منذ بداية تفشي فيروس كورونا تقريباً، أكد السياسيون والنقاد أهمية حدود الدولة. مع ارتفاع عدد الإصابات في الولايات المتحدة كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعهده في أثناء حملة ترشحه، ببناء جدار على الحدود الجنوبية لأمريكا. وشيطَن قادة آخرون المهاجرين "المتطفلين بوصفهم تهديداً، لأنهم يحملون مرضاً غريباً"، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
يقول بعض المعلقين إن الاستجابة للجائحة كانت بمثابة إحياء لفكرة "الدولة القومية" باعتبارها الفاعل المهيمن في عصر الخوف والإغلاقات. لقد أبطأت الوتيرة المتسارعة لعالمنا المتداخل، مع توقف المصانع وسلاسل التوريد، واضطراب التجارة وتعليق السفر مؤقتاً. حتى إن بعض المحللين يعتبرون الجائحة تمهيداً لعصر جديد؛ تتحلل فيه العولمة وتتقوقع فيه الدول ساعية لمزيد من الاعتماد على النفس.
بكلمات أخرى، إنه وقت "القوميين والمواطنين".. أن تكون مهاجراً، أو لاجئاً أو ساعياً لطلب اللجوء في أثناء هذه الأزمة العالمية، يعني أن حظك بات أسوأ مما كان عليه سابقاً.
بغضّ النظر عن الالتماسات اليائسة من منظمات الإغاثة، فقد أضحت قدرة العالم أقل على التعامل مع معسكرات اللاجئين المكدسة والمتداعية المنتشرة في أنحاء العالم والتي بدأ الفيروس ينتشر فيها. وليس الحال أفضل بكثير بالنسبة لأولئك الذين يلوذون بالفرار من الصراعات أو الحرمان: تابعت إدارة ترامب بشكل حثيث، على سبيل المثال، ترحيل طالبي اللجوء الذين يَصلون إلى حدود الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحذِّر فيه الجماعات الحقوقية من معاملة الإدارة للاجئين المعرَّضين للفيروس بإهمال في مراكز الاحتجاز.
أبطال يجب الاحتفاء بهم
ومع ذلك يمكنك القول إن المهاجرين هم الأبطال على الجبهة الأمامية لمكافحة الجائحة غير المحتفى بهم. يوفر المهاجرون قوى عاملة مهمة في عدة أماكن بداية من المستشفيات وصولاً إلى المزارع لإبقاء المجتمعات قائمة. وهم أيضاً أكثر الأشخاص ضعفاً في المجتمعات، ففي الهند على سبيل المثال يُجبِر إغلاق المدن الكبرى المهاجرين العاملين في الريف على السير مئات الأميال من المنزل.
وفي مناطق أخرى، عمَق غياب اللاجئين الشعور بوجود أزمة. ذكر صحفيون في Washington Post الأمريكية أوائل الأسبوع الجاري أن واحدة من المشكلات التي تواجهها الدول الأوروبية في الوقت الحالي تتمثل في أن إغلاق الحدود وحظر السفر حرمها من العمالة المهاجرة التي يعتمد عليها القطاع الزراعي في تلك البلدان.
وذكر الصحفيون أن "المزارع في أنحاء غرب أوروبا تعتمد إلى حدٍ كبير على الأوروبيين الشرقيين الذين يسافرون للعمل أثناء موسم الزراعة"، مضيفين: "لكن بعد عودة القطاع الزراعي من سباته الشتوي في ظل الإغلاق، قد يبدأ (نبات) الأسباراغوس الألماني في التعفن بالحقول وقد تعاني الفراولة الفرنسية من نقص الرعاية. تقول البلدان الأوروبية إن لديها ما يكفي من الطعام إلى الآن. لكن هناك قلق مما قد يحدث إذا ما امتدت الأزمة إلى موسم الزراعة، إضافة إلى مخاوف بشأن معيشة مزارعيها".
في الولايات المتحدة، تعتمد صناعة الأغذية والمطاعم على العمالة المهاجرة دون جدال. فمن بين 400 ألف عامل زراعي تقريباً في كاليفورنيا قد يكون 60 إلى 75 % منهم مهاجرين غير مسجلين أغلبهم قادمين من المكسيك. ومع بقاء أغلب القوى العاملة الأمريكية في المنازل، يظل هؤلاء المهاجرون في الحقول بوصفهم عمالة "أساسية".
يتعرضون لخطر كبير
وأشار تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية إلى أنه "بالنسبة للعديد من العمال، تمثل حقيقة أنهم في الوقت الحالي غير شرعيين وضروريين مفارقة غير مؤثرة سواء لهم، أو لأرباب الأعمال الذين اضطروا لخوض إجراءات قانونية مكثفة لفترة طويلة لإبقاء القوى العاملة في الحقول".
وقال هيكتور لوجان، المدير التنفيذي لمزرعة "Reiter Brothers" العائلية لإنتاج التوت في مدينة أوكسنارد بولاية كاليفورنيا لصحيفة The New York Times: "من المحزن أن الأمر تطلب أزمة صحية مثل هذه لتسليط الضوء على أهمية عمال المزارع".
وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية فكثير من هؤلاء العمال يواجهون ظروفاً عسيرة مع نقص معدات السلامة أو غيابها كلياً، وفي ظل التباعد الاجتماعي وعدم وجود دعم إضافي أو زيادات في الأجور. إذ لم تقدم الحزمة المخصصة لمكافحة فيروس كورونا البالغة تريليوني دولار التي أقرها الكونغرس أي دعم للأشخاص غير المسجلين.
وقالت إيرين دي بارايكوا، المتحدثة باسم منظمة "Líderes Campesinas" المدافعة عن حقوق عاملات المزارع الكاليفورنيات لصحيفة The Guardian: "يتقاضين الأجر نفسه، رغم أنهن يعرضن أنفسهن إلى خطر أكبر .. لا توجد معايير للسلامة. أحياناً نسمع أنهن يحظين بخمس دقائق فقط للحديث (عن الأمر) -ابقين على بعد ستة أقدام من بعضكن البعض، لا تفعلن هذا ولا ذاك- لكنهن يعملن ضمن أعداد كبيرة. يبدو أن الأمر لا يؤخذ على محمل الجد لأن المال أهم".
في مجال الرعاية الصحية
في هذه الأثناء، على جانبي المحيط الأطلنطي، ينحدر العاملون الطبيون الذين يكافحون الجائحة من أصول مهاجرة على نحوٍ متفاوت. وجدت دراسة في عام 2018 أن 17% على الأقل من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية بالولايات المتحدة لم يولدوا في أمريكا، وأن واحداً من بين كل خمسة صيدليين وأيضاً واحداً تقريباً من بين كل ثلاثة أطباء هم غير أمريكيي المولد. مع إدراكه لحاجة ولايته المتزايدة للمساعدة، وقّع فيل مورفي، حاكم نيوجيرسي، أمراً تنفيذاً يوم الأربعاء 1 أبريل/نيسان، يمنح بموجبه رخصة مزاولة الطب مؤقتاً للأطباء الأجانب.
جاء 27 ألفاً على الأقل من العاملين في مجال الرعاية الصحية بالولايات المتحدة إلى البلد وهم أطفال غير مسجلين. وكان وضعهم في الولايات المتحدة محمياً بموجب برنامج أُقِر في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ألغاه ترامب في عام 2017. ومصيرهم في الوقت الحالي إضافة إلى مئات آلاف آخرين مثلهم، تنظُر فيه الآن المحكمة العليا.
هناك من فقدوا أرواحهم على الخطوط الأولى للجبهة
وأيضاً، فإن 13% من القوى العاملة بهيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا ليسوا من حاملي الجنسية البريطانية. وكان أول أربعة أطباء يتوفون في بريطانيا من جراء مرض "كوفيد-19″، الذي يسببه فيروس كورونا، في أثناء رعايتهم للمرضى، من أصول مسلمة ومهاجرة.
أشارت شبكة الجزيرة إلى أن "الرجال الأربعة جميعهم -وهم ألفا سعدو، وأمجد الحوراني، وعادل الطيار، وحبيب زايدي- مسلمون ولهم أصول في مناطق تشمل إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط".
وقالت سارة ابنة الطبيب حبيب -التي هي بدورها طبيبة- لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إن وفاة والدها بفيروس كورونا "انعكاس لتضحيته".
وفي الولايات المتحدة، أعلنت إدارة مطافىء نيويورك نعيها لنائب رئيسها المسلم، سيد رحمن (59 عاماً)، بعد وفاته بفيروس كورونا، خلال تأديته لواجبه، حيث عمل رحمان لمدة 22 عاماً في خدمة مدينة نيويورك، واصفة إياه بالمدافع المخضرم عن مدينة نيويورك، وقالت الإدارة: "كرّس نائب رئيس المفتشين رحمن حياته لمساعدة الآخرين من خلال خدماته، وكان سكان نيويورك أكثر أمانًا بسبب عمله الرائع، كل يوم، ساعد في انقاذ حياة سكان نيويورك، إدارتنا بأكملها تنعي خسارته".