سباق مع الزمن للعودة إلى ما قبل كورونا، فكيف يأمن العالم شرَّ الوباء القاتل؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/04 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/04 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
الكمامات والتباعد الاجتماعي شروط أساسية / رويترز

عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل الوباء القاتل لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد هو القرار الذي اتخذته دول العالم وبدأت بعضها بالفعل في تنفيذه، فهل يعني ذلك أن الاقتصاد أهم من إنقاذ الأرواح من فيروس كورونا الذي لا يزال طليقاً دون لقاح أو علاج؟ بالقطع لا، فكيف تضمن الحكومات أن تكون العودة آمنة؟

ما رأي منظمة الصحة العالمية؟

كانت منظمة الصحة العالمية على لسان مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبرسيوس قد وضعت ستة شروط على كل دولة أن تلتزم بها أو تضمن تطبيقها قبل البدء في رفع الإغلاق والإجراءات الاحترازية؛ أولها السيطرة على انتقال العدوى أي احتواؤها وثانيها أن يكون النظام الصحي قادراً على "اكتشاف واختبار وعزل ومعالجة كل الحالات المصابة وتتبع كل الأشخاص المخالطين".

ورابع تلك الشروط تطبيق الإجراءات الوقائية بشكل كامل في المدارس وأماكن العمل وأماكن التجمعات الضرورية الأخرى وخامسها التأكد من إمكانية "التحكم في خطر حالات الإصابة الجديدة القادمة من الخارج"

مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس – رويترز

وآخر وأهم تلك الشروط يتعلق بالتوعية التامة والمشاركة الفعالة والالتزام المطلق من جانب المجتمعات بفكرة العيش في ظل الظروف الجديدة.

استراتيجية العودة التدريجية

بداية لا توجد حتى الآن استراتيجية عالمية موحدة للخروج من الإغلاق والإجراءات الوقائية الصارمة التي يخضع لها مليارات البشر حول العالم بغرض السيطرة على تفشي الفيروس القاتل شديد العدوى والذي أصاب حتى كتابة التقرير اليوم الإثنين 4 مايو/أيار أكثر من 3 ملايين 583 ألف شخص وأودى بحياة ما يقرب من ربع مليون شخص.

والسبب في ذلك هو حالة الجدل الدائر حول دور منظمة الصحة العالمية، بعد تزايد الاتهامات لها ولمديرها غيبرسيوس بمجاملة الصين المتهمة بإخفاء حقيقة الفيروس في بداية ظهوره في مدينة ووهان، وبالتالي تتعامل كل دولة بمفردها وتضع استراتيجيتها الخاصة بعد نحو ثلاثة أشهر من تطبيق الإجراء الوحيد الذي أثبت فعاليته في مواجهة الوباء وهو الإغلاق والحظر والتباعد الاجتماعي.

وفي هذا الإطار قامت كل دولة حول العالم بدراسة موقف الوباء على أراضيها ووضعت استراتيجيتها الخاصة، وإن كانت هناك مشتركات أبرزها العودة التدريجية على مراحل تستمر كل مرحلة ثلاثة أسابيع، ثم تتم عملية التقييم قبل اتخاذ قرار استمرار تخفيف الإجراءات أو إعادة تشديدها.

لماذا مددت اليابان حالة الطوارئ؟

اليوم الإثنين أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي تمديد حالة الطوارئ في البلاد إلى نهاية مايو/أيار الجاري، في أعقاب اجتماع مع فريق العمل الحكومي الذي يتعامل مع جائحة فيروس كورونا، بحسب رويترز.

رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي – رويترز

قرار اليابان يأتي في وقت تعمل فيه كثير من الدول على تخفيف إجراءات العزل العام، رغم أن اليابان لم تشهد انتشاراً للفيروس على نطاق هائل مقارنة ببعض الدول الأخرى في العالم، فإن فيروس كورونا المستجد أصاب أكثر من 15 ألفاً وحصد أرواح 538 في البلاد، وفقاً لما ذكرته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية.

لكن حالة الطوارئ في اليابان تختلف عن نظيراتها في دول أخرى، حيث إن تمديدها لن يمنع على الأرجح تخفيف الحكومة بعضاً من القيود الحالية المفروضة على النشاط الاقتصادي بسبب الفيروس وذلك بالسماح لأماكن تنخفض فيها مخاطر العدوى نسبياً مثل المتنزهات باستئناف نشاطها، حتى في المقاطعات المتضررة بشدة من الجائحة.

كما أن حالة الطوارئ هناك تمنح لحكام المقاطعات السلطة لمطالبة السكان بالبقاء في منازلهم وإغلاق المؤسسات التجارية، لكن لا يتم تطبيق أي عقوبات جراء عدم الامتثال لتلك المطالب، وهو تفسير مختلف عن الطوارئ المطبقة في الدول الأوروبية ومنها على سبيل المثال بريطانيا.

ماذا عن استراتيجية بريطانيا؟

تقوم الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون -المتعافى من فيروس كورونا- على اتخاذ خطوات محددة تجعل العودة للعمل مرتبطة بشروط صارمة، منها تقصير ساعات العمل وتقليل أعداد الموظفين في كل فترة أثناء اليوم لتفادي التكدس في المواصلات العامة خصوصاً مترو الأنفاق وشبكة القطارات، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت اليوم الإثنين بعنوان: "دوام متداخل وشاشات وقواعد جديدة للنظافة تمثل جزءاً من استراتيجية المملكة المتحدة للخروج من الوباء".

كما تعمل الحكومة حالياً مع شركات التكنولوجيا لتطوير ما يعرف بجواز السفر الصحي، وهو عبارة عن تطبيق يرصد إجراء الاختبار وخاصية التعرف من خلال الوجه وغيرها من الخصائص التي تجعل عودة الموظفين لأعمالهم أقل مخاطرة قدر المستطاع، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان.

بوريس جونسون

الهدف هو إصدار شهادة رقمية تعرف أحياناً باسم "جواز سفر المناعة" بغرض إثبات إذا ما كان الشخص قد أصيب بكوفيد-19 بالفعل، وهي محاولة لتخفيف إجراءات إغلاق النشاط الاقتصادي للحد من وطأة التأثير الاقتصادي الخانق وفي الوقت نفسه طمأنة العاملين في أعقاب رفع إجراءات الإغلاق الحالية.

وقد قدمت شركة Onfido المتخصصة في التعرف على هوية الشخص من خلال ملامح الوجه خططاً تفصيلية للحكومة بشأن ما يمكن تطبيقه في هذا الخصوص على مستوى المملكة المتحدة ككل.

كل هذه الخطط لا تزال قيد الدراسة وعلى الأرجح لن تلجأ الحكومة البريطانية لاستخدام مصطلح "جواز سفر المناعة" بسبب عدم اكتمال الصورة بشأن تطوير المتعافى مناعة ضد الفيروس تمنع إصابته مرة أخرى، كما أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أصدرت تحذيراً شديد اللهجة بشأن محاولات إعطاء تطمينات خادعة للناس عبر "جوازات سفر صحية" من أي نوع.

وفي هذا السياق يقود جونسون محاولة عالمية اليوم الإثنين بدعوته للدول لوضع "جهود عالمية حقيقية" موضع التنفيذ لهزيمة فيروس كورونا حينما يستضيف مؤتمراً دولياً بعنوان "استجابة عالمية" يؤكد من خلاله تبرع بريطانيا بمبلغ 338 مليون جنيه إسترليني لتمويل البحث عن لقاحات واختبارات وعلاجات، ويسعى المؤتمر لجمع تمويل بقيمة تتخطى 8 مليارات دولار.

تعددت الخطط والهدف واحد

استراتيجية العودة التدريجية للحياة ما قبل كورونا إذن تختلف من دولة لأخرى، وحتى من ولاية لأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من حيث التوقيت أو المراحل، ولكن الهدف في النهاية واحد وهو عودة الحياة لما قبل ظهور الفيروس القاتل مع اتخاذ التدابير اللازمة لمحاصرة التفشي قدر المستطاع.

ففي أيسلندا، على سبيل المثال، تعود اليوم الإثنين الحياة للمدارس الثانوية والجامعات التي فتحت أبوابها للطلاب، مع استمرار البلاد في رفع قواعد الإغلاق الصارمة التي طبقتها قبل 7 أسابيع لمكافحة انتشار الوباء وحققت نجاحاً لافتاً، حيث سجلت 1799 إصابة و10 وفيات فقط، لكن الأهم أنه منذ 23 أبريل/نيسان الماضي تراوحت حالات الإصابة الجديدة بين صفر وثلاثة فقط، بحسب تقرير للغارديان.

ويرجع سر نجاح أيسلندا بالأساس للتوسع في إجراءات الفحص والاختبارات والتتبع قبل حتى أن تظهر أي حالة إصابة على أراضيها بشهر كامل، وهو وضع مختلف كثيراً عن بريطانيا أو إيطاليا أو فرنسا.

عودة الحياة إلى أقرب ما يمكن لما كانت عليه قبل تفشي الوباء القاتل إذن خطوة أصبحت حتمية في ظل فقدان الملايين لوظائفهم، حيث تقدم أكثر من 32 مليون أمريكي للحصول على إعانات بطالة خلال شهر أبريل/نيسان الماضي فقط، لكن ذلك لا يعني التغاضي عن خطر الفيروس القاتل الذي لا يزال يهدد حياة البشر، ويحتم وضع استراتيجيات تقوم بالأساس على تطبيق الضوابط التي وضعتها منظمة الصحة العالمية قدر المستطاع.

تحميل المزيد