولار) إضافية أسبوعياً، تماشياً مع الدعم الشامل، قالت إنها لم تشاهد أي دليل على أن طالبي اللجوء كانوا يعانون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل المبلغ الممنوح إليهم في الوقت الحالي.
ويقول المحامون والمنظمات الخيرية إن كلمات الوزيرة تناقض الواقع. إذ يعيش حوالي 44 ألف طالب لجوء في الوقت الحالي في المملكة المتحدة بحوالي 5.2 جنيه إسترليني يومياً -أو 37 جنيهاً إسترلينياً أسبوعياً- وتزيد المخاوف من أنه في ظل انخفاض الدعم الخيري المباشر وتقييد الأماكن التي يستطيعون التسوق منها خلال الإغلاق، يضطر كثير منهم لاتخاذ قرارات مستحيلة، يختارون فيها بين الاحتياجات الأساسية، مثل شراء الحفاضات لأطفالهم، أو تناول وجبة عشاء، أو شحن باقات الهواتف للتحدث إلى ذويهم.
انتهاك لقوانين حقوق الإنسان
هدّد أربعة طالبي لجوء معاً وزارة الداخلية بالتقدم بطعن قانوني ضد مبالغ الدعم التي يتلقونها خلال الإغلاق، إذ يجادل المحامون بأن الفشل في زيادة مبالغ الدعم التي يحصلون عليها في هذا الوقت يشكل انتهاكاً لقانون حقوق الإنسان. وأصدر مكتب دنكان لويس للمحاماة خطاب ما قبل التقاضي موجهاً إلى الوزارة، وجادل فيه بأن عليها سد "فجوة الدعم" التي فُتحت بفعل الظروف الحالية، عن طريق زيادة مبالغ الدعم الأساسية مؤقتاً إلى مستوى "يضمن قوة شرائية تعادل على أقل تقدير الوضع في عهد ما قبل الجائحة".
أخبرت إحدى المدعين في الطعن القانوني صحيفة The Independent، وتُعرف باسم (أ)، بأنها وزوجها كانا يضطران لتفويت وجبات لكي يسمحا لابنتيهما البالغتين من العمر 3 و8 أعوام، أن تأكلا. قالت المرأة النيجيرية، التي تعيش مع عائلتها في غرفة ذات سريرين ويتشاركان المطبخ مع أسرة أخرى تتكون من أربعة أشخاص، إنها تعاني من مرض السكري وإن ابنتها الصغيرة تعاني من ربو حاد. بالرغم من أنها تعرف أن عليها حماية نفسها، تسافر لساعةٍ بالحافلة إلى أحد متاجر "ليدل" كل يوم إثنين كي تعزز القوة الشرائية للأموال التي تحصل عليها.
وكانت العائلة تحصل عادةً على قسائم شراء بقيمة 44 جنيهاً إسترلينياً (54.75 دولار) كل شهرين عند زيارة كنيس غرب لندن، لكن هذا لم يعد متاحاً لأن الكنيس مغلق بسبب تدابير الإغلاق. وأُبلغت ابنتها الكبرى بأنها كانت ستحصل على قسائم شراء بدلاً من الوجبات المدرسية المجانية، لكنها تقول إن مدرسة ابنتها قالت الآن إن الطفلة غير مؤهلة للحصول على هذه القسائم.
الجائحة عمّقت أزمتهم
كان علي، وهو طالب لجوء آخر يبلغ من العمر 19 عاماً، يعيش في مكان إقامة مؤقت في لندن منذ حصوله على حق اللجوء في أكتوبر/تشرين الأول 2018. ويقول إنه يجد الأمر "صعباً جداً" أن يحصل على طعام ملائم لنفسه خلال الجائحة؛ نظراً إلى أنه مضطر للتسوق في المتاجر المحلية، حيث يكون الطعام أغلى ثمناً، إضافة إلى فقد الدعم المقدم من الجمعيات الخيرية التي لم تعد تعمل في الوقت الراهن.
يقول علي: "أبتاع الأرز والخبز والمعكرونة. لا يوجد مال كافٍ لشراء أي شيء آخر مثل الزبادي أو الفاكهة أو السلطة. بل لا يمكنني شراء التفاح". ويضيف: "نظامي الغذائي صار غير صحي الآن، فيقتصر على الخبز والمعكرونة والأرز. قبل ذلك، كان هناك بعض بنوك الطعام والمنظمات الخيرية، كنت أتطوع وكانوا يدعمونني بالطعام، ولكنها حالياً ليست موجودة. ونظامي الغذائي أسوأ بكثير. إنه محبط للغاية".
ويوضح صاحب الجنسية الإيرانية، الذي يدرس الإنجليزية، قائلاً: "قبل ذلك، كنت أستطيع استخدام الواي فاي الخاص بالكلية كي أتحدث مع أبوي وأصدقائي في وطني وفي البلاد الأخرى، لكن الكلية مغلقة حالياً. ويجب عليّ الاتصال بالإنترنت من أجل دورتي الدراسية، ولكن هل أستطيع أن أحضر الصف الدراسي الآن؟ ليس لديّ باقة كافية ولا مساحة كافية على هاتفي الجوال. إنني أكافح لأداء أعمال الكلية. وأحياناً لا أستطيع أن أؤديها. ومبلغ الـ 37 جنيهاً إسترلينياً أسبوعياً ليس كافياً".
ظروف يائسة
من جانبه، يقول توفيق حسين، مدير قسم القانون العام في مكتب دنكان لويس للمحاماة، إن الدليل كان "ساحقاً" على أن طالبي اللجوء الضعفاء يعيشون في ظروف "يائسة" وإن مستويات الدعم الحالية كانت "غير كافية". وأضاف: "بريتي باتل لم تعد تستطيع الاختباء خلف جهلها. وهذا النقص الوجودي كان يشير إليها خلال جلسة الاستماع الأخيرة مع اللجنة البرلمانية المختارة، وقد خانتها إجابتها وأوضحت أنها مرة أخرى لم تكن تعبر عن المذكرة التي لديها".
وأضاف: "والآن بعد أن رأت وزيرة الداخلية الأدلة من الجمعيات الخيرية للاجئين وبعد أن سلطت المعلومات الواردة في مراسلات ما قبل التقاضي الضوء على التدابير اليائسة التي يتبناها طالبو اللجوء ليبقوا على قيد الحياة خلال هذه الفترة، نأمل أن تغير مسارها، وبشكل عاجل".
ردد أليكس فريزر، مدير دعم اللاجئين والمحافظة على الأسرة في الصليب الأحمر البريطاني، نفس التصريحات، قائلاً: "طالبو اللجوء يتوجب عليهم اتخاذ اختيارات مستحيلة كل يوم: إما أن يشتروا حفاضات لأطفالهم أو يشتروا الطعام، ويكون هذا أكثر صعوبة الآن في ظل أن عديداً من الأشخاص يعتمدون على متاجرهم المحلية القريبة، التي تكون بضائعها أغلى ثمناً من الأسواق التجارية الكبيرة".
وأضاف: "ينتابنا القلق كذلك في الصليب الأحمر البريطاني بشأن أثر هذه الأعباء المالية على الرفاه الاجتماعي والنفسي، نظراً إلى أن الأشخاص مرة أخرى يُجبرون على الاختيار بين شحن باقات هواتفهم ليتحدثوا مع أصدقائهم وعائلاتهم أو شراء الطعام ومنتجات النظافة كي يبقوا آمنين".
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية: "لن نعلق على الإجراءات القانونية، لكننا قلنا بالفعل إننا نستعرض مستوى المخصصات النقدية الممنوحة لطالبي اللجوء مثلما نفعل كل عام".