بعدما ترك الوباء يجتاح نيويورك.. هل أصبحت وحدة أمريكا مهددة بسبب فشل ترامب في أزمة كورونا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/07 الساعة 21:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/09 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
انتقادات لمعالجة ترامب لأزمة كورونا/رويترز

 هل أصبحت أزمة كورونا تهدد وحدة أمريكا بعدما ترك ترامب درة التاج الإمبراطورية الأمريكية مدينة نيويورك وحدها في مواجهة الفيروس المميت.

يبدو موقف الولايات المتحدة مثيراً للحرج للغاية في أزمة كورونا الحالية.

إذ يفترض أن أمريكا هي أغنى وأقوى وأكثر دول العالم تقدماً.

ولكن أصبحت أمريكا هي أكثر دول العالم من حيث عدد الإصابات بالفيروس، وعدد الوفيات يتزايد، رغم أنه تفشَّى فيها متأخراً، ويفترض أنها بعيدة أوروبا التي كانت مركز انتشار الجائحة حتى إنها أوقفت خطوط الطيران مع أوروبا في بداية الأزمة خوفاً من انتقال الفيروس إليها.

ولكن سرعان ما تحولت الولايات المتحدة إلى رجل العالم المريض وبؤرة الفيروس، وسط خلافات بين الرئيس ترامب وأركان إدارته والمسؤولين عن القطاع الطبي وحكام الولايات وعمد المدن، خاصة عمدة مدينة نيويورك.

ترامب تجاهل أهم مدينة في العالم ثم عاير قادتها

كان أمراً لافتاً هدوء ترامب وهو يرى المرض ينتشر في مدينة نيويورك، التي يوجد فيها جزء كبير من أنشطته المالية وممتلكاته الشخصية، والتي تبعد بضع مئات من الأميال عن العاصمة واشنطن، في حين أنه شعر بخطورة المرض عندما أصيب به صديق له (رجل أعمال يهودي من أصول سورية)، ودخل في حالة إغماء.

وفي وقت كان ترامب يقلل من خطورة المرض ويقول إنه مجرد دور إنفلونزا وإن الأطباء يبالغون، كان عمدة المدينة يطالب النجدة من إدارة ترامب بلا مجيب.

وتحولت مدينة نيويورك ليس فقط إلى بؤرة المرض في أمريكا، بل أيضاً إلى بؤرة الخلاف حول مَن المسؤول عن هذه الكارثة.

واتّهم الديمقراطيون، وعلى رأسهم السيناتور تشاك شومر، عضو مجلس الشيوخ عن المدينة، ترامب بأنه ترك نيويورك "غير مستعدة تماماً" للفيروس.

في المقابل، هاجم ترامب شومر ووصفه بالسيناتور السيئ، محملاً المسؤولية للقيادات الديمقراطية بالمدينة.

إذ قال: "كان يجب أن تكون نيويورك أكثر استعداداً مما كانت عليه"، مشيراً إلى أن هذا ما قاله الدكتور فوسي والدكتور بيركس، وهما اثنان من أبرز أعضاء طاقمه الطبي للبيت الأبيض المكلفين بالتعامل مع الأزمة.

وأضاف: "كانت نيويورك متأخرة جداً في مكافحتها للفيروس". 

وهاجم ترامب إدارة المدينة الديمقراطية قائلاً "لحسن الحظ لقد عملنا مع حكومتك وحكومة مدينتك، حاكم ولاية نيويورك الديمقراطي أندرو كومو وعمدة مدينة نيويورك الديمقراطي بيل دي بلاسيو، بهدف إنجاز المهمة. ولكن كنتم في عداد المفقودين في العمل إلا عندما يتعلق الأمر بـ"الصحافة" (في إشارة إلى تركيزهم على انتقاده).

بدا واضحاً أن الخلاف حول نيويورك أكبر من مجرد خلاف سياسي تقليدي بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل أصبح يعكس بشكل أو بآخر الموقف السلبي للتيار المحافظ من الجمهوريين من المدينة التي تعد معقل الديمقراطيين ومنارة الليبرالية في أمريكا.

كوشنر يتحدث عن الحكومة الفيدرالية كأنها ملكيته الخاصة هو وترامب

ولكن الخلاف لم يكن على مستوى نيويورك وحدها، بل بدا واضحاً أن الأزمة أظهرت وجود مشكلات في توزيع المهام والصلاحيات والمسؤوليات بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومات الولايات وحتى المدن. 

وأدى إصرار إدارة ترامب على أن تشتري الولايات إمداداتها الخاصة بدلاً من إنشاء نظام توزيع مركزي إلى دخول الولايات في حروب مزايدة مع دول أخرى، وفقاً للعديد من الحكام. 

وأفادت مجلة بيزنس إنسايدر بأن نيويورك اضطرت إلى دفع ما يصل إلى 15 ضعف السعر المعتاد للمعدات.

وعندما سأل عمدة مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو في خميس لم تره مدينته من قبل: "أين الحكومة الفيدرالية بحق الجحيم؟ إذا لم تأت المساعدة فسوف نخسر أناساً لا يجب أن يموتوا يوم السبت".

حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو وعمدة مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو/رويترز

جاءت الإجابة من صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره الأثير جاريد كوشنر قائلاً إن المخزون الفيدرالي ليس مخصصاً للولايات لاستخدامه. 

وفي مظهر فجّ على الهوة بين الإدارة الأمريكية وحكام الولايات، لم تستجب الإدارة لدعوات العمدة دي بلاسيو وحاكم نيويورك أندرو كومو، التي وجهاها علناً وبشكل متكرر، بأن تقدم لنيويورك مساعدة فيدرالية عاجلة.

ولكن إدارة ترامب قررت إرسال المساعدة فقط للمدينة الأكبر في البلاد فقط بناء على طلبات من أصدقاء ترامب، حسبما قال كوشنر.

إذ قال كوشنر في مؤتمر صحفي "تلقيت مكالمة من الرئيس في وقت مبكر جداً من صباح اليوم. أخبرني أنه كان يسمع من أصدقائه في نيويورك أن نظام المستشفيات العامة في نيويورك يتراجع".

وأضاف "أنه استدعى أكبر مسؤول صحي في المدينة وسلمه كمامات N95 التي تشتد الحاجة إليها إلى مستشفيات المدينة".

واتهم كوشنر الولايات بأنها تريد الحصول على مخزون الحكومة الفيدرالية بينما لديها مخزونها الخاص، واصفاً المخزون الفيدرالي في معرض حديثه بـ"مخزوننا".

وانتقد الديمقراطيون تصريحات كوشنر على الفور.

وقال النائب تيد ليو، من ولاية كاليفورنيا "نحن في الولايات المتحدة الأمريكية. المخزون الفيدرالي محجوز لجميع الأمريكيين الذين يعيشون في ولاياتنا، وليس فقط الموظفين الفيدراليين".

فيما علّق النائب جاريد هوفمان، من ولاية كاليفورنيا قائلاً: "بعد سنوات من الآن سيتعجب المؤرخون من أنه في مواجهة أسوأ جائحة شهدتها بلادنا على الإطلاق وضع الرئيس ترامب صهراً أحمق في هذا المنصب".

الصين وألمانيا تحرجان أمريكا

واللافت أنه في مقابل حالة الارتباك وتبادل السجالات بين الطبقة الحاكمة الأمريكية، كانت الصين وهي دولة أكبر من أمريكا عدة مرات من حيث عدد السكان وأقل تجانساً، والاختلافات بين أقاليمها أكبر من الاختلافات بين الولايات الأمريكية، كانت أسرع وأكثر فاعلية في مواجهة الفيروس، رغم أنها مازالت أقل في الإمكانات الاقتصادية والعلمية والعسكرية من أمريكا.

وقد يعزو البعض هذا الفارق في الأداء إلى أن الصين لديها سلطة مركزية قوية مستبدة، تتجنب المساومات بين الدرجات المختلفة من الحكم.

ولكن ألمانيا وهي دولة فيدرالية ديمقراطية نظامها السياسي يجعل السلطة في يد حكومتها المركزية التي تقودها ميركل أقل من السلطة التي تمتلكها إدارة ترامب، قد نجحت في التعامل مع الفيروس بشكل أفضل من الإداره الأمريكية، رغم أنه يفترض أن أمريكا لا تقل ثراء عن ألمانيا إن لم تكن تزيد.

خلاف قديم يتجدد دوماً

الخلاف بين السلطة المركزية وحكام الولايات أمر قديم في التاريخ الأمريكي نشأ مع نشأة البلاد ذاتها.

وعلى مدار التاريخ، كانت السلطة المركزية تزيد من قوتها في نهاية أغلب هذه الصراعات، ولكن المشكلة مازالت مستمرة.

وبينما شكّل النظام الفيدرالي الأمريكي نموذجاً يحتذى لكثير من دول العالم على مدار العقود، فقد ظهرت عوراته في هذه الأزمة بشكل لافت، في ظل نجاح دول أخرى في التعامل بشكل أفضل مع جائحة كورونا.

وبالإضافة إلى العيوب الكامنة في النظام الأمريكي، الذي لم يسبق أن واجه منذ عقود أزمة بهذا الحجم، فإن الشخصنة التي بدت واضحة في طريقة إدارة ترامب للأمور، بما في ذلك أسلوب التعامل مع حكام الولايات، فاقمت من إحساس العالم بالإشكالية الموجودة بين السلطة المركزية الأمريكية وحكام الولايات، وكذلك بين السلطة المركزية وبين الخبراء والفنيين المسؤولين عن معالجة الأزمة، والذين يريدون الالتزام بالنهج العلمي، بينما الرئيس ترامب يعتمد على غرائزه في التعامل مع الفيروس، حتى وصل به الأمر إلى أن ينصح بتناول أنواع معينة من الأدوية.

هل أصبحت أزمة كورونا تهدد وحدة أمريكا

رغم شعور سكان ولاية نيويورك بأنهم ظلموا من الحكومة المركزية، فإنه من الصعب تخيل أن وحدة الولايات المتحدة الأمريكية مهددة تهديداً خطيراً أو جدياً، حتى لو اهتزت صورتها في أعين الأمريكيين وخارج أمريكا.

فعلى عكس كثير من الدول الفيدرالية الأخرى، فإن أمريكا أمة واحدة لا يوجد اختلافات كبيرة ثقافياً ولغوياً بين ولاياتها.

وحتى الأقليات الأمريكية الأساسية مثل الزنوج وذوي الأصول الإسبانية لا يشكلون أغلبية في أي ولاية بعينها.

كما أن طبيعة الثقافة والإعلام الأمريكيين والهجرات المتواصلة بين الولايات تجعل من الصعب أن يتشكل شعور قومي حاد في ولاية بعينها يصل إلى توجه فعلي للانفصال، رغم أنه أمر طرح في التاريخ الأمريكي، سواء في خلال الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر أو بعض الدعوات الراديكالية الثانوية التي ظهرت في بعض المناطق.

نيويورك كانت أكثر مدن أمريكا تضرراً من فيروس كورونا/رويترز

ولكن الأكيد أن أزمة فيروس كورونا مثلها مثل أزمات أخرى تظهر عيوب النظام الفيدرالي الأمريكي، وأن هناك حاجه لإصلاحه.

 وكان فوز ترامب نفسه مؤشراً على ذلك، إذ إنه وصل للرئاسة رغم أنه لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين الأمريكيين، نتيجة الاعتماد على المجمع الانتخابي في تحديد الفائز في الانتخابات.

وهو المجمع الذي يعطي أفضلية للولايات قليلة السكان، شبه الريفية، المؤيدة للجمهوريين، التي أوصلت ترامب إلى السلطة، والتي يبدو أنها هي من يوليه ترامب اهتمامه فقط حتى في الأزمات والكوارث.

إذ يبدو أن الرئيس ترامب لا يخجل من أن يقدم نفسه باعتباره ممثلاً لهذه الولايات أكثر منه ممثلاً لأمريكا برمتها، ويظهر ذلك في مسارعته للتحرك لحل أزمة أقل خطورة بكثير، ولا تؤثر حتى على الأرواح، وهي أزمة انخفاض أسعار النفط، رغم أن تراجع الأسعار مفيد للمستهلكين الأمريكيين وهم أغلبية السكان.

ولكنه لم يقبل بهذا التراجع حتى لا تتضرر القاعدة الناخبة في الولايات المنتجة للنفط الصخري مثل تكساس.

في المقابل فإنه بدا هادئاً للغاية وفيروس كورونا يجتاح نيويورك، ذات القاعدة الديمقراطية.

لن ينتهي الظلم الدائم لهذه الولايات

إن النظام السياسي الأمريكي الحالي ليس ظالماً للديمقراطيين فقط، بل ظالم للولايات الديمقراطية التوجه أيضاً، وهي تمثل المناطق الأكثر تقدماً، والأعلى في مستوى الدخل، والأكثر في السكان، والأفضل تعليماً.

فهذه الولايات من الناحية الفعلية وزنها الانتخابي أقل من وزنه السكاني والاقتصادي، كما أنها أصبحت هدفاً مستمراً لانتقادات ومواقف متطرفة من قبل صقور اليمين الأمريكي، باعتبارها معاقل لليبراليين.

وقد اعتاد هؤلاء الصقور على الهجوم على النخب الساحلية، في إشارة إلى النخب الليبرالية المركزة في نيويورك وغيرها من المدن الساحلية الأمريكية والعاصمة واشنطن القريبة منها.

كما أن هذا الجمهور المحافظ المؤيد لترامب لديه نظرة سلبية تجاه وادي السيليكون في كاليفورنيا، والذي يعتبر عصب الاقتصاد الأمريكي.

ومع أنه كان نادراً أن يترجم هذا العداء بين المناطق المحافظة والليبرالية في أمريكا إلى تصرفات واقعية، فإن تقليل ترامب من خطورة الأزمة في نيويورك في بدايتها قد يكون مؤشراً على أن الولايات الليبرالية في أمريكا تدفع الثمن لأول مرة على الأرض، لسيطرة المحافظين على السياسة الأمريكية.

تحميل المزيد