صناعة بملايين الدولارات.. مسلسلات رمضان المصرية تتحدَّى كورونا، لكنها تدفع ثمناً باهظاً

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/04/17 الساعة 17:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/17 الساعة 17:39 بتوقيت غرينتش
خلال تصوير أحد المسلسلات الرمضانية في مصر/ مواقع التواصل

احتشد عشرات من المُمَثِّلين المصريين والأطقم الفنية في صالون صغير لتصفيف الشعر في حيٍّ راقٍ بالقاهرة، مطلع الشهر الجاري (أبريل/نيسان). كان هؤلاء يتسابقون للانتهاء من تصوير مسلسلٍ تلفزيوني من المُقرَّر عرضه في رمضان، الذي يبدأ الأسبوع المقبل، كما تقول شبكة CNN الأمريكية. 

وعجَّت الشوارع الضيقة للعاصمة المصرية بعشرات من أفراد الأطقم الفنية الذين يتحرَّكون جيئةً وذهاباً على الطريق أو يستريحون على مقاعد بلاستيكية على الأرصفة. 

في السنوات السابقة، كان ذلك الحشد، المُكوَّن من ست شاحناتٍ كبيرة و32 عربة في الشوارع المحيطة، يجذب المارة الذين يرغبون عادةً في رؤية نجومهم المُفضَّلين. ولعلَّه مشهدٌ شائع في الأسابيع السابقة لرمضان، وهو موسم محموم لمسلسلات التلفزيون، أن يعمل أفراد الأطقم الفنية 16 و20 ساعة في اليوم، للوفاء بالتزامات العمل في وقتها.

لكن في وقتٍ تفرض فيه مصر حظر تجوُّلٍ جزئياً لإيقاف تفشي جائحة كوفيد-19، شعر الجيران بالقلق من رؤية حشدٍ كبير يتجاهل تعليمات التباعد الاجتماعي؛ ومن ثم اتصلوا بالشرطة. جاءت الشرطة إلى موقع التصوير سبع مرات، لكن كلَّ شيءٍ كانوا يقومون به كان قانونياً تماماً، حسبما أخبر أحمد يحيى، منتج المسلسل، شبكة CNN الأمريكية. 

صناعة بملايين الدولارات

يعمل يحيى على مسلسلٍ كوميدي، لكن خبرته الأساسية تكمن في إنتاج الأفلام قبل موسم رمضان. وحذَّرَ أفرادٌ داخل هذه الصناعة التلفزيونية، التي تُقدَّر بملايين الدولارات، من أن استمرار العمل في أماكن مكتظَّة لساعاتٍ طويلة قد يكون مميتاً. 

وقالت كاتبة السيناريو مريم نعوم، في نداءٍ عام نشرته على حسابها بموقع فيسبوك في 22 مارس/آذار، داعيةً المُنتجين إلى إيقاف العمل: "كيف يمكننا كسب العيش إذا أصبحنا نحن وأحباؤنا في عداد الموتى؟!". وبحلول هذا الوقت من شهر مارس/آذار، كان الفيروس قد أجهَزَ حينها على أرواح عدد من المواطنين، من ضمنهم جنرالات عسكريون، وكانت الحالات المؤكَّدة تبلغ حينها 327 حالة. وقالت نعوم إن القنوات التلفزيونية تضغط على المُنتِجين، والمُنتِجون بدورهم يضغطون على المُمَثِّلين للاستمرار في التصوير. 

ورغم أنها كانت قادرةً على العمل من المنزل، بصفتها كاتبة سيناريو، فقد شعرت بأنها تُسهِّل العمل الذي يجري في مساحاتٍ مُكتظَّة. أضافت نعوم: "أشعر بأنني في كلِّ مشهدٍ أكتبه وأرسله أؤذي الناس الذين أُحبّهم كثيراً". 

الإيقاف ليس خياراً 

وقال محمد جمال الدين، مُنتِج أحد الأعمال الدرامية على الشاشة الصغيرة في رمضان المقبل، لشبكة CNN: "التأجيل أو الإيقاف ليس خياراً". وأضاف: "نحن مستقلون، ولسنا نجوماً أغنياء. هناك مئات من الناس الذين يعملون في هذه الصناعة، وأغلبنا قد يمكث في المنزل دون عملٍ أو مال من سنةٍ لأخرى. قد يكون هذا آخر عملٍ لنا". 

ورغم المناشدات والمخاوف التي عبَّرَ عنها أفراد الأطقم الفنية والمُمَثِّلون، توقَّف التصوير في الأعمال التي بالفعل تأخَّرَت كثيراً عن مواعيدها، إذ لن تقدر هذه الأعمال على الوفاء بالمواعيد المُقرَّرة، في ظلِّ حظر التجوُّل، وفقاً لعددٍ من المُطَّلِعين على إنتاج المسلسلات الذين تحدَّثوا إلى شبكة CNN. وقالوا إن تلك الأعمال التي انتهت من 70% من التصوير سُمِحَ لها بالعمل في ظلِّ حظر التجوُّل، وقد قلَّلَت الإنتاج، وقلَّصَت عدد أفراد الأطقم الفنية إلى النصف، وتعمل على تعقيم الأجهزة والأدوات، وأحضرت أطباء إلى مواقع التصوير. 

وقال أشرف زكي، رئيس نقابة المهن التمثيلية شبه الرسمية، في مطلع أبريل/نيسان، إن 25% فقط من المسلسلات المُتوقَّعة هي التي ستُعرَض في رمضان. 

غرامة إن لم تسلَّم المسلسلات قبل رمضان

يقول يحيى، المُنتِج الذي عمِل في التصوير بصالون تصفيف الشعر، لشبكة CNN: "تريد الحكومة مِنَّا أن ننتهي من المسلسلات، حتى يُتاح للناس شيء يسليهم خلال حالة الإغلاق الراهنة. وسوف تدفع شركة الإنتاج غرامةً كبرى لشبكات التلفزيون إن لم تُسلِّم المسلسلات قبل رمضان". 

وبعد أسبوعٍ من ذلك، كان الطاقم الخاص بيحيى قد انتقل إلى فندقٍ لتصوير عددٍ من المشاهد الأخرى. وقد شارك 130 شخصاً في التصوير بمدخل الفندق. وصُوِّرَ المشهد التالي في غرفةٍ بالفندق احتشد بها 20 شخصاً على الأقل "بعد تجنيب جميع الأفراد غير الضروريين من الطاقم الفني"، حسبما أوضح يحيى. ومن أجل تخفيض النفقات، حيث دُفع مقابل يوم واحد للفندق بدلاً من يومين، ظلَّ أفراد طاقم المسلسل يعملون في الفندق 20 ساعة، وهو أمرٌ شائعٌ في هذا السباق السنوي. 

وقال يحيى لشبكة CNN على الهاتف في أثناء وجوده بالفندق: "أرتدي الآن قناعاً واقياً وقفازاً، لكن خلال ساعتين من الآن -مثلما يحدث كلَّ يوم- سأنشغل للغاية أو أشعر بإرهاقٍ شديد، وسوف أتخلَّص منهما". وأضاف: "جميعنا مُكتظون في مكانٍ واحد. ما مِن طريقةٍ للتباعد الاجتماعي هنا". 

وتابع يحيى: "كنَّا سنمكث في البيت مع عائلاتنا بدلاً من ذلك. أخشى على عائلتي للغاية. أوافق زوجتي في أن الأطفال سيكونون في مأمنٍ بمنزلنا في الإسكندرية، ولم أرهم ولم أرَ والدتي على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية". 

إصابات وإجراءات حكومية 

ومنذ أن اندلعت الجائحة، علَّقَت الحكومة الدراسة بالمدارس والجامعات، وأوقفت معظم الرحلات الجوية، وأغلقت المساجد والكنائس؛ في محاولةٍ لاحتواء تفشي الفيروس. نصحت الحكومة أيضاً بالعمل من المنزل، لكنها شجَّعَت في المقابل على الاستمرار في الإنتاج بمختلف الصناعات، وضمن ذلك الإنتاج التلفزيوني، الذي تغلب عليه سيطرة الشركات الخاصة المرتبطة بالدولة. 

ويُذكَر أن هالة زايد، وزيرة الصحة المصرية، قد أشارت مراراً إلى العدد القليل من الحالات المؤكَّدة في مصر كمنبع فخرٍ للحكومة المصرية. وسُجِّلَت في مصر 2.673 إصابة، مقابل 196 حالة وفاة في الإجمالي بحلول يوم الجمعة 17 أبريل/نيسان، في حين أثنت منظمة الصحة العالمية على التدخُّل المُبكِّر للحكومة المصرية لاحتواء الفيروس. 

لكن خبراء حذَّروا من أن قطاع الصحة ضعيف الاستعدادات للتعامل مع تفشٍّ مثل الذي اندلع في أوروبا، ويؤثِّر ضعف الإعدادات على المستشفيات بالبلاد. وقالت طبيبة أمراض قلب في أحد المستشفيات العامة، تحدَّثَت شريطة عدم كشف هويتها؛ لتجنُّب إجراءاتٍ عقابية مُحتَمَلة نتيجة ذلك، لشبكة CNN: "نجحنا في جمع تبرُّعاتٍ وشراء الإمدادات الطبية الأساسية". وأضاف: "تبذل وزارة الصحة ما في وسعها"، لكن نظاماً "فقيراً وفاسداً" لا يمكن إصلاحه خلال جائحةٍ كهذه. 

وقالت نقابة الأطباء المصرية إن ثلاثة أطباء على الأقل وافتهم المنية؛ إثر الإصابة بفيروس كورونا المُستجَد، في حين ظهرت نتائج إيجابية لـ43 آخرين من العاملين بقطاع الصحة، وهو ما أدَّى إلى إغلاقٍ جزئي لبعض المستشفيات العامة التي تقدِّم الرعاية الصحية لآلافٍ من الفئات الفقيرة والمُستضعَفة. ويُعَدُّ المعهد القومي للأورام واحداً من تلك المستشفيات التي اضطرت إلى تقليل سعتها. وقالت منظمة الصحة العالمية إن 13% من الحالات المؤكَّدة في مصر من العاملين بقطاع الصحة. 

تحميل المزيد