الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له هدف واحد واضح ولا خلاف عليه وهو الفوز بفترة ثانية، وقبل اجتياح وباء كورونا للولايات المتحدة كانت فرص ساكن البيت الأبيض تبدو كبيرة لأسباب تتعلق بخصومه وتشتتهم بالأساس، لكن الآن تبدو الأمور مختلفة إلى حد كبير، فما قصة جرس الإنذار المقلق الذي أرسلته أول انتخابات عامة في زمن الحرب؟
ماذا حدث في كوريا الجنوبية؟
حقق الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية، بزعامة الرئيس مون جيه-إن، فوزاً ساحقاً في انتخابات برلمانية حظيت بمتابعة العالم كونها أول انتخابات عامة يتم إجراؤها وسط الحرب الدولية ضد وباء فيروس كورونا المستجد والتي يعتبر سلاحها الوحيد الناجح هو التباعد الاجتماعي والإغلاق.
وحصد الحزب الديمقراطي الحاكم 180 مقعداً في البرلمان المؤلف من 300 مقعد، ارتفاعاً من 120 حالياً، بينما حصل الائتلاف المحافظ المعارض الرئيسي على 103 مقاعد، وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 66.2٪، وهي أعلى نسبة في انتخابات برلمانية منذ عام 1992، وفقاً لما ذكرته لجنة الانتخابات الوطنية.
واتخذت السلطات إجراءات سلامة مشددة حيث قامت بتطهير كل مراكز الاقتراع وعددها 14 ألف مركز وألزمت الناخبين بارتداء الأقنعة وقياس درجة الحرارة واستخدام وسائل تعقيم للأيدي وارتداء قفازات بلاستيكية والحفاظ على مسافة آمنة بينهم.
وسمحت السلطات لنحو 2800 مريض بفيروس كورونا بالتصويت بالبريد أو بشكل شخصي، مستخدمين غرف تصويت خاصة، كما أدلى أكثر من 13 ألف شخص يخضعون للعزل الذاتي بأصواتهم بعد إغلاق مراكز الاقتراع.
كيف كانت فرص الرئيس الكوري قبل كورونا؟
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً بشأن تأثير وباء كورونا على نتائج الانتخابات، من المهم هنا أن نذكر أن الانتخابات العامة في كوريا الجنوبية تتأثر بقضيتين رئيسيتين هما الولاءات المناطقية والاختلافات الأيديولوجية بشأن كيفية التعامل مع كوريا الشمالية، ثم قضيتي الاقتصاد ومكافحة الفساد.
وقبل نحو شهرين فقط كانت استطلاعات الرأي تُظهر تقدم الأحزاب المحافظة المعارضة لسياسات الرئيس مون الأكثر ميلاً لليسار واتباع سياسة أكثر دبلوماسية وتقارب مع كوريا الشمالية، وكانت شعبية التحالف الحاكم تشهد تراجعاً كبيراً على مدى العامين الماضيين منذ انتخاب الرئيس بفعل فضائح سياسية نالت أقرب حلفاء الرئيس.
وفي بداية أزمة كورونا تعرَّض الرئيس وتحالفه الحاكم لانتقادات حادة واتهمهم المعارضون المحافظون بالتقليل من شأن وخطورة الفيروس، ولكن الحظوظ السياسية للرئيس وتحالفه تغيرت بعد أن بدأت الحكومة في تنفيذ استراتيجية مكافحة تفشي الوباء التي اعتمدت على حملات موسعة لإجراء الاختبارات منذ فبراير/شباط وعزل المصابين ووضع المخالطين تحت الحجر الصحي، وهو ما أدى لأن تصبح كوريا الجنوبية نموذجاً للقلة من الحكومات التي نجحت في حرب كورونا حتى الآن.
ما علاقة ترامب بالقصة؟
صحيح أن كوريا الجنوبية ليست الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد السكان أو المساحة الجغرافية، ولكن أوجه الشبه بين النظامين السياسيين من ناحية والعلاقات الاستراتيجية بين الدولتين من ناحية أخرى جعلت وسائل الإعلام الأمريكية تتابع الانتخابات الكورية بصورة خاصة، بل وتتخذ منها مؤشراً على ما قد تشهده الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً بعد ظهور نتائج الانتخابات في كوريا الجنوبية بعنوان: "الفيروس يهدي حكومة كوريا الجنوبية انتصاراً ساحقاً"، تناول نتائج الانتخابات بالتفصيل وكيفية تأثير المعركة ضد كورونا عليها من ناحية إقبال الناخبين والتي جاءت الأعلى منذ 28 عاماً، ومن ناحية النتائج التي جاءت غير متوقعة بالمرة قبل شهرين فقط.
كوريا الجنوبية دولة ديمقراطية تماماً مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتشهد انتخابات حرة ونزيهة ويوجد بها تياران رئيسيان أحدهما يميني محافظ والآخر يساري ليبرالي، وهو ما يمكن مقارنته بالحزبين الجمهوري والديمقراطي في أمريكا.
كيف يرى الأمريكيون أداء ترامب في حرب كورونا؟
آخر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تُظهر تراجعاً في شعبية ترامب فيما يتعلق باستجابة إدارته لوباء كورونا وكيفية التعامل مع التفشي الذي أصاب أكثر من 740 ألف أمريكي وقتل أكثر من 39 ألفاً – وقت كتابة هذا التقرير اليوم الأحد 19 أبريل/نيسان – وهو ما تناولته صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير بعنوان: "هبوط شعبية بسبب التعامل مع وباء كورونا".
فقد أظهر استطلاع رأي أجرته رويترز وإبسوس، الأسبوع الماضي، أن 42% فقط من الأمريكيين يوافقون على طريقة إدارة ترامب للكارثة الوبائية، مقابل 48% في الأسبوع الذي سبقه وهو ما يعني خسارته 6% في أسبوع واحد، بينما وصلت نسبة شعبية الرئيس بشكل عام إلى 40% وهي النسبة المعتادة بالنسبة له منذ وصوله إلى البيت الأبيض في انتخابات 2016.
لكن المقلق أكثر بالنسبة لترامب – أو بالأحرى بالنسبة لبعض أفراد فريقه ومسؤولي حملة إعادة انتخابه – هي التفوق الواضح لمنافسه الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي المباشرة بينهما والتي يجيب فيها الناخب عن سؤال واحد هو أيهما سيختار في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟
أحدث استبيان أجرته شبكة CNN أظهر أن 53% من الناخبين سيختارون بايدن مقابل 42% فقط سيختارون ترامب، بعد أن كانت النسبة بينهما متعادلة تماماً في الأسبوع السابق لنفس الاستبيان، وهو ما يرجعه المحللون، وبينهم كثير من مؤيدي ترامب، إلى التأثير السلبي لتصريحاته وانفعالاته في المؤتمر الصحفي الخاص بمتابعة الحرب ضد الوباء.
وقد نشر موقع أكسيوس وكذلك نيويورك تايمز تقارير تفيد بأن كثيراً من المسؤولين الكبار في فريق ترامب قد أصبحوا مستائين مما يحدث في المؤتمرات الصحفية التي يستغلها ترامب في الترويج بصورة سيئة وغير دقيقة لحملته الانتخابية.
وقالت نيويورك تايمز، في تقريرها الأسبوع الماضي، إن "داعمي ساكن البيت الأبيض والمشرّعين الجمهوريين يعتقدون أن المؤتمرات الصحفية اليومية تضر الرئيس أكثر مما تفيده"، وبين هؤلاء واحد من أبرز داعمي ترامب وهو عضو الكونغرس الجمهوري ليندسي غراهام الذي قال للصحيفة إن ترامب "أحياناً يغرق رسالته (بشأن مكافحة الوباء) بتفاصيل ضارة".