يتلقون تدريباتهم في أبوظبي بإشراف شركات أمنية.. كيف وصل المرتزقة السودانيون إلى ليبيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/02 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/02 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
وقف إطلاق النار بداية جديدة لمستقبل ليبيا

وثقت وكالة الأناضول لجوء قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر إلى استخدام مرتزقة من السودان في حربها ضد الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، بعد اقتفاء أثرهم بعملية مسح لآلاف الصور ومطابقتها بخرائط الأقمار الصناعية.

وفي خضم الاضطرابات المتواصلة منذ الربيع العربي الذي بدأ عام 2011، تشهد ليبيا في الآونة الأخيرة صراعاً بين مركزي قوة مختلفين. من جهة، هناك الحكومة الليبية، المعترف بها رسمياً من قبل الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي، والمدعومة عسكرياً من تركيا، وفي الجهة المقابلة، قوات ميليشيا حفتر التي أطلق عليها اسم "الجيش الوطني الليبي"، وهي مدعومة من قبل مصر والإمارات وفرنسا.

جيوش من المرتزقة تحت راية حفتر

على الرغم من أن تقارير الأمم المتحدة تشير بشكل كبير لوجود مقاتلين مرتزقة سودانيين في ليبيا تم خداعهم وشراؤهم من قبل شركة "بلاك شيلد" الأمنية (مقرّها الإمارات) إلا أن داعمي حفتر ما زالوا ينكرون وجودهم. حيث عملت الإمارات على إنشاء فصائل عسكرية منهم وتمويلهم وتدريبهم للقتال تحت راية المشير حفتر، والمشاركة في معركة طرابلس.

ومن أكثر العناصر الأجنبية لفتاً للانتباه بين قوات حفتر، ميليشيات الجنجويد، ذات السجل الإجرامي في السودان، والمتمردون التشاديون، ومرتزقة شركة "فاغنر" الروس. 

هذا الانخراط الكبير للمرتزقة الأجانب في إراقة دم الليبيين تناولته تقارير الأمم المتحدة أيضاً، لكن يتم تجاهله من قبل حفتر وداعميه. مراسلو وكالة الأناضول، تتبعوا عبر معطيات مرئية أثر المرتزقة السودانيين الذين يستخدمهم حفتر بدعم من الإمارات العربية المتحدة. 

تتبع أثر المرتزقة السودانيين في ليبيا

تقول "الأناضول" في تحقيقها الذي نُشر السبت 2 مايو/أيار: في المرحلة الأولى من البحث، أجرى المراسلون عملية مسح كامل لكل النصوص والتقارير المكتوبة التي تحتوي على عبارات "المرتزقة السودانيون" و"ليبيا".

وفقاً للمعلومات التي حصلوا عليها، فإن المقاتلين السودانيين يتلقون تدريبات عسكرية لمدة 3 شهور في منطقة غياثي (230 كلم غرب العاصمة الإماراتية أبوظبي). 

وبعد خضوعهم للتدريبات، يتم نقلهم إلى المطارات القريبة من مدينتي بنغازي (1000 كلم شرق طرابلس)، وسرت (450 كلم شرق طرابلس)، وميناء رأس لانوف النفطي (650 كلم شرق طرابلس)، وقاعدة الجفرة الجوية. ومنها يتم فرزهم إلى مناطق مختلفة من البلاد ليحاربوا الحكومة الليبية. 

وفي إطار البحث، فحص مراسلو "الأناضول" المعطيات المرئية التي تشير إلى وجود المقاتلين السودانيين في المدن المذكورة. لكن تجاهلوا مقاطع الفيديو التي التُقطت في أماكن مغلقة تخصّ مواقع مختلفة أو من المستحيل التحقق منها. ليتبقى عدد قليل من الفيديوهات. 

ووقع الاختيار على فيديو يحمل عنوان "المرتزقة السودانيون يقاتلون في بنغازي من أجل حفتر"، من أجل تحليله. 

نظراً للاستخدام النشط للحساب الذي أُخذ الفيديو منه، على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكون الصور التي تم تحميلها من ليبيا فقط، فإن ذلك عزّز احتمال تصوير الفيديو في بنغازي. واستخدم مراسلو الأناضول تقنية "تحديد المواقع"، للتأكد بنسبة مئة في المئة.

يظهر في الفيديو ما بين 100 إلى 200 مقاتل سوداني وهم يُقسمون على القتال لصالح حفتر، وتم رسم خريطة من منظور علوي، من خلال إخراج تسلسل المباني التي تظهر في الفيديو.  

التحقق بواسطة صور الأقمار الصناعية

على الرغم من الضباب الشديد في المكان الذي سجّلت فيه المشاهد، فإنه عند النظر بدقة، يوجد في الخلفية هياكل وأجسام يعتقد أنها خزانات نفط وأعمدة إنارة صناعية حولها. 

هذه المعطيات تشير إلى أن المكان عبارة مصفاة نفط أكثر من كونه قاعدة عسكرية. في هذه المرحلة، تم فحص المنشآت النفطية في بنغازي من خلال خدمة Google Earth الفضائية. 

لكن تسلسلات مباني المنشآت هنا لم تتطابق مع الرسم الذي أعده مراسلو الأناضول. في وقت لاحق، تم التحقق من صور الأقمار الصناعية واحدة تلو الأخرى بعد إعداد قائمة عن جميع مصافي النفط في ليبيا. 

تم العثور على تسلسل المباني المطلوب في منشأة مصفاة بالقرب من الجفرة الواقعة في المرتبة 51 من القائمة. المنشأة المذكورة تطابقت إلى حد كبير مع رسم مراسلي الأناضول.  

تطابق النتائج 

لكن عملية التأكد استمرت نظراً لأن صور الأقمار الصناعية العائدة للمنشأة تم تحديثها آخر مرة في عام 2016 وبسبب ظهور اختلافات مع بعض المباني الموجودة في رسم الأناضول. تم البحث عن اسم المنشأة في وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، والعثور على حساب على فيسبوك مفتوح باسمها ومنشور فيه أكثر من 2000 صورة.  

وتمت مقارنة الصور التي اختيرت من بينها، بالرسم الذي أعده مراسلو الأناضول وصور الأقمار الصناعية. جميع البيانات الثلاث متطابقة مع تسلسل المباني في الفيديو. 

وبناءً على ذلك، فإن الفيديو الذي أقسم فيه المرتزقة السودانيون على القتال باسم حفتر، تم تصويره من حقل زلة النفطي 74-ب الواقع في محافظة الجفرة (وسط). 

تظهر جميع نتائج التحليل للبيانات بكل وضوح استخدام حفتر، المرتزقة السودانيين في عملياته القتالية ضد الحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا، بعد أن ضمهم إلى صفوفه.

يتدربون في الإمارات، ويتدفقون بأعداد كبيرة إلى ليبيا

وكانت صحيفة الغارديان البريطانية، قد نشرت تقريراً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يتحدث عن استمرار تدفق آلاف المرتزقة السودانيين إلى ليبيا، حيث قال قادة عسكريون تابعون لقوات حفتر للصحيفة، إنهم استقبلوا مئات المجندين السودانيين الجُدد مؤخراً، مشيرين إلى أنه يوجد ما لا يقل عن 3000 مقاتل سوداني في ليبيا، وهذا رقم أعلى من التقديرات السابقة.

وذكر أحد القادة المتمركزين في جنوب ليبيا للصحيفة قوله: "يأتي الكثير من الشباب، ولا نملك القدرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة". وذكر تقرير الصحيفة البريطانية أن مقاتلين سودانيين موجودين في ليبيا حالياً كانوا ذاتهم من قاتلوا في دارفور في فترة سابقة خلال معارك خاضتها ميليشيات هناك ضد النظام في الخرطوم.

قال أحد قادة المرتزقة السودانية الذين قابلتهم الصحيفة: "أعلم أننا مرتزقة ولا نقاتل بشرف وكرامة، لكن هذا مؤقت، سنعود إلى ديارنا بعد الانتهاء من مهمتنا هنا". وبحسب الصحيفة، فهؤلاء المرتزقة يأتون لكسب المال خلال سنة أو سنتين أو أكثر، وحالما يهدأ الصراع، يأملون بالعودة إلى السودان.

وكانت صحيفة "لوفيف" البلجيكية الناطقة بالفرنسية، قد نشرت تقريراً الجمعة 1 مايو/أيار، حول دور شركة "بلاك شيلد" الأمنية الإماراتية في دعم وتدريب وتمويل المرتزقة السودانيين، وإرسالهم إلى ليبيا.

حيث أوردت الصحيفة أن أبوظبي تجنّد وتدرّب مئات السوادنيين وترسلهم قسراً للقتال بجانب حفتر في ليبيا، بعد خداعهم بوظائف وهمية على أراضيها. وأضافت الصحيفة أن شركة "بلاك شيلد" الإماراتية تنشر إعلانات في السودان، تفيد ببحثها عن شباب للعمل "حراساً أمنيين" في منشآت نفطية بالإمارات، مستغلة عدم الاستقرار السياسي والمشاكل الاقتصادية والبطالة في السودان.

موضحةً أن مئات الشبان السودانيين يقدمون طلباتهم للعمل في هذه المنشآت المزعومة، لقاء 500 دولار شهرياً. وأوردت تصريحات لسودانيين، قُبلت طلبات عملهم في الشركة الإماراتية، حيث أكدوا أنهم بمجرد وصولهم إلى الإمارات صُودرت جوازات سفرهم، ومن ثم أُخضعوا لدورات تدريبية عسكرية 3 أشهر، ضمن معسكر في منطقة غياثي في أبوظبي.

تحميل المزيد