نتابع التداعيات الكارثية لوباء كورونا على النشاط الاقتصادي بشكل عام وصناعة النفط وانهيار أسعاره بشكل خاص، لكن المثل الشهير "مصائب قوم عند قوم فوائد" ينطبق على مجال صناعة البلاستيك حول العالم، فكيف استفادت تلك الصناعة؟ وما مخاطرها على العالم بعد نهاية كورونا؟
فرصة لتعويض الخسائر
موقع شبكة RFI – Radio France International نشر اليوم تقريراً بعنوان: "تسونامي البلاستيك يهدد عالم ما بعد كوفيد 19″، تناول تداعيات الخسائر الكارثية التي تهدد صناعة النفط حول العالم، وكيف أن زيادة صناعة البلاستيك تمثل مخرجاً سريعاً للشركات لتقليص خسائرها، فالنفط هو المكون الرئيسي في صناعة البلاستيك.
ويصف تقرير بعنوان "النفط من منظور المادة الخام" نشره موقع الاستطلاع الجيولوجي في فنلندا، اقتصاديات صناعة النفط بشكل تفصيلي، ذاكراً أن 10% من الإنتاج العالمي من مصافي تكرير النفط أي نحو 650 طناً سنوياً يستخدم كمادة خام أساسية في صناعة البلاستيك.
وقد زاد الطلب على البلاستيك بصورة فاقت جميع المواد الأخرى مثل الصلب والألومنيوم أو الإسمنت، وتضاعف هذا الطلب تقريباً منذ بداية الألفية، بحسب التقرير، وتقول جوديث إنك، مديرة سابقة بهيئة حماية البيئة الأمريكية، إن صناعة النفط تبحث بشكل متزايد عن "سوق بديل في ظل كون الطلب على النفط يتراجع في مجالات مثل توليد الكهرباء والنقل أيضاً مع تحول كثير من الناس إلى السيارات والحافلات الكهربائية".
والبديل الذي ركزت عليه شركات النفط هو صناعة البلاستيك بغرض التغليف، وقد أصبح ذلك ملحوظاً في الحياة اليومية على مدى السنوات الأخيرة، وأضافت إنك "عندما أذهب إلى السوبر ماركت لأشتري خبز، لابد من تغليفه بالبلاستيك".
وكمثال على هذا التوجه نجد أن إحدى الشركات النفطية العملاقة وهي شركة شل، تقوم حالياً بإنشاء مجمع بتروكيماويات ضخم في بينسيلفانيا بتكلفة 6 مليارات دولار لإنتاج 1.6 مليون طن من الإيثيلين ووحدة لإنتاج مشتقات البولي إيثيلين، وهي المكونات الأساسية لتصنيع البلاستيك، وسيعمل فيها 8 آلاف موظف، وتسببت إجراءات الإغلاق الاقتصادي بسبب كوفيد 19 في توقف الإنشاء مؤقتاً.
تخفيف القيود البيئية
وبسبب تداعيات وباء كورونا أصدرت هيئة حماية البيئة الأمريكية تخفيفاً للقيود التي تفرضها على المخلفات ومعالجتها ومنها بالطبع المنتجات البلاستيكية من أكياس وعبوات وزجاجات وغيرها، ومن ذلك تعليق الغرامات المالية والمحاضر وغيرها من الإجراءات العقابية. تلك الإجراءات تهدف بالأساس لحماية البيئة، لكن في ظل خطر الوباء أصبحت سلامة المواطنين مقدمة على الحفاظ على البيئة.
وكان توني رادوزيسكي، رئيس جمعية صناعة البلاستيك، قد أرسل خطاباً شديد اللهجة لوزير الصحة الأمريكي أليكس إيزار محتجاً بشدة على "محاولات منع استخدام العبوات البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة على أي مستوى محلي أو مستوى الولايات أو فيدرالياً بالطبع".
رادوزيسكي استشهد بدراسات تظهر كيف أن استخدام "العبوات التي يمكن إعادة استعمالها أكثر من مرة تسهم في نقل الفيروسات والبكتيريا وتنشرها في متاجر البقالة، والفيروس يمكنه البقاء حياً على الأسطح لثلاثة أيام"، مطالباً البيت الأبيض "بوقف التحرك السريع لحظر تلك المنتجات من جانب أنصار البيئة والمسؤولين المنتخبين"، لكن إنك وصفت الخطاب بأنه "مضلل ومجرد خطوة تهدف لتحقيق أغراض خاصة (بصناعة البلاستيك)".
تحذير من تسونامي البلاستيك
ونشرت المديرة السابقة لهيئة حماية البيئة مقالاً في مجلة نيوزويك حذرت فيه من طوفان البلاستيك الذي لن تظهر مخاطره البيئية على العالم إلا بعد نهاية وباء كورونا، مضيفة أن "الوباء ربما يكون قد أوقف الحركة البيئية بشكل مؤقت وقصر عملها على الفضاء السيبراني، لكن هذا لا يعني أن الصناعات الملوثة للبيئة ستفلت باستغلالها لكارثة الوباء لتحقيق أرباح على حساب البيئة والصحة العامة".
كما أبدت اعتراضها على إصرار صناعة البلاستيك على إعادة التدوير، وقالت إن "معدل إعادة تدوير البلاستيك لا تتخطى 8.5%، وهو ما يعني أن 90% من المنتجات البلاستيكية التي يتم بيعها في الأسواق لا تخضع لإعادة التدوير، أي أنها تنتهي في مقالب القمامة أو على الأرجح في البحار والمحيطات حيث تتحلل إلى جزيئات دقيقة تأكلها الأسماك ومن ثم يأكلها البشر عند تناول أنواع من الأكلات البحرية كالجمبري والمحار وغيرها.
منع العبوات البلاستيكية العام المقبل
كان الاتحاد الأوروبي قد أطرح في مارس/آذار مشروع قانون يحظر المنتجات البلاستيكية التي تستعمل مرة واحدة في محاولة لخفض التلوث البحري، ويشمل التشريع عدداً كبيراً من المنتجات يدخل حيز التنفيذ العام المقبل 20121 ويهدف إلى منع 90% من المنتجات الملوثة للبيئة بحلول عام 2029، في ظل مبدأ "تغريم من يلوث البيئة"، وكان البرلمان الأوروبي يأمل في استكمال الخطوات النهائية للقانون ليدخل حيز التنفيذ العام المقبل.
لكن جائحة كورونا فرضت نفسها على كل الأنشطة والمجالات، وجاءت كارثة انهيار أسعار النفط لتمثل دفعة غير متوقعة لصناعة البلاستيك التي انتعشت بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الماضية، ومع العزل المنزلي الذي يعيشه نحو ثلث سكان الكوكب، فإنه من المتوقع أن يشهد عالم ما بعد كورونا طوفاناً حقيقياً من البلاستيك سيظهر بشكل تدريجي ولا أحد يعرف كيف سيكون تأثيره على التلوث البيئي خصوصاً البحار والمحيطات.
أمل لصناعة النفط
انهيار أسعار النفط زاد الأمر تعقيداً، حيث أدى إلى تراجع كبير في أسعار البلاستيك، وهو ما أدى بدوره لأن يصبح إعادة التدوير عبئاً اقتصادياً لا طائل من ورائه، ما لم تقترن عمليات التدوير بالدعم الحكومي، وتطبيق قاعدة الملوّث يدفع.
ويُنتج العالم حالياً نحو 450 مليون طن من المواد البلاستيكية في السنة، وقد أثر انتشار فيروس كورونا في سلوك المستهلكين في جميع أنحاء العالم، من ناحية تخزين المواد بسبب حظر التجوّل، والخوف من فقدان مواد أساسية من الأسواق، وتفضيل شراء المواد المغلفة على تلك التي تباع من دون تغليف، بسبب مخاوف تتصل بالنظافة.
وتسبب الوباء في زيادة إنتاج المواد البلاستيكية المصنّعة من البوليمرات الخام نتيجة ارتفاع الطلب على مواد التغليف، وانخفاض أسعار النفط، علماً بأن قيمة السوق العالمية للمنتجات البلاستيكية بلغت نحو تريليون دولار في السنة الماضية، أي أننا نتحدث عن صناعة ضخمة تشهد حالياً نمواً متصاعداً.
القصة هنا لا ترتبط فقط بالأوضاع الحالية الناشئة عن انتشار الفيروس بل تصب في إطار أكثر شمولاً يتمثل في اتجاه عام يجعل من سوق البلاستيك محوراً لاستمرار صناعة النفط على المدى البعيد، خاصة مع التحولات في قطاع السيارات الكهربائية، والتوسع في توليد الطاقة من المصادر المتجددة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن المواد الأولية للبتروكيماويات، التي يذهب معظمها لصناعة البلاستيك، قد ترتفع حصتها من 12% من إجمالي الطلب العالمي على النفط اليوم إلى 22% سنة 2040. وترى الوكالة أن المواد الأولية عند هذه المرحلة ستكون المنتج الوحيد في صناعة النفط الذي يحقق نسب نمو متزايدة.