توصلت السعودية وروسيا قائدتا مجموعة "أوبك بلس" إلى تخفيض تاريخي في إنتاج الخام، الجمعة 10 أبريل/نيسان، وهو ما كان يحتاجه العالم لوقف حرب النفط المريرة التي شهدت انهيار الأسعار بأكثر من 50٪ من أعلى مستوياتها في يناير/كانون الثاني. لكن السبت، أكد وزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين، في بيان ختامي، بعد مفاوضات طويلة التزامهم التعاون لمكافحة فيروس كورونا المستجد، لكنهم لم يشيروا إلى أي اتفاق على خفض لإنتاج النفط. فماذا بعد؟
المستويات التي تم الاتفاق عليها في أوبك قد ستفشل
وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت أعلن أن إنتاج بلاده للنفط الخام قد ينخفض بين 2 و3 ملايين برميل يومياً هذا العام. وقال في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده وزراء طاقة مجموعة العشرين إن تداعيات فيروس كورونا على اقتصادات العالم "مدمرة" وتأثيراتها على أسواق الطاقة العالمية "مأساوية"، ما تسبب في انخفاض الطلب على النفط الخام بشكل كبير.
وأضاف: "يجب علينا تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية من خلال وضع حد للانخفاض الخطير في الأسعار (أسعار النفط)".
تقول مجلة Forbes الأمريكية إن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة كان سبباً في ترسيخ اتفاق أوبك بلس، الذي من شأنه تخفيض الإمدادات، ورفع الأسعار، وتوفير شريان الحياة للصناعة التي عصفت بها الأسعار المنخفضة على نحوٍ كارثي. وقد ضغط ترامب شخصياً من أجل تخفيض إنتاج منظمة "أوبك" بمقدار 10-15 مليون برميل يومياً في مكالمة هاتفية في 2 أبريل/نيسان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويبدو أن أوبك قد استمعت إليه.
لكن المستويات المعلن عنها قد تفشل في إحداث الصدمة المرجوة في الأسعار مرة أخرى وإعادتها إلى النطاق المقبول اقتصادياً للمنتجين. فعلى الرغم من أن الخفض المنظم للإنتاج بهذا الحجم غير مسبوق، ربما حتى الـ10 ملايين برميل يومياً تكون غير كافية لتحقيق التوازن في أسواق اليوم.
والواقع أن كلاً من روسيا والسعودية مهتمتان بشكل حيوي برفع الأسعار لموازنة ميزانياتهما والحد استنزاف احتياطياتهما النقدية. وبمعدل السعر الحالي، يمكن لروسيا الصمود فترة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات والسعودية فترة لا تزيد عن 3 سنوات، لأن النفط الخام يمثل 80٪ من الإيرادات الحكومية للمملكة.
وبالنسبة لروسيا، يمثل هذا الاتفاق فشلاً في السياسات. فقد كان رفضها الانضمام إلى قيود الإنتاج التي اقترحتها السعودية في مارس/آذار يهدف إلى معاقبة النفط الصخري الأمريكي واستعراض عضلاتها كأكبر ثالث منتج عالمي. وبسبب عدم خفض الإنتاج في الوقت المطلوب، ستخفض روسيا الآن أكثر من ذلك بكثير. وكانت موسكو قد حرضت على حرب أسعار أدت إلى انخفاض أسعار النفط (إلى جانب قيمة الروبل).
لا استجابة إيجابية في الأسواق
في أعقاب الإعلان الأولي يوم الجمعة لم يستجب التجار جيداً. ومع إغلاق السوق في 10 أبريل/نيسان، انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 7.61٪ خلال اليوم إلى 23.19 دولار، مع خسارة خام برنت 2.95٪، ليغلق عند 31.87 دولار. وليس هذا بالتأكيد هو الرد الذي كانت تأمله "أوبك بلس".
هذا ما قالته الدكتورة كارول نخلة، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Crystol Energy، حول مفاوضات أوبك الحالية: "الاتفاق المرتقب حالياً بين روسيا والسعودية، وعلى نطاق أوسع بين أوبك وأوبك بلس قد لا يكون كافياً. وقد يصل انخفاض الطلب إلى 30 مليون برميل يومياً. وتشير الأرقام التي نشرت يوم الجمعة 10 أبريل/نيسان إلى خفض بقيمة 1.6 مليون برميل لروسيا و3 ملايين برميل للسعودية، وهذا قد لا يكون كافياً".
وأضافت: "على نطاق أوسع، يعكس الصدام بين موسكو والرياض خلافات داخلية: السعودية هي أحد مواقع صنع القرار. وفي روسيا يوجد عدد من الشركات والمؤسسات المالية الخاصة والحكومية. ويستغرق الأمر وقتاً أطول للتوصل إلى قرارات".
ومع رفض الرئيس ترامب المشاركة رسمياً في كبح إنتاج "أوبك بلس" (يشير على إلى أن الأسواق الحرة ستخفض إنتاج النفط الأمريكي بشكل طبيعي)، ستوفر الاتفاقية الحالية على أقصى تقدير بعض الراحة للمنتجين من عبء التخزين، ولكنها لن تكون كافية لتحقيق التوازن في السوق.
أزمة مكلفة ستطول
يتجاوز انهيار الطلب في أعقاب جائحة كورونا العالمية، الذي يشهد تعليق تحليق الطائرات، وتوقف تنقل العمال، ما يمكن أن يتخيله أي شخص. وتشير التقديرات إلى أن حالة الإغلاق الكامل ستقتطع ما بين 15 مليون برميل و35 مليون برميل يومياً من الطلب في الربع الثاني من عام 2020، أو ما يقرب من ثلث مستويات الاستهلاك اليومي المعتادة.
وإذا تخطى الأمر السيناريوهات المكلفة الخاصة بتوقف حركة بيع 35 مليون برميل يومياً، سيحتاج منتجو النفط إلى إيجاد مساحة لمليار برميل من النفط في غضون شهر واحد فقط. وهذا يتطلب مساحة أكثر من إجمالي الخزانات البرية والعائمة المتاحة عالمياً (التي تقارب سعتها 900 مليون برميل).
إذا وصلت الخزانات إلى الحد الأقصى من السعة، فهناك فرصة غير محتملة، ولكنها قائمة سيحتاج فيها منتجو النفط إلى جعل العملاء يشترون الخام قبل استخراجه، مما يجعل أسعار النفط سلبية. إن حقيقة أننا نناقش هذه الإمكانية بعد ثلاثة أشهر فقط من وصول خام برنت إلى نطاق 70 دولاراً هي دليل على التأثير الكارثي لجائحة "كوفيد-19" على أسواق الطاقة.