التوتر بين إيران وأمريكا هو سمة العلاقات بينهما منذ أكثر من أربعة عقود، والتصعيد الأخير -حيث هدد الرئيس الأمريكي بتدمير الزوارق الحربية لطهران إذا ما تحرشت بالقطع البحرية الأمريكية- ربما يكون بداية لحلقة جديدة من هذا التوتر، فهل تكون أفغانستان الساحة الأفضل لإيران في هذه الجولة؟
موقع ذا ديلي بيست الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "الولايات المتحدة وإيران يتجهان إلى حرب جديدة بالوكالة في أفغانستان"، تناول الأسباب التي قد تجعل إيران تسعى لمهاجمة المصالح والقواعد الأمريكية في البلد الذي وعد ترامب بالانسحاب منه.
ساحات المواجهة متعددة
في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الأمريكي والبيت الأبيض لمواجهة مع إيران في أعالي البحار أو في العراق، تبرز أفغانستان كساحة معركة أكثر احتمالية.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد كتب في تغريدة له الأسبوع الماضي: "لقد أمرت البحرية الأمريكية بإطلاق النار وتدمير جميع الزوارق الحربية الإيرانية إذا تحرشت بسفننا في البحر". وجاءت التغريدة بعد مناورات خطيرة أجرتها زوارق حربية إيرانية، في 15 أبريل/نيسان، بالقرب من سفن حربية أمريكية في الخليج. ومن جانبه، توعد القائد العام للحرس الثوري الإيراني بـ"ردٍّ ساحق" على أي عمل من هذا القبيل.
وتظهر الحادثة والتهديدات التي تلت ذلك أنه حتى لو تركّز معظم الاهتمام على جائحة كورونا، التي كانت لها آثار شديدة الوطأة على كل من إيران والولايات المتحدة، فإن أمارات الحرب التي يجري الاستعداد لها لا تنفك تشتد قوةً يوماً بعد يوم.
نقطة الضعف الأمريكية
مع ذلك، فإن واقع الأمر أن الأمريكيين أكثر عرضة للخطر في أفغانستان، ومن المرجح أن تكون أراضيها الساحة المفضلة لهجمات إيران بالوكالة على المصالح الأمريكية، لعدة أسباب: أولها هو أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قآني، لديه خبرة في أفغانستان تعود إلى ما يقرب من ربع قرن.
ويتولى فيلق القدس قيادة عمليات إيران خارج حدودها، غالباً عن طريق تدريب وتنظيم الميليشيات التي تستخدم في القتال وشن العمليات السرية والأنشطة الإرهابية، لدعم أهداف إيران الإقليمية. ولسنوات طويلة كان قائد فيلق القدس هو الجنرال قاسم سليماني، وقد عُرف بنشاطه البارز في العراق وسوريا ولبنان، وحظيت شخصيته بمكانة تشبه العبادة في إيران نفسها. غير أنه قُتل في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، بقصف من طائرة أمريكية بدون طيار في العراق.
وعُيّن قآني على الفور خلفاً لسليماني، بعد أن كان نائباً له في قيادة الفيلق منذ أواخر التسعينات. لكن بينما ركّز سليماني في المقام الأول على الدول الواقعة غرب إيران، كان قآني يضطلع بالعمل في الدول الواقعة إلى الشرق، خاصة أفغانستان.
فرصة لخليفة سليماني
اليوم، من المستبعد أن يفوت قآني الفرصة لضرب الولايات المتحدة عبر هذه الثغرة، إذ يصارع الأمريكيون حالياً من إجل إنقاذ اتفاق السلام الذي عقدوه مع طالبان الأفغانية لإعطاء ترامب مخرجاً من "الحرب التي لا تنتهي" هناك، قبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، غير أن طالبان حذّرت بالفعل من أن اتفاق السلام الذي أُعلن عنه في فبراير/شباط، يوشك على الانهيار، ومن ثم لا تحتاج إيران لبذل الكثير من الجهد لتحطيم الاتفاق وسط تصاعد العنف الحادث بالفعل والخلافات المريرة بين طالبان والحكومة الأفغانية.
كان قآني، الذي عُيّن نائباً لقائد فيلق القدس في عام 1997، قد عمل على دعم تحالف الشمال الأفغاني في الحرب الأهلية ضد طالبان في التسعينات، وفي وقت كانت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تحاول أيضاً العمل مع زعيم التحالف أحمد شاه مسعود، ومع ذلك، فإن إقدام تنظيم القاعدة على اغتيال مسعود قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، على الولايات المتحدة قلبَ كل هذه العلاقات رأساً على عقب.
وليس من الواضح ما هو الدور الذي اضطلع به قآني أو سليماني فيما تلا ذلك عندما كانت إيران تتعاون مع واشنطن، في محاولة لتحقيق الاستقرار في الوضع الأفغاني في أواخر عام 2001، لكن بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في أوائل عام 2002 أن إيران جزء من "محور الشر"، انتهى التقارب الدبلوماسي، وعاد العمل السري، وإن لم يكن قد توقف بالكامل قط، ليهيمن على العلاقات مرة أخرى.
تخريب اتفاق السلام
في الآونة الأخيرة، قام قآني ببعض الرحلات إلى أفغانستان، عندما كان العمل مع "لواء فاطميون"، الذي يُعرف أحياناً بحزب الله الأفغاني، في ذروته عام 2018، وكانت إيران قد أسّست التنظيم قبلها بأربع سنوات، واستخدمته في الحرب السورية دعماً لحليفها بشار الأسد، وزار قآني كابول في عام 2018 وأجرى محادثات مع قادة الحكومة الأفغانية، الرئيس أشرف غني، ورئيس السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) عبدالله عبدالله، وهو منتم سابق إلى تحالف الشمال.
بعد توقيع اتفاقية السلام التي أُبرمت في الدوحة بقطر، بذلت الولايات المتحدة جهودها لدفع عملية السلام إلى الأمام. واتفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو على سحب جميع القوات في غضون 14 شهراً مقابل ضمانات أمنية من طالبان، بألا تسمح بأن تصبح أفغانستان قاعدة انطلاق للهجمات الإرهابية العالمية.
وفي ظاهر الأمر، تبدو العلاقات بين فيلق القدس وطالبان معقدةً بالنظر إلى دعم إيران السابق لخصومها في تحالف الشمال، لكن ذلك كان منذ زمن طويل، ومنذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول، شهدت أفغانستان تغيراً في التحالفات والولاءات، بعضها علني، وبعضها ليس كذلك.
ويقول سام هندريكس، وهو باحث في معهد لووي للسياسة الدولية بسيدني: "إن أي تحالف علني بين إيران وطالبان سينظر إليه كثير من الأفغان على أنه خيانة بكل تأكيد، حتى وإن كان تغيير التحالفات طبيعة راسخة في أفغانستان".
ويضيف هندريكس: "بوجه عام، فإن إيران ظلت مقيدة على نحو ملحوظ في تعاملاتها مع الأفغان منذ عام 2001، لاسيما بعد ما اعتبرته خيانة شخصية لها من الولايات المتحدة، التي كانت إيران قد دعمتها لهزيمة طالبان، وعقد اتفاق بون [لتقاسم السلطة وبناء حكومة مستقرة]، ثم بعد ذلك بوقت قصير تصنيفها على أنها جزء من محور الشر"، وهو ما يدفع هندريكس إلى القول إن إيران "يبدو أن لديها الآن فرصة لضرب الولايات المتحدة في نقطة ضعف".
وتضم الأدوات المتاحة لقآني إذا قرر فعل ذلك آلافاً من مقاتلي ميليشيات "لواء فاطميون" الأشداء، والتي تتكون في الأساس من أفراد ينتمون إلى الأقلية الشيعية في أفغانستان، بالإضافة إلى أي تعاون ضمني أو سري مع طالبان نفسها.
ومن ثم يمكن القول إن إيران، على خلاف المتوقع من جهة تمركزها في العراق أو مياه الخليج والمحيط الهندي، قد توجه تمركزها في جارتها الشرقية أفغانستان لجعل الأمريكيين يعانون في وقت يحاولون فيه انتزاع أنفسهم من هناك. السؤال الحقيقي الوحيد هو ما إذا كانت إيران تريد لهم الخروج من هناك عاجلاً أم آجلاً.