تدور حالياً في كواليس مجلس الأمن الدولي تحضيرات لمواجهة مرجحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى بشأن تمديد حظر الأسلحة الأممي المفروض على إيران، فما قصة الاستراتيجية الأمريكية التي تعيد إحياء الاتفاق النووي؟
ما قصة حظر الأسلحة على إيران؟
بموجب الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015 بين الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما وقتها وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (خطة العمل الشاملة 6+1)، من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
الهدف من الاتفاق كان منع إيران من تطوير برنامجها النووي عسكرياً وإنتاج أسلحة نووية، لكن مع وصول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، هدّد بالانسحاب من الاتفاق واصفاً إياه بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق"، ونفذ تهديده بالفعل عام 2018 وانسحب من الاتفاق بشكل أحادي وأعاد فرض عقوبات أمريكية على إيران، في إطار استراتيجية الضغط الأقصى التي تهدف لخنق إيران اقتصادياً لإجبارها على التفاوض مرة أخرى وتوقيع اتفاق بشروط جديدة لا تشمل فقط أنشطة برنامجها النووي ولكن أيضاً برنامج الصواريخ الباليستية والتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن من خلال الميليشيات التابعة لها.
ووصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى حافة الاشتباك المسلح أكثر من مرة خلال العام الماضي ووصل ذروته مطلع يناير/كانون الثاني الماضي مع إقدام واشنطن على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وردت إيران باستهداف قواعد عسكرية للقوات الأمريكية في العراق وأسقطت طائرة ركاب مدنية أوكرانية بطريق الخطأ أثناء العملية.
ومع اقتراب موعد رفع الأمم المتحدة قرار حظر توريد الأسلحة إلى إيران، تجد إدارة الرئيس الأمريكي ترامب نفسها في مأزق حقيقي، فالانسحاب من الاتفاق النووي جاء من طرف واحد بينما حافظت إيران وباقي الأطراف على الاتفاق، رغم الخطوات التي اتخذتها طهران تدريجياً للتخفف من شروطه، ومحاولات بريطانيا وفرنسا وألمانيا إيجاد بدائل للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
كيف تريد واشنطن مواجهة المأزق؟
التقارير الصادرة عن كواليس المعركة المتوقعة في مجلس الأمن الدولي تشير إلى أن إدارة ترامب تهدد بتفعيل أحد بنود الاتفاق الذي انسحبت منه لفرض تشديد الحظر على الأسلحة لإيران وتشديده، لكن دبلوماسيون قالوا لرويترز أمس الإثنين 27 أبريل/نيسان إن واشنطن ستواجه معركة صعبة وفوضوية إذا استخدمت التهديد لتفعيل عودة جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران كوسيلة ضغط لحمل مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً.
وكشفت واشنطن استراتيجيتها، التي أكدها مسؤول أمريكي تحدث لرويترز شريطة عدم الكشف عن هويته، لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأعضاء في المجلس والأطراف في الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب بشكل أحادي أغضب باقي الموقعين.
وأكد المسؤول الأمريكي أن مسوّدة قرار صاغته الولايات المتحدة لتمديد الحظر سُلمت لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكن دبلوماسيين بالأمم المتحدة قالوا إنها لم تقدم لباقي أعضاء المجلس وعددهم 11، بما في ذلك روسيا والصين.
فيتو روسي-صيني متوقع
يحتاج أي قرار يصدر من مجلس الأمن إلى تسعة أصوات مؤيدة مع عدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو)، وقال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة ستجد صعوبة على الأرجح في حمل روسيا والصين على السماح بتمديد حظر الأسلحة.
وتوقع دبلوماسي في مجلس الأمن -طلب عدم نشر اسمه- أن مسودة القرار الأمريكي "سيتم وأدها لدى وصولها"، ولم ترد البعثتان الروسية والصينية لدى الأمم المتحدة على الفور على طلبات للتعليق.
وإذا لم يمدد المجلس الحظر المفروض على الأسلحة، فإن الخطوة التالية في الخطة الأمريكية ستكون محاولة تفعيل ما يسمى عودة جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بما في ذلك حظر الأسلحة، باستخدام أحد البنود في الاتفاق النووي.
معركة قانونية فوضوية
دبلوماسي أوروبي -طلب عدم كشف هويته- لخّص الموقف الأمريكي بقوله لرويترز إنه "من الصعب للغاية تقديم نفسك كمراقب للامتثال لقرار قررت الانسحاب منه.. إما أن تكون طرفاً أو لا".
لكن وثيقة قانونية لوزارة الخارجية الأمريكية، اطلعت عليها رويترز أواخر العام الماضي، أفادت بأنه لا يزال بإمكان واشنطن تفعيل العقوبات لأنها لا تزال تحمل صفة المشارك في الاتفاق في قرار الأمم المتحدة لعام 2015 الذي يكرّس للاتفاق النووي.
وقال بعض دبلوماسيي الأمم المتحدة إنه رغم انقسام الآراء القانونية حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة القيام بذلك، فإن الأمر متروك لأعضاء المجلس في نهاية المطاف ليقرروا ما إذا كانوا سيقبلون شكوى أمريكية من عدم تحرك إيران، وقال دبلوماسيون إنها خطوة ستُقابل على الأرجح بالتحدي.
وقال مسؤول أوروبي، طلب عدم نشر اسمه: "سيكون الأمر فوضوياً من وجهة نظر مجلس الأمن لأنه بغض النظر عما تعتقده (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) فإن روسيا والصين لن توقعا على هذا التفسير القانوني".
ورفض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الخطة الأمريكية في تغريدة أمس الإثنين، داعياً واشنطن إلى "الكفّ عن الحلم".
وخرقت إيران عدة قيود مهمّة حددها الاتفاق النووي، بما في ذلك ما يتعلق بمخزونها من اليورانيوم المخصب، رداً على الانسحاب الأمريكي وإعادة فرض واشنطن للعقوبات الأحادية التي خفضت صادراتها من النفط. ويحاول الأوروبيون إنقاذ الاتفاق، لكنهم لم يحرزوا سوى تقدم ضئيل.
ولطالما كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يضغط على مجلس الأمن لتمديد حظر الأسلحة، وإجراء "التفتيش في الموانئ وأعالي البحار، لإحباط جهود إيران المستمرة للتحايل على القيود المفروضة على الأسلحة" ومنعها من العمل على الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية.