في الوقت الذي يعمق وباء فيروس كورونا أزمة إيطاليا ومأساتها، مسجلة أعلى معدل وفيات في العالم بنحو 14 ألف وفاة حتى الجمعة 3 أبريل/نيسان 2020، غالبيتهم العظمى من كبار السن، تطرح تساؤلات عن سبب نجاة اليابان، الدولة الأولى في العالم من حيث نسبة المسنين، من المصير الذي لاقته إيطاليا، حيث سجلت اليابان (الدولة الأقرب جغرافياً للصين بؤرة تفشي المرض الأولى)، نحو2,617 إصابة و63 وفاة فقط، فما سبب هذا التباين الصارخ؟
ما سر اليابان؟
تُقدر نسبة السكان الذين تتخطى أعمارهم 60 عاماً في اليابان، بنحو 33%، إذ تعد هذه النسب هي الأعلى عالمياً. تعاني اليابان من مجتمع "الشيخوخة الفائقة" في كل من المناطق الريفية والحضرية. وتقول تقديرات إن أكثر 12,5% من السكان يبلغون 75 عاماً أو أكثر.
وحول أسباب نجاة اليابان من نسب إصابات ووفيات كبيرة، يعتقد بعض المحللين أن الجواب الرئيسي هو أن اليابان لم تجر اختبارات مكثفة على فيروسات كورونا، بالمقارنة مع دول مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا، التي اختبرت مواطنيها بشكل كبير جداً. ويرجح البعض تفسير ذلك، خوفاً من تأثير الوباء على إقامة "أولمبياد طوكيو" (تم تأجيلها للعام المقبل لاحقاً)، فيما أشارت تقارير إلى أن اليابان تجري الاختبار لمن يعانون من أعراض ملحوظة فقط، ولا تجريه إلا في الحالات القصوى بعد إصابة الشخص بالحمى لمدة 4 أيام.
وفي بلد كاليابان يبلغ عدد سكانها أكثر من 126 مليون نسمة، أجرت البلاد 32125 اختباراً خلال شهر فبراير/شباط. ومع ذلك، نظراً لأن بعض الأشخاص يتم اختبارهم عدة مرات، فإن اليابان لم تختبر سوى 16484 فرداً، أي ما معناه اختبار واحد لكل 7600 شخص.
ولكن إذا افترضنا أن هذا ما حدث بالفعل، فمن المؤكد أن هذا العامل ليس هو التفسير الوحيد لهذه الأعداد القليلة من الإصابات والوفيات، وربما تكون هناك احتمالات أخرى لعدم تفشي الفيروس في اليابان.
السلوك المجتمعي بين إيطاليا واليابان
على عكس السلوك المجتمعي في اليابان التي تعتبر فيها العلاقات داخل الأسر أقل حميمية، كان لدى إيطاليا وضعها الخاص، حيث تعتبر العائلة الكبيرة هي من دعائم المجتمع، الجدود يجلبون أحفادهم من المدرسة ويحرسونهم ويقومون ربما بالتبضع لأولادهم الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثين وأربعين عاماً، معرضين أنفسهم بشكل خطير للعدوى. حيث اعتبرت حالة اللامبالاة والاستخفاف بالوباء، وعدم الالتزام الكامل بالإجراءات الوقائية، أحد أبرز الأسباب التي أدت للوصول لهذه الكارثة في إيطاليا.
كما يرى خبراء أن الوباء باغت إيطاليا من غير أن يتسنى لها اتخاذ استعدادات لمواجهته، خلافاً للدول المجاورة لها. فسرعان ما استنفدت المستشفيات قدراتها، واضطر الأطباء إلى القيام بخيارات صعبة بين المرضى الذين هم أجدى بالعلاج.
اليابان تعلمت جيداً من دروسها
أما في اليابان، التي تعلمت جيداً من دروسها السابقة مع الأمراض والكوارث، مثل وباء السارس عام 2003 أو كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011، تعاملت طوكيو مع وباء كورونا بحرص من البداية دون تخبط أو هلع، وكان كل ما طلبته السلطات من مواطنيها هو عزل أنفسهم في المنزل، وكانت الاستجابة والالتزام في المقابل كبيرين. ويرجح أن التزام اليابانيين بقرار الحكومة وتفضيلهم للبقاء في المنزل، قد أنقذهم من الإصابة بالوباء القاتل.
وكانت اليابان قد اتخذت إجراءات مبكرة لمنع انتشار الفيروس في أنحاء البلاد منذ الإعلان عن أوائل الإصابات، ففي 1 فبراير/شباط 2020، فرضت البلاد حظراً على أي زائر من مقاطعة هوبي الصينية، وفي 13 فبراير/شباط، أضافت مقاطعة تشجيانغ إلى القائمة. كما اتخذت الحكومة إجراءات داخلية متينة، إذ أوصت الحكومة مبكراً بإغلاق المدارس حتى بداية عطلة الربيع وإلغاء الأحداث الرياضية والحفلات الموسيقية، وهو ما التزم به اليابانيون بشكل كامل.
عوامل أخرى
قد تكون عوامل أخرى قد ساهمت في انخفاض معدلات الإصابة باليابان، مثل سمعة الشعب الياباني بالنظافة، وهو أمر ربما يكون ذا صلة، على الرغم من صعوبة قياس تأثير ذلك، إذ يعد ارتداء كبار السن للأقنعة الواقية حتى قبل تفشي فيروس كورونا أمراً مشهوراً، كما يعرف عن اليابانيين بأنهم محافظون على صحتهم جيداً.
كما تعد معدلات العزلة في اليابان مرتفعة بالفعل بين كبار السن، ما يعني المزيد من التباعد الاجتماعي الطوعي، وبالتالي احتمالات أقل للإصابة بالعدوى، على عكس إيطاليا تماماً.
شعور زائف بالأمان؟
في الوقت الحالي، يرى البعض أن الأرقام المنخفضة في اليابان قد تؤدي إلى "إحساس زائف بالأمان". إذ لا تزال احتمالات انتشار الفيروس بشكل كبير في البلاد موجودة، وبعبارة أخرى، فإن العدد المنخفض للأشخاص المصابين بين كبار السن، ربما لن يبقى بالضرورة على هذا النحو.
وإذا لم تقم الحكومة اليابانية باختبارات لمعرفة مدى انتشار هذا الفيروس على نطاق واسع ككوريا الجنوبية -وهو أمر لم تفعله طوكيو حتى الآن- فقد نرى نتائج أخرى غير هذه النتائج، وقد يكون مصير اليابان مثل مصير معظم الدول الأوروبية التي تفشى فيها الوباء.
فإذا نظرنا إلى اليابان، يتضح أن عدد الحالات بات يزداد بسرعة أكبر منذ أواخر مارس/آذار. في حين استغرق الأمر 65 يوماً حتى تصل البلاد إلى 1000 حالة مؤكدة.
حتى الآن، لدى اليابان حالات أقل من العديد من الدول الغربية، ولكن هذا ليس وقت الرضا عن النفس، حيث إن نصف شهر آخر قد يؤدي إلى تفش كبير على نطاق واسع مثل الولايات المتحدة، إيطاليا، إسبانيا، أو ألمانيا.
ولا تزال الحكومة اليابانية تدعو السكان إلى تجنب الأماكن ذات التهوية الضعيفة، والأماكن التي بها حشود كبيرة، أو تلك التي يتكدس فيها الناس بشكل كبير. إذ يمكن أن تقلل الجهود المبذولة لزيادة التباعد الاجتماعي من خطر حدوث ارتفاع كبير في العدوى.