بعد إعلان عدنان الزرفي اعتذاره رسمياً عن تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية، يبدو أن المرشح التوافقي للقوى الشيعية أصبح هو الأقرب الآن لتكليفه بمنصب رئاسة الوزراء بعد أشهر من التجاذبات والمفاوضات.
يأتي هذا في وقت سحبت فيه الولايات المتحدة دعمها لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي على خلفية قيامه بتقديم تنازلات لإيران من أجل تشكيل حكومته قبل انتهاء المدة الدستورية.
وتصر القوى الشيعية حالياً على ترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء بدلاً من الزرفي الذي يبدو إن لم يستطع الحصول على ثقة هذه القوى، خصوصاً أنه أقرب لواشنطن بشكل واضح.
ترشيح الكاظمي لإفشال الزرفي
ويأتي ترشيح القوى الشيعية للكاظمي بهدف إفشال تكليف عدنان الزرفي، إذ تعتبر الكتل الشيعية خصوصاً تلك المقربة من إيران، أن الكاظمي أفضل من الزرفي على الرغم من علاقته القوية بواشنطن. فالكاظمي في نظرهم يتمتع بعلاقات إيجابية مع طهران.
ويعتبر الكاظمي شخصية غامضة، وليس له ارتباط سياسي، ولم يحصل على أي منصب سياسي تنفيذي في الحكومات السابقة.
هذا عكس الزرفي الذي كان محافظ النجف ودعم الأمريكان في حربهم ضد جيش المهدي، الميليشيا التابعة لمقتدى الصدر عام 2004، وبعدها أصبح نائباً في البرلمان العراقي وهو رئيس كتلة النصر في البرلمان التي يترأسها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
واشنطن تسحب دعمها للزرفي
وقال مسؤول في السفارة الأمريكية في بغداد، غير مخول له بالتصريح، لـ"عربي بوست"، إن واشنطن كانت ترى الزرفي الشخصية المناسبة لتولي رئاسة الحكومة العراقية، خصوصاً لدوره الفعال في الحرب التي خاضها الجيش الأمريكي مع الميليشيات التابعة للمرجع الشيعي مقتدى الصدر عام 2004.
وجاء تأييد ودعم واشنطن لترشيح رئيس العراق للزرفي في مقابل أن يضمن لها حصر السلاح بيد الدولة والقضاء على الميليشيات المسلحة التي تزعزع أمن وسلامة المواطنين، على حد وصف المسؤول الأمريكي.
إلا أن الإدارة الأمريكية تفاجأت من طلب عدنان الزرفي رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران لفترة معينة لحين انتهاء تفشي فيروس كورونا، بالإضافة إلى تقديم تنازلات إلى الأحزاب والكتل السياسية خصوصاً المقربة من إيران من أجل حصوله على دعمهم وتأييدهم لتشكيل الحكومة وتمريرها بالبرلمان.
وبحسب المسؤول الأمريكي، فقد أبلغت واشنطن سحب تأييدها للزرفي بسبب "تصرفاته غير المدروسة ودفاعه عن إيران".
أمريكا لا تمانع ترشيح مدير المخابرات
وأوضح المسؤول الأمريكي أنه لا يوجد مانع لدى الإدارة الأمريكية – حسب علمه – من تولي مصطفى الكاظمي مدير المخابرات، منصب رئيس الوزراء بديلاً للزرفي.
وأضاف: "الأمر متروك للعراقيين وممثليهم بمجلس النواب من منح الثقة لحكومة الشخص الذي يرونه مناسباً للمنصب".
القوى الشيعية متفقة
وذكر النائب عن تحالف الفتح عامر الفايز لـ"عربي بوست"، أن القوى الشيعية المتمثلة في "الفتح" برئاسة هادي العامري و "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، و "الحكمة" برئاسة عمار الحكيم، و "العقد الوطني" برئاسة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، و "الفضيلة" برئاسة عبدالحسين الموسوي، عقدت اجتماعاً في منزل العامري لمناقشة موقفهم من رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي.
وأوضح أن المجتمعين اتفقوا على رفض تكليف عدنان الزرفي على اعتبار أن آلية تكليفه للمنصب من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح مخالفة للدستور، وترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بدلاً عنه.
وذكر أن رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، سلم رئيس الجمهورية كتاباً رسمياً موقعاً من قبل المجتمعين يتضمن ترشيح الكاظمي بدلاً عن الزرفي لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة.
وجاءت هذه الاجتماعات بالتنسيق المسبق بين هادي العامري والمسؤول عن ائتلاف "سائرون"، مقتدى الصدر، مؤكداً أن الصدر كان على علم واطلاع بالاجتماعات التي عقدت بالعاصمة بغداد على الرغم من عدم حضور ممثل عن "سائرون" في تلك الاجتماعات.
وأعطت القوى الشيعية فرصة للزرفي لغاية انتهاء المدة الدستورية بعد أسبوع، فإذا لم يحصل على ثقة مجلس النواب، سيتم تكليف الكاظمي بشكل رسمي من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة العراقية.
مقتدى الصدر موافق على ترشيح الكاظمي
من جهته، أكدت كتلة سائرون المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، اطلاعها على نتائج اجتماع القوى الشيعية وترك تصويت منح الثقة للحكومة إلى مجلس النواب.
وقال النائب عن "سائرون"، رياض المسعودي، لـ"عربي بوست"، إن كتلته لم تحظر أو تشارك في اجتماعات القوى الشيعية التي عقدت في الأيام الماضية واختارت رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي كبديل للمكلف عدنان الزرفي.
وأضاف أن القوى الشيعية كانت تبعث برسائل عن محتوى الاجتماع إلى مقر إقامة الصدر.
السنة والأكراد موافقون
من جانبها، رهنت القوى الكردية والسنية موافقتها على منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي بموافقة القوى الشيعية، بحسب النائب ديلان غفور عن الاتحاد الوطني الكردستاني.
وتقول غفور لـ"عربي بوست"، إن القوى الكردية والسنية لا تشكك بإمكانية الزرفي بإقناع القوى الشيعية المعارضة لتولي المنصب، لكنه حتى اللحظة لم يستطع إقناع القوى المعارضة له بشكل علني.
وأوضحت أن موافقتهم على منحه الثقة وتشكيل حكومته مرهون بموافقة القوى الشيعية على اعتبارها الجهة المعنية بالأساس والمسؤولة عن ترشيح الشخصيات لرئاسة الوزراء.
"نحن ليس لدينا اعترض على عدنان الزرفي أو مصطفى الكاظمي أو شخصية أخرى، بقدر موافقة القوى الشيعية على إحدى الشخصيات وإخراج العراق من أزمته وتشكيل الحكومة المقبلة"، على حد تعبيرها.
الكاظمي متحفظ على الترشيح
لكن من جهة أخرى، أبلغ رئيس جهاز المخابرات والمرشح لرئاسة الوزراء مصطفى الكاظمي، القوى الشيعية تحفظه على الترشيح هذا المنصب بالوقت الحالي.
وقال مصدر مقرب من الكاظمي لـ"عربي بوست"، إن رئيس جهاز المخابرات أبلغ القوى الشيعية التي رشحته لرئاسة الوزراء، بأنه لا يريد أن يكون مرشحاً بديلاً لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي دون اعتذار الأخير عن تكليفه.
وأضاف أن الكاظمي خلال رسالة التي أرسلها إلى القوى الشيعية ذكر أن موافقته على الترشيح مرهونة باعتذار الزرفي أو انتهاء المدة الدستورية بشأن تكليفه، بالإضافة إلى الحصول على دعم توافقي بالإجماع من القوى الشيعية والكردية والسنية مقابل موافقته على الترشيح وتشكيل الحكومة المقبلة.
من هو مصطفى الكاظمي؟
الكاظمي من مواليد العاصمة بغداد عام 1967، متزوج ولديه طفلتان، ولا يمتلك أي جنسية أجنبية، وحاصل على شهادة بكالوريوس بالقانون، وانتقل إلى أوروبا قبل 2003 لمعارضته حكومة صدام حسين وحزب البعث.
وترأس الكاظمي إدارة مؤسسة الذاكرة العراقية المعنية بتوثيق جرائم النظام صدام حسين، بالإضافة إلى اكتساب خبرة في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا النظام السابق على أساس المسؤولية في حفظ الحدث العراقي كوثيقة تاريخية.
وبعدها أصبح الكاظمي كاتب عمود ومديراً لتحرير قسم العراق في موقع المونيتور الدولي، وكشف الإخفاقات والارتباكات التي صاحبت تجربة النظام السياسي وسبل معالجتها. كما نشر خلال مسيرته العديد من الكتب، من أبرزها مسألة العراق، والمصالحة بين الماضي والمستقبل.
وتولى بعدها رئاسة جهاز المخابرات عام 2016 في زمن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
بعد مقتل نائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني بداية العام الحالي، وجهت بعض فصائل الحشد اتهاماً بشكل غير رسمي إلى رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بالضلوع في عملية الاغتيال.
وأوضح النائب العراقي أن هذه التصريحات تمثل متحدثيها فقط دون دليل وليس موقفاً رسمياً من القوى السياسية أو الحشد الشعبي.
وذكر أن هؤلاء الأشخاص رفضوا ترشيح الكاظمي في وقت سابق قبل تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، وأن فصائل الحشد لم ترشح الكاظمي لرئاسة الوزراء، إنما السياسيون هم من رشحوا ذلك وعلى رأسهم رئيس تحالف الفتح هادي العامري.
وجاء ترشيح الكاظمي لهذا المنصب كحل وسط وتوافقي لإخراج العراق من أزمته، رغم أنه شخص غامض وغير معروف خلفياته بشكل كبير.