فيما أعلنت إيران نيتها استئناف عدد من الأنشطة الاقتصادية رغم أنها أكثر دولة بمنطقة الشرق الأوسط تضرراً من كورونا، فإن القاهرة على ما يبدو قد تقتدي بطهران وتنحو لتقليل عمليات الإغلاق، عبر توجه غير علني يرمي إلى تخفيف الإجراءات الاحترازية الخاصة بكورونا في مصر.
وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الأحد إن بلاده ستستأنف الأنشطة الاقتصادية "منخفضة المخاطر" في 11 أبريل/نيسان الجاري رغم أن إيران تشهد أكبر عدد إصابات ووفيات بفيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط.
وتبذل إيران جهوداً مضنية للحد من تفشي فيروس كورونا، لكن السلطات قلقة أيضاً من أن الإجراءات الرامية إلى تقييد الحياة العامة لاحتواء الفيروس قد تدمر اقتصاداً يرزح تحت وطأة العقوبات بالفعل.
وقال روحاني في اجتماع بثه التلفزيون "تحت إشراف وزارة الصحة، كل الأنشطة الاقتصادية منخفضة المخاطر سيتم استئنافها اعتباراً من السبت" وتابع قائلاً "تلك الأنشطة سيتم استئنافها في طهران اعتباراً من 18 أبريل/نيسان".
وأضاف "ثلثا العدد الإجمالي للموظفين الحكوميين سيعمل من خارج المكاتب اعتباراً من السبت.. لا يناقض القرار نصيحة البقاء في المنزل التي أصدرتها السلطات الصحية".
ولم يحدد روحاني ما يعنيه بالنشاط منخفض المخاطر. لكنه قال إن تعليق الأنشطة "عالية المخاطر" بما يشمل المدارس والجامعات والأحداث الاجتماعية والثقافية والرياضية والدينية سيمدد حتى 18 أبريل/نيسان.
وقالت وزارة الصحة يوم الأحد إن عدد وفيات فيروس كورونا في الجمهورية الإسلامية وصل إلى 3603 من بين 58226 مصاباً. ويزيد عدد الوفيات 100 حالة يومياً على الأقل.
واشتكى المسؤولون الإيرانيون مراراً من تجاهل كثير من الإيرانيين لمناشدات البقاء في منازلهم وإلغاء خطط السفر لقضاء عطلة العام الجديد التي بدأت في 20 مارس/آذار.
وحذرت السلطات الصحية منذ ذلك الحين من موجة جديدة من الإصابات.
ولكن اللافت أن حكومة روحاني أحجمت عن فرض إجراءات عزل عامة على مدن في البلاد لكنها منعت التنقل بين المدن حتى الثامن من أبريل/نيسان.
روحاني مُصر على رفض الإغلاق الكامل
وأفاد تقرير سابق لـ "عربي بوست" بوجود خلاف بين روحاني والحرس الثوري، إذ يريد الأخير تنفيذ إغلاق كامل للبلاد على غرار الصين للقضاء على الفيروس، بينما رفض روحاني ذلك تماماً.
وفي أكثر من مناسبة.. اعتبر الرئيس حسن روحاني، أن إغلاق البلاد بشكل كامل، وإيقاف جميع الأعمال، هو هدف أعداء الجمهورية الإسلامية من وراء تفشي فيروس كورونا في البلاد.
ويقول المستشار السابق للرئيس حسن روحاني، علي أكبر تركان، لـ "عربي بوست"، "السبب وراء رفض روحاني فرض الحجر الصحي، أو أي إجراءات مشابهة، هو سبب اقتصادي بحت، فالبلاد على حافة الانهيار الاقتصادي، ولا يمكنها تحمل تبعات الإغلاق التام".
هل تتعايش مصر مع كورونا مثل إيران؟
قد يكون حال انتشار الفيروس في مصر مختلفاً بشكل كبير عن إيران، إذ تعتبر الأخيرة مركز تفشي الفيروس في الشرق الأوسط.
أما القاهرة فحتى مع تشكيك البعض في الأرقام التي تعلنها للإصابات والضحايا فهي بعيدة تماماً عن درجة التفشي التي تعاني منها إيران.
أما التشابه بين البلدين فهو بالأساس في الوضع الاقتصادي.
فكلا البلدين ينتمي للشريحة الوسطى من العالم النامي.
وبينما تعاني إيران من العقوبات الأمريكية وتراجع أسعار النفط، فإن القاهرة تعاني من انهيار إيرادات السياحة التي انتهت عالمياً جراء الفيروس، إضافة إلى الانخفاض المتوقع في مصادر الدخل والعملات الأجنبية مثل قناة السويس والاستثمارات في السندات وغيرها من أوراق المال المصرية، التي اكتسبت زخماً بعد التعويم.
وبالتالي فإن الإغلاق الكامل أو الجزئي للاقتصاد، من شأنه إلحاق ضرر إضافي بالبلاد.
مؤشرات على تخفيف الإجراءات الاحترازية الخاصة بكورونا في مصر
وبينما لم تكن القاهرة صريحة كطهران في إعلان نيتها تخفيف الإغلاقات، لكن هناك مؤشرات تفيد بنية تخفيف الإجراءات الاحترازية الخاصة بكورونا في مصر أو على الأقل أن الحكومة تختبر إمكانية تخفيف بعض الإغلاقات.
كان أول هذه المؤشرات دعوة مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء المصري، شركات المقاولات إلى العمل بكامل طاقتها فى كل المواقع، لأن قطاع التشييد والبناء من أهم القطاعات التي توفر فرص العمل، وتحقق أهداف التنمية المنشودة، حيث يرتبط به أكثر من 90 صناعة، حسب قوله.
ولكن ليس هذا القطاع الوحيد المتوقع استئناف العمل به.
فهناك مؤشرات على عودة تدريجية للمحاكم إذ أصدر المستشار بدري عبدالفتاح، رئيس محكمة استئناف القاهرة قراراً بعودة العمل في المحكمة يوم السبت الماضي 4 أبريل/نيسان 2020.
وقد قوبل القرار بتحفظات كبيرة من القضاة، ما دفعهم لإبداء ملاحظاتهم بشأن عودة العمل نظراً لما سيسببه من زحام واختلاط بالمحكمة، وهو ما استجاب إليه رئيس المحكمة وقرر إلغاء القرار السابق وتأجيل كافة الجلسات حتى 16 أبريل/نيسان الجاري.
ومع التأجيل الجديد بدأت المحكمة وضع قواعد لتنظيم الجلسات، مما يشير إلى جديتها في استئناف عملها.
إذ أعلنت محكمة استئناف القاهرة أنه لمنع تكدس المواطنين أمام المحاكم، مما يؤدي لانتشار عدوى فيروس "كورونا" المستجد بينهم، قررت، إعفاء نحو 203 قضاة من رؤساء الدوائر بالمحكمة سواء المدنية أو التجارية من الحضور عن شهر أبريل/نيسان الجاري.
وعلى الأرجح فإن خروج عدد من كبار رجال الأعمال على التوالي للمطالبة بعودة الإنتاج لم يكن مصادفة، إذ خرج عملاق صناعة السيارات المصرية رؤوف غبور يطالب بعودة العمل، رغم الانتقادات التي وجهت لرجل الأعمال نجيب ساويرس عندما طالب بنفس الأمر.
وعلم "عربي بوست" بأن توجيهات صدرت للإعلام الحكومي باستضافة اقتصاديين وخبراء يؤيدون عودة عجلة الإنتاج.
كما أفاد شهود عيان، بأن الشرطة المصرية أصبحت أقل حزماً في فرض حظر التجول مقارنة بالأيام الأولى للحظر التي قام خلالها رجال أمن بتوقيف أفراد من الطبقة الوسطى قضى بعضهم ليلته لأول مرة في حياتهم في سجون الأقسام المصرية لمجرد أنهم اخترقوا الحظر.
كما بدأت بعض الأنشطة التجارية غير الرسمية اختراق حظر التجول الذي يبدأ من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباحاً من كل يوم، بموافقة ضمنية من السلطات.
لماذا تريد مصر تخفيف الإغلاقات؟
بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، فإن من الواضح أن أحد أسباب توجه الحكومة المصرية لتخفيف الإغلاقات أو جس النبض في هذا الاتجاه، هو شعورها أن حجم انتشار المرض أقل كثيراً من الدول الأوروبية ولاسيما النموذج الإيطالي.
إذ تخطى عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في مصر، السبت 4 أبريل/نيسان 2020، حاجز الألف بعد تسجيل 85 حالة إيجابية جديدة، في حين وصل عدد الوفيات إلى 71 والشفاء إلى 241، وهو رقم ضئيل بالنسبة لعدد سكان البلاد.
ورغم أن بعض الأصوات المؤيدة للحكومة، تحاول التباهي بذلك الإنجاز، إلا أن محدودية التفشي هي ظاهرة تشمل العالم الثالث كله تقريباً، وهو ما يعطي مصداقية للتقارير التي تتحدث عن أن اللقاح ضد الدرن المنتشر تطعيم الأطفال به في العالم الثالث المعروف باسم Calmette-Guerin أو BCG، قد يكون السبب في ذلك.
وهو احتمال بدأت العديد من المؤسسات العلمية في العالم اختباره، كما أن الحكومة المصرية يبدو أنها تضع هذا الاحتمال في الاعتبار، حيث تمت الإشارة إليه في محاضرة رسمية لوزارة الصحة المصرية.
ومن الواضح أن الحكومة المصرية، تشعر أن درجة توسع الوباء في مصر، تحتمل تخفيف الإغلاقات، لإعطاء قبلة حياة للاقتصاد.
وفي الوقت ذاته، فإنها تتجنب عن الإعلان عن تخفيف الإغلاقات رسمياً لأن هذا من شأنه أن يشجع قطاعاً من المصريين ولاسيما من البسطاء أن يتحللوا تماماً من القيود والحذر الذي فرضته الأزمة، وهي القيود التي يضعف الالتزام بها أصلاً في أوساط الطبقات الفقيرة.
ولا يعني ذلك عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية، إذ تفضل الحكومة إبقاء الجوانب الترفيهية والروحية تحديداً في حدها الأدنى لأنها غالباً تنقل المرض، وفي الوقت ذاته فإن الاستغناء عنها لا يدمر الاقتصاد.
كما أن إعلان الحكومة عن هذا التوجه التخفيفي، لو صدر بشكل فج، وحدثت انتكاسة، وتوسع كبير للمرض، فإن اللوم سيوجه للحكومة، أما إذ تم التخفيف بشكل غير رسمي، فإن اللوم سيقع في هذه الحالة على الشعب غير المنضبط.