انتهت حرب الأسعار وتوصّل كبار منتجي النفط أخيراً إلى خفض قياسي للإنتاج بهدف وقف انهيار الأسعار، وذلك في سياق اتفاق طويل الأجل تشارك فيه "أوبك" وروسيا والولايات المتحدة، فما بنود الاتفاق؟ وما مداه الزمني؟ وهل يؤدي لتحسن الأوضاع الاقتصادية في دول الخليج؟
ما الذي أخَّر الاتفاق، ومَن تدخَّل لإنقاذه؟
توصل أعضاء منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا (مجموعة أوبك بلس)، والولايات المتحدة وباقي المنتجين من خارج المجموعة إلى اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 20% بداية من أول مايو/أيار المقبل، ويستمر الاتفاق حتى أبريل/نيسان 2022، على أن تخف حدة التخفيضات القياسية بداية من يوليو/تموز القادم، بحسب رويترز.
الاتفاق، المتوقع أن تعلن عنه مجموعة أوبك بلس رسمياً في وقت لاحق، تم التوصل إليه في وقت متأخر من مساء أمس الأحد 12 أبريل/نيسان، بعد مشاورات ماراثونية استمرت عشر ساعات متواصلة عبر تقنية الفيديو كونفرانس وشارك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ونشر ترامب ووزير النفط الكويتي خالد الفاضل تغريدة عن الاتفاق، كما أكدت وزارة الطاقة السعودية ووكالة الأنباء الروسية الرسمية (تاس) التوصل للاتفاق، لكن التفاصيل الكاملة لم يتم الإعلان عنها بعد.
كانت المكسيك قد أعلنت اعتراضها على الاتفاق وهو ما أخَّر الإعلان عنه، حيث كانت حصة المكسيك في التخفيض 400 ألف برميل يومياً، وهو ما رفضته مصمّمة على ألا تزيد ما تخفضه على 100 ألف برميل يومياً، ولكن، الجمعة، قال الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إن ترامب عرض أن تخفض الولايات المتحدة إنتاجها بنسبة إضافية، وهو عرض غير اعتيادي من ترامب، الذي طالما أبدى معارضته لأوبك كما كان قد أعلن أنه لن يتدخل في المشاورات.
الأسعار ترتفع بالفعل
وعلى الفور قفزت أسعار النفط أكثر من دولار للبرميل اليوم الإثنين 13 أبريل/نيسان بعد الإعلان عن أكبر خفض للإنتاج على الإطلاق، وإن ظل القلق مسيطراً بشأن عدم كفاية الخفض لمنع تخمة للمعروض في ظل تهاوي الطلب جراء تداعيات فيروس كورونا.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.29 دولار ما يعادل 4.1٪ لتسجل 32.77 دولار للبرميل بحلول الساعة 0519 بتوقيت غرينتش بعد أن فتحت على مستوى مرتفع للجلسة عند 33.99 دولار. وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.01 دولار ما يوازي 4.4٪ إلى 23.77 دولار للبرميل بعد أن بلغ المستوى المرتفع 24.74 دولار.
وقالت مصادر من مجموعة أوبك بلس لرويترز إن التخفيضات الكلية في إنتاج النفط ستصل إلى أكثر من 20 مليون برميل يومياً عالمياً أي 20% من الإنتاج اليومي العالمي بداية من أول مايو/أيار المقبل، وإن نسبة الخفض ستقل بنسبة 2% بداية من أول يوليو/تموز، مضيفة أن الاتفاق التاريخي على خفض الإنتاج ومراقبته ساري حتى أبريل/نيسان من العام بعد القادم.
انعكاسات إيجابية على اقتصادات الخليج
الاتفاق –بغض النظر عن كواليسه الكثيرة– يأتي إجمالاً كأخبار جيدة بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام، واقتصاد الدول الخليجية بشكل خاص، حيث إنها تعتمد بشكل أساسي في دخلها القومي على صادرات النفط، وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية بشكل كامل بشأن مدى تأثير التخفيضات في الإنتاج على الأسعار، يظل التوصل لاتفاق يشمل جميع منتجي النفط حول العالم بمن فيهم الثلاثة الكبار السعودية وروسيا والولايات المتحدة مصدر للتفاؤل.
فقد رفع بنك مورغان ستانلي توقعاته لأسعار النفط قائلاً إن اتفاق "أوبك بلس" لن يمنع بناء مخزونات ضخمة في الشهور المقبلة، ولكنه سيقود لخفض المخزونات بداية من النصف الثاني من العام الجاري، ورفع البنك توقعاته لسعر برنت في الربع الثالث إلى 30 دولاراً من 25 دولاراً للبرميل وللخام الأمريكي إلى 27.50 دولار من 22.50 دولار، كما رفع التوقعات للربع الأخير بواقع خمسة دولارات أيضاً للخامين ليصل برنت إلى 35 دولاراً وخام غرب تكساس الوسيط إلى 32.50 دولار، كما توقع البنك أن ينخفض الطلب في الربع الثاني بنحو 14 مليون برميل يومياً مقارنةً به قبل عام.
وعكست التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الدول المنتجة للنفط تفاؤلاً واضحاً بعد التوصل للاتفاق، حيث أعرب ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي عن ترحيبهما بالوصول للاتفاق التاريخي طويل الأمد لخفض الإنتاج بما يتناسب مع حجم تداعيات جائحة كورونا ويتوافق مع تطلعات الأسواق، وبما يعزز نمو الاقتصاد العالمي.
كما صرح وزير الطاقة السعودي بأن السعودية والكويت والإمارات تطوعت بتخفيضات أكبر من المتفق عليها لتصل تخفيضات أوبك+ فعلياً إلى 12.5 مليون برميل يومياً من مستويات الإنتاج الحالية.
وقال دانيال يرجين، نائب رئيس مجلس إدارة آي.اتش.إس ماركت، لرويترز، إن "ما يحققه هذا الاتفاق هو تمكين صناعة النفط العالمية والاقتصادات الوطنية وصناعات أخرى تعتمد عليها من تجنب أزمة عميقة جداً"، وتابع: "هذا يكبح بناء مخزونات مما يخفف الضغط على الأسعار حين تعود الأمور إلى طبيعتها، في أي وقت كان".
ارتفاع أسعار النفط تدريجياً سيكون له انعكاسات إيجابية بالطبع على قدرة الحكومات على تخفيف الآثار الاقتصادية السلبية جراء تفشِّي جائحة كورونا والتي أجبرت دول الخليج على فرض إغلاق شبه كامل وفرض حظر تجول سواء كامل أو جزئي لمحاولة احتواء عدوى الوباء.
صحيح أن الدول الخليجية لديها احتياطات نقدية مكنتها حتى الآن من توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، لكن العجز الكبير في موازناتها بفعل انهيار أسعار النفط منذ الأسبوع الأول من مارس/آذار تسبب في حالة من القلق بشأن قدرة ميزانياتها على تحمل تكاليف مواجهة أعباء الوباء وتوقف عجلة الاقتصاد مع انهيار أسعار النفط الذي يمثل مصدر الدخل الأساسي.
فقدرة الحكومات على دفع رواتب العاملين فيها، إضافة لتوفير غطاء مالي لتعويض المواطنين المهددين بفقدان وظائفهم ضمن شركات القطاع الخاص بفعل الجائحة كلها أمور مرتبطة بأسعار النفط بشكل مباشر بالنسبة لدول الخليج، كما أن الأمر مرتبط أيضاً بقدرة تلك الحكومات على توفير ما يحتاجه القطاع الصحي الذي يتعرض لضغوط غير معتادة بفعل التفشي الوبائي وكلها أمور تمس حياة المواطنين وصحتهم بشكل مباشر.
كل هذه المعطيات وغيرها تجعل من اتفاق النفط أمراً يمس حياة المواطنين بشكل مباشر، حتى وإن أدى ذلك بعد بضعة أشهر إلى عودة أسعار المنتجات النفطية للارتفاع مرة أخرى في تلك الدول، بعد انخفاضها هذا الشهر، لأنه مقابل هذا البند الوحيد، فإن انهيار أسعار النفط له نتائج كارثية على جميع البنود الأخرى، ومنها ارتفاع أسعار المواد الأساسية وارتفاع مخاطر فقدان الوظائف.