كشف هجوم قوات الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، على مدينة ترهونة (غرب)، التي تعد رأس حربة العدوان على العاصمة طرابلس، نقاط ضعف جوهرية لميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في المنطقة، لكن استغلال مواطن الضعف هذه يحتاج إلى نفَس طويل قبل حسمها.
فشتّان بين أبريل/نيسان 2019، عندما حاصرت ميليشيات حفتر، وخاصة اللواء التاسع ترهونة، طرابلس من الغرب (انطلاقاً من مدينتي صرمان وصبراتة) والجنوب (عبر مدينة غريان) والجنوب الشرقي (ترهونة)، وبين أبريل/نيسان 2020، حيث أصبحت الأخيرة محاصرة من الشمال (عبر طرابلس ومدينة القره بوللي) ومن الشرق (مدينة مسلاتة) ومن الجنوب الغربي (غريان).
فبعد أن كانت قوات الوفاق طيلة عام كامل في حالة حصار ودفاع لصد هجمات ميليشيات حفتر على العاصمة، انتقلت بعد إطلاقها عملية "عاصفة السلام"، في 26 مارس/آذار 2020، إلى مرحلة الهجوم وفكت الحصار من الغرب والجنوب الغربي، مما قلب معادلة الحرب رأساً على عقب.
غياب الغطاء الجوي
خلال 17 طلعة قتالية نفذتها طائرات الوفاق المسيرة ضد ميليشيات ترهونة لم يتم إسقاط أي طائرة، رغم أن ترهونة تمتلك منظومة دفاع جوي داخل المدينة، والتي يسيرها مرتزقة شركة فاغنر الروسية.
حيث سيطرت طائرات الوفاق على سماء المعركة خاصة بالمحاور الشمالية للهجوم، على غرار محور القره بوللي (50 كلم شرق طرابلس)، ومحاور الزطارنة والقويعة والرواجح شرقي طرابلس.
ومهد طيران الوفاق في تحقيق عدة انتصارات سريعة للقوات البرية المتقدمة من المحاور الشمالية باتجاه الحدود الإدارية لترهونة.
خطوط أمامية هشة
لم تواجه قوات الوفاق في بداية هجومها، صباح السبت، على ترهونة مقاومة كبيرة حيث تساقط رجال اللواء التاسع، المدافعون عن المدينة، أسرى بالعشرات، بينهم قادة وضباط وعصابات السطو المسلح، وقطاع طرق.
وسيطرت قوات الوفاق على معسكر للواء التاسع ترهونة بمنطقة الحواتم، وحررت عدة مناطق جنوب القره بوللي، وجنوبي شرقي طرابلس، مثل الرواجح والعبانات، وتقدمت إلى داخل الحدود الإدارية لترهونة.
كما تمكن محور مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) من السيطرة على حاجز عسكري بمنطقة الويف (جنوب غرب ترهونة)، لقطع أي إمدادات يمكن أن تصل لميليشيات ترهونة، من بلدة العُربان في الجبل الغربي (شرق غريان).
اختلال التوازن بمحاور طرابلس
أغلب عناصر اللواء التاسع ترهونة موزعون في مختلف المحاور جنوبي العاصمة، خاصة في صلاح الدين والمشروع والطويشة والرملة، وعين زارة، ووادي الربيع والزطارنة.
وبمجرد هجوم قوات الوفاق على ترهونة، انسحبت عناصر من اللواء التاسع من محاور القتال في طرابلس رغم معارضة ميليشيات حفتر القادمة من الشرق ذلك.
ومن نتائج انسحاب عناصر ترهونة، تمكن قوات الوفاق من تحقيق تقدم جيد بمحوري مشروع الهضبة وصلاح الدين، القريبين جداً من الأحياء السكنية المكتظة جنوبي العاصمة.
بل إن قوات الوفاق كادت تسيطر بالكامل على محور الطويشة، جنوب غرب مطار طرابلس القديم، والذي يمكنها من التوجه نحو بلدة سوق السبت (30 كلم جنوب طرابلس) لقطع طريق الإمدادات نحو السبيعة (45 كلم غرب ترهونة).
حصار خانق وأزمة كهرباء ووقود
اعترف مسؤولون مدنيون وقادة عسكريون في ترهونة بأن مدينتهم تعاني منذ أيام من انقطاع الكهرباء، وبدون تغطية للاتصالات وتعاني من نقص حاد في الوقود.
حيث توجد ترهونة تحت حصار خانق، بعد انقطاع الإمدادات من طرابلس ومدن الغرب الليبي، باستثناء مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، والتي هي الأخرى تعاني من نقص الوقود القادم من الشرق بعد استهداف طيران الوفاق لخطوط الإمداد، وخاصة ناقلات السلاح والذخائر والوقود، وقصف مقرات عسكرية داخل ترهونة.
وهذا ما يفسر إرسال بني وليد وفداً إلى مصراتة للتفاوض بشأن فتح خطوط إمداد للمدينة، رغم اتهامهم بالخروج عن الحياد، وتحولهم لقاعدة خلفية لترهونة ومليشيات حفتر.
لكن من شأن هذه الحوارات الاجتماعية التوصل إلى مصالحات مستقبلاً مثلما حدث بين مصراتة والزنتان في 2015، أو بين ترهونة وطرابلس في 2018، بعد وساطة من أعيان بني وليد.
وفي المحصلة، فإن استمرار الحصار على ترهونة، وتكثيف غارات الطيران المسير على مواقعها العسكرية وخطوط إمدادها، وتقدم القوات البرية ولو ببطء نحو قلب المدينة، وتشديد الخناق على ميليشياتها، سيدفع اللواء التاسع ترهونة لسحب معظم عناصره من المحاور الجنوبية لطرابلس، لإنقاذ مدينتهم، وهذا بالتأكيد سيضعف ميليشيات حفتر، ويخلق حالة من عدم الثقة وغياب الانضباط بين الميليشيات القادمة من الشرق وتلك الموجودة في الغرب.
أهمية مدينة ترهونة
تكتسب مدينة ترهونة أهمية كبيرة لكونها تُعتبر رأس حَربة لقوات حفتر في المناطق الجنوبية للعاصمة طرابلس، كما أنها تضم اللواء التاسع، أحد أبرز الفرق العسكرية الداعمة لحفتر.
كانت أكبر خطورة شكَّلها اللواء التاسع ترهونة، أنه على عكس قوات حفتر القادمة من الشرق يعرف عناصره جيداً أرض المعركة، وجزء من أحياء وسكان طرابلس امتداد لترهونة ذاتها، لذلك فأغلب التقدمات التي أحرزها حفتر جنوبي طرابلس كانت بفضل اللواء التاسع، خاصة في بداية المعركة، وقبل دخول مرتزقة فاغنر الروسية.
وتشير الوقائع الميدانية إلى أن قوات حفتر في ترهونة ستواجه صعوبة في الصمود، فنظراً لوجود المدينة في منطقة تحيط بها جبال، وتفتقد لمطار أو منفذ بحري، فهي مضطرة للاعتماد بشكل كبير على الإمدادات البرية القادمة عبر بني وليد، خاصة بعد توقف الإمدادات القادمة من طرابلس ومصراتة وغريان.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قد قال الثلاثاء 14 أبريل/نيسان 2020، إن قوات الوفاق كستحتفل قبيل شهر رمضان المبارك (نهاية الأسبوع الجاري) بتحرير ترهونة وعديد من المناطق، وفقاً للخطط العسكرية".