على غير المعتاد في هذا الشهر من كل عام، ستُهجر المساجد، وسيكسر كثيرون صيامهم وهم في عزلة، بل وفي بعض الأماكن، التي اعتاد أذان الصلاة أن يجمع الناس فيها، سينتهي هذا نداء الصلاة بعظة مختلفة: ألا صلوا في بيوتكم، ألا صلوا في رحالكم.
يُعتاد خلال شهر رمضان المبارك أن تزيد الصلوات لتضم صلاة التراويح والتهجد في المساجد، إضافة إلى ولائم الإفطار التي يمكن أن تمتد إلى الساعات الأولى من اليوم التالي في بعض الدول.
غير أن هذا النوع من الاختلاط يحمل في طياته الآن مخاطر انتشار فيروس كورونا، وسيتواصل منع التجمعات الدينية والعائلية في أغلب بلاد العالم الإسلامي، حتى في ظل بدء الحكومات والشركات في إعادة فتح أبواب مؤسساتها.
"لحظة حزينة في تاريخ الإسلام"
يقول محمد الفاعوري، الذي يعمل في منظمة لاجئين بالعاصمة الأردنية عمّان، لصحيفة The Guardian البريطانية: "سيكون صعباً وكئيباً. نظراً إلى أنني أعزب وأعيش وحدي، يعد شهر رمضان الوقت الذي أرى فيه عائلتي أخيراً لأوقات ممتدة من اليوم. إنها أوقات نعزز فيها الروابط".
فيما قال الشيخ عمر الكسواني، إمام ومدير المسجد الأقصى، حيث لا يُسمح بالصلاة فيه إلا للحراس والعاملين: "قلوبنا يعذبها الألم في شهر رمضان المبارك. إنها لحظة حزينة جداً في تاريخ الإسلام".
أما المسجد الجامع، أحد أقدم وأكبر المساجد في منطقة كشمير المتنازع عليها الواقعة جنوب آسيا، حيث يمتلئ على آخره في صلوات التراويح بالمصلين الذي يتجمعون للصلاة ومناقشة أمور الدين والسياسة والحياة، فسيخيم الصمت في باحاته هذا الشهر لأول مرة في الذاكرة الحية.
قالت فاطمة، إحدى سكان سريناغار في كشمير وتبلغ من العمر 74 عاماً: "في رمضان، أصلي جميع الفروض الخمسة في مسجد الجامع، وأفطر هناك كذلك، لكن هذه المرة صارت مسألة حياة أو موت. يوجد خطر في الخارج، وأفضل شيء الاعتزال في البيت، والحفاظ على السكون".
"كورونا احتجزنا كرهائن"
وفي أرجاء فلسطين المحتلة، أُغلقت المساجد، كما أُغلقت الكنائس والكُنس. قال عبدالله أبوجالوس، صاحب متجر أدوات من مدينة رام الله الفلسطينية ويبلغ من العمر 38 عاماً، إن الأمر بدا كما لو أن رمضان قد أُلغي.
وأضاف: "لم أعتقد قط أن فيروساً صغيراً قادر على منعنا من الاحتفال بشهر رمضان. لقد احتجز أكثر من مليار مسلم حول العالم كرهائن".
أدت حالات الإغلاق إلى تقليص جداول إنتاج بعض من المسلسلات التي تشكل جزءاً أساسياً من ليالي رمضان في كثير من المنازل، ما جعل المسؤولين التنفيذيين في القنوات التلفزيونية يسعون جاهدين لشغل وقت البث خلال موسم الإعلانات الأكثر ربحاً.
وفي بريطانيا، سجل أكثر من 1400 شخص لحضور بث أذان المغرب، وسيجري تنظيم المتحدثين من الضيوف عبر تطبيق Zoom عن طريق مشروع خيمة رمضان في المملكة المتحدة، مع السماح للمشاهدين بالانفصال إلى جماعات أصغر من أجل النقاش. قالت رحمة أحمد، المتحدثة باسم المشروع: "لمجرد أنك في حجر صحي لا يعني أنك مضطر لقضاء رمضان وحدك".
"إننا آمنون"
قال أبوإبراهيم (32 عاماً) إنه كان يضع في حسبانه الصعوبات المتعلقة بهذا العام. ففي عام 2011، قضى رمضان تحت وطأة الغارات الجوية في مدينة درعا جنوبي سوريا. وفي السنة التالية، قضى أول يوم في الشهر في محاولة للهروب من دوريات الجيش السورية من أجل الفرار إلى الأردن سيراً على الأقدام.
وأوضح قائلاً: "يقول الناس: كيف سيمر علينا رمضان هذا العام بينما لا نستطيع أن نرى بعضنا، في ظل وجود خطر صحي". وأضاف: "اعتدنا أن نضع الطعام على الطاولة ونستمع إلى أصوات التفجيرات. كنا خائفين من الموت، ومن أن تموت عائلاتنا. فيروس كورونا لا يقلقني. إنني في منزلي مع عائلتي، وإننا آمنون، ولدينا كهرباء وهواتف وطعام".
وقال فائق ذيابات، إمام مسجد باب الريان في عمّان، إن المصلين يبحثون يرجعون إلى التفسيرات النبوية حول التعامل مع هذا الوباء، أوضح ذيابات: "هناك حديث شريف عن الرسول يقول فيه: "إذا سمعتم به [يعني: الطاعون] بأرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه".
وأضاف: "بالمثل، إذا كنا نعرف أن المسلمين الذين يأكلون الثوم والبصل يُنصحون باعتزال المسجد لأن رائحتهما القبيحة ستؤذي المصلين، فمن السهل استنتاج أنك لا تستطيع الذهاب إلى المسجد إذا كان هناك خطر انتشار مرض مُعدٍ".
ولكن هذا الالتزام لا يسري على جميع البلدان الإسلامية
في العقيدة الإسلامية، لا يتفق جميع الأئمة المسلمون مع تفسير ذيابات. إذ يواصل مئات المصلين زيارة المساجد لأداء الصلاة في هراة بأفغانستان، حيث نصح الداعية المتشدد مجيب الرحمن أنصاري، أتباعه مؤخراً بأن الموت بسبب فيروس كورونا يعد نوعاً من الشهادة.
وفي مكان ليس بعيداً عن أنصاري، قال مولوي حيدر زمان، وهو إمام أحد المساجد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، إن فيروس كورونا "ليس بشيء"، وأصر على أنه من المهم أن يواصل الناس زيارة المسجد للصلاة خلال شهر رمضان.
وأوضح قائلاً: "الناس ليسوا خائفين من أداء صلواتهم. سنفرض تباعداً اجتماعياً في المسجد، لكني لا أعتقد أن ثمة حاجة إليه؛ لأن فيروس كورونا لن يؤثر على الناس في المساجد. إنها بيوت الله".
وبالعودة إلى الأردن، قال ذيابات إنه كان يرشد المصلين بأن يركزوا على الجوانب الإيجابية. وأوضح أن رمضان كان في الأعوام السابقة مناسبة لولائم الإفطار والتسوق المسرفة بشدة. أضاف ذيابات: "رمضان هذا العام يمثل فرصة للناس كي يعيدوا النظر في الروح الحقيقية للصيام، التي تتعلق بالتقشف ومساعدة الأقارب والمحتاجين".